المولى سليمان.. السلطان المغربي "العلاّمة" الذي حرّر نصف الجزائر وقطع العلاقات مع أوروبا وقوّاها مع أمريكا
يُعتبر السلطان المغربي المولى سليمان بن محمد (ابن السلطان محمد الثالث)، الذي حكم المغرب من 1792م إلى 1822م، من السلاطين المغاربة الذين لم يشتهروا فقط بالحكم، بل أيضا بتأليف المؤلفات التي كان أغلبها في المجال الديني كالفقه والشريعة، حتى أنه كان يُلقّب بـ"الفقيه" أو "العلاّمة" نظير المؤلفات التي كان قد ألّفها خلال حياته.
وبالرغم من أن المغرب خلال فترة حكم المولى سليمان تميزت في أغلبها بفترات الرخاء والازدهار الثقافي والعلمي، بسبب دعم هذا السلطان المنقطع النظير للعلم والعلماء، إلا أنه في بداية حكمه وفي السنوات الأخيرة منه، عرف المغرب عدد من القلاقل والتهديدات تطلبت منه التعامل معها بحزم لتثبيت الحكم في البلاد وإعادة الاستقرار.
ونجح المولى سليمان في إخماد كافة الثورات والقلاقل داخل وخارج البلاد، وأبرزها التهديد الذي كان قد عاد من جديد ليطل على المغرب، وهو تهديد العثمانيين الذين عادوا لمناوشة المملكة المغربية من الشمال الشرقي للبلاد، إلا أن القوات السلطانية المغربية نجحت في التصدي للعثمانيين، بل وتمكنت في سنة 1795م من السيطرة على النصف الغربي للجزائر وتحريره من قبضة الأتراك العثمانيين وضمه إلى سلطة المغرب.
وظلت العديد من المناطق الجزائرية وعلى رأسها وهران وتلمسان تحت حكم المغرب، من 1795م إلى غاية 1834م عندما قرر السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام، سحب القوات المغربية من الجزائر وتسليم هذه المناطق إلى الأمير عبد القادر الجزائري.
ومن أبرز ما اشتهر به المولى سليمان إبان فترة حكمه للمغرب، هو ما يُعرف تاريخيا بـ"سياسة الانغلاق" حيث عمد إلى تقليص المعاملات والعلاقات مع أوروبا إلى شبه قطيعة كاملة، وهي سياسة احترازية كان الهدف منها عدم اعطاء أي فرصة للقوى الاستعمارية الأوروبية احتلال البلاد أو التعرف على نقاط قوته وضعفه، خاصة أن الأوروبيين في تلك الفترة كانوا يعمدون إلى إرسال الجواسيس في كل مكان تمهيدا للمرحلة الاستعمارية العسكرية.
ويعتبر عدد من المؤرخين أن هذه السياسة، وإن كان لها تداعيات سلبية، خاصة في مجال التقدم والتطور الثقافي الذي كانت تحرزه أوروبا مقابل تأخر المغرب، إلا أنها كانت سببا رئيسيا في إبعاد المغرب عن الاحتلال الأجنبي لحوالي قرن من الزمن، في وقت سقطت فيه بلدان عديدة مثل مصر والجزائر في قبضة الاستعمار الأوروبي.
لكن مقابل سياسة الانغلاق تُجاه أوروبا، فإن المغرب خلال فترة المولى سليمان عرف ازدهارا في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سار المولى سليمان على نهج والده السلطان محمد الثالث الذي كان أول حاكم في العالم يعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن التاج البريطاني سنة 1777م.
وظلت العلاقات المغربية الأمريكية متينة، بالرغم من "حادثة دبلوماسية خطيرة" وقعت سنة 1802م تسبب فيها القنصل الأمريكي بطنجة، جيمس سيمبسون، عندما رفض السماح بإرسال سفينيتين تابعتين للسلطان المولى سليمان محملتين بالمساعدات، عبارة عن حمولات من القمح والشعير إلى ليبيا.
وكانت السواحل الليبية أنذاك في حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحت حصار الأسطول الأمريكي، بسبب أعمال القرصنة التي كان يمارسها الليبيون ضد السفن الأمريكية التي تعبر البحر الأبيض المتوسط
وعلّل القنصل الأمريكي رفض بلاده لهذه البادرة المغربية، باتفاقية تجمع المغرب والولايات المتحدة الامريكية تم توقيعها في سنة 1786م، وتنص هذه الاتفاقية على عدم مساعدة المغرب لأي دولة تدخل في حرب مع الولايات المتحدة، وعلى إثر ذلك رفض القنصل الأمريكي السماح للسفينيتين المغربيتين اللتين كانتا راسيتان في ميناء جبل طارق بالتوجه إلى ليبيا.
وحسب عدد من المؤرخين، فإن هذا التصرف من القنصل الأمريكي، أثار انفعالا شديدا لدى السلطان المولى سليمان، فأصدر أمره لعامل طنجة بطرد القنصل الأمريكي من المغرب على الفور، وتبع هذا القرار بقرار مفاجئ، وهو الإعلان بصفة رسمية الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن بعد فترة قصيرة من هذا التصعيد، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عبر قنصلها، جيمس سيمبسون، تقديم اعتذار رسمي للمغرب على ما حدث، وتراجعت عن موقفها بشأن إرسال المغرب لمساعدات لليبيين، وبالتالي توجهت سفينتا السلطان إلى ليبيا دون أي اعتراض من الأسطول الأمريكي، لتُطوى بذلك واحدة من حوادث التوتر الدبلوماسي القليلة جدا في تاريخ العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.