بحثا عن "الركراكي" الذي تحتاجه العديد من المؤسسات المغربية.. هل يُقنع إنجاز "الأسود" المسؤولين الفاشلين بالرحيل؟

 بحثا عن "الركراكي" الذي تحتاجه العديد من المؤسسات المغربية.. هل يُقنع إنجاز "الأسود" المسؤولين الفاشلين بالرحيل؟
الصحيفة من الرباط
الثلاثاء 20 دجنبر 2022 - 12:35

عندما أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بتاريخ 31 غشت 2022، تعيين وليد الركراكي مدربا جديدا للمنتخب المغربي، عقب إقالة البوسني وحيد خليلوزيتش، لم يكن أحد يتوقع أن يذهب الرجل بعيدا في كأس العالم 2022 التي أقيمت بقطر، ولم يكن أشد المتفائلين يستطيع أن يتخيل أن مغامرته التي نودِيَ لخوضها على عجل قد تتجاوز في أحسن الأحوال الدور الثاني.

لكن الركراكي، المدرب الشاب البالغ من العمر 47 عاما، الذي استلم إرثا ثقيلا من مدرب طاعن في السن جعل الأجواء داخل النخبة الوطنية مُكهربة أكثر من أي وقت مضى، استطاع تحقيق ما بدا أنه مستحيل، بوصوله إلى نصف نهائي المونديال، وهو الذي أتى مسلحا بأمرين فقط، الثقة في النفس و"النية"، مقدما للعديد من الجهات في المغرب درسا مفاده أن وقت التغيير قد حان وأن العقليات القديمة تستحق الإبعاد العاجل.

مقاومة التغيير

وأتى الركراكي إلى المنتخب الوطني وهو مطالب بأمر أساسي يسبق حتى التفكير في مباريات كأس العالم، ذلك أن مهمته الأولى كانت هي نزع فتيل الأزمة داخل أروقة المنتخب وإعادة الهدوء والثقة لعناصره، وكان اتفاقه مع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، واضحا بخصوص إتاحة المجال له للاشتغال وفق منظوره، مع منحه الثقة والدعم اللازمين دون أي تأثير خارجي.

كان قرار لقجع مُغامرة حقيقية، ووجه بالكثير من المقاومة من طرف جهات يمكن إدراجها في خانة "مقاومة التغيير"، والتي كانت ترى في استمرار خليلوزيتش أمرا أساسيا للعب كأس العالم، لعله يستطيع فقط أن يكرر ما فعله مع الجزائر في مونديال البرازيل 2014 حين قادهُ لتجاوز الدور الثاني في مجموعة كانت تضمُ أيضا منتخب بلجيكا، لكن لم يكن أحد يتوقع أن الركراكي قادر على فعل ما يتجاوز ذلك.

وحَمَل بعض المعلقين على عاتقهم مهمة تخويف المغاربة من هذا التغيير الذي تم في الوقت بدل الضائع، مروجين لفكرة يتم استدعاؤها كلها نودي بالتغيير داخل إحدى المؤسسات المغربية التي أصابها التهالك، وهي أن "أصحاب الخبرة دائما أفضل"، وأن التغيير في هذا الوقت تحديدا لن يكون إلا إلى للأسوأ، وضد مجرى التيار قبل القجع والركراكي التحدي هذه المرة لعل المسار يكون مختلف.

البحث عن الأشخاص المناسبين

وعندما حل الركراكي بالمنتخب، كان أول قرار اتخذه هو عدم الاستماع للكلام الكثير وبدأ العمل مباشرة باستحضار "النية" الحسنة، وقبل أن يدخل الرجل في الأمور التقنية بدأ يركز على أولويات أخرى كان يعلم أنها تصنع الفرق على رقعة الميدان، أهمها تطهير محيط المنتخب المغربي ممن لا دور لهم، ثم بدأ مُسلسل المصالحة الذي كان الهدف الأساس منه هو دخول كأس العالم دون مشاكل ودون صراعات.

ورغم أن مساره في التدريب ليس طويلا، إلا أن الركراكي راكم ما يكفي من خبرة وألقاب جراء تلقيه تكوينات متتالية في أوروبا، إلى حين حصوله على دبلوم "ويفا برو"، ومشاركته في محاضرات مدربين عالميين، ثم من خلال تجاربه مع الفتح الرباطي والدحيل القطري والوداد البيضاوي، التي توجت كلها بالألقاب، بما في ذلك دوري أبطال إفريقيا العام الماضي، الأمر الذي مهد لقدومه إلى المنتخب بأفكار جديدة غير معهودة.

وبعد أن طوى الركراكي صفحة الماضي مع لاعبين مثل حكيم زياش ونصير مزراوي، ونزع فتيل الصراع الذي تسبب فيه خليلوزيتش، مر إلى وضع الأشخاص المناسبين في كل موقع، حيث اعتمد على الإنجليزي هاريسون كينغستون كمحلل للأداء، وهو الشخص الذي قام بالدور نفسه مع المدرب الألماني يورغن كلوب في ليفربول، ثم استقطب محلل الفيديو موسى الحبشي من المنتخب البلجيكي، واعتمد على الدولي المغربي السابق غريب أمزين كمساعد له، بعد أن كان مساعدا لمدرب تروا الفرنسي في الدرجة الأولى.

"لارام" و"دوزيم".. فشل مونديالي

كانت تجربة الركراكي مع المنتخب المغربي، التي منحت الأفارقة والعرب لأول مرة في تاريخهم المرتبة الرابعة في كأس العالم، تأكيدا عمليا على أن الأمور تحتاج أحيانا للتغيير الجذري لا إلى الترقيع، وهو أمر كان على العديد من المؤسسات في المغرب الانتباه له لعلها تستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذ وإعادة القطار لسكته الصحيحة، لكن المونديال كان أيضا فرصة لتثبت بعض الجهات مرة أخرى أنها غارقة في الفشل، وأن ما حدث مع المنتخب يجب أن يحدث معها بطريقة أخرى.

وفي مقدمة تلك المؤسسات، الخطوط الملكية المغربية، التي فضح كأس العالم مرة أخرى منطق الاحتقار والاستغلال الذي تتعامل به مع زبنائها، وهي التي تسببت في فضيحة أساءت للصورة الجميلة للمملكة التي رسمها المنتخب الوطني، وذلك بعدما فشلت في تدبير عملية إعادة الآلاف من المشجعين المغاربة الموجودين في الدوحة بعدما سبق لها أن فتحت الباب أمامهم لحجز رحلات الذهاب حتى دون التوفر على بطاقات "هيا" كما يفرض المنظمون.

وبعد أن مرت فضيحة إلغاء رحلات الذهاب الخاصة بمباراة نصف النهائي ليلة اللقاء، وسط احتجاجات كبيرة شهدها مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، أتبعتها "لارام" بفضيحة أخرى بعد "البلوكاج" الحاصل للعائدين خلال محاولاتهم تأكيد حجوزاتهم عبر موقع الشركة، ليجدوا أنفسهم محاصرين في الدوحة دون أن يكلف الرئيس المدير العام للشركة التي تقف على حافة الإفلاس، عبد الحميد عدو، نفسه الخروج بأي توضيحات أو رسائل طمأنة أو حتى محاولات تواصل مع الزبناء الذين تحولوا إلى ضحايا سوء تدبير مُعتاد من المؤسسة المذكورة.

أما القناة الثانية "دوزيم"، فكان المونديال مناسبة لها أيضا لتجديد إعلان فشلها في القدرة على مواكبة الأحداث الكبيرة، ففي الوقت التي تمكنت فيه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من الحصول على حقوق بث 10 مباريات في المونديال، بما في ذلك مباريات المنتخب المغربي إلى جانب الافتتاح والنهائي، وواكبت فيه مختلف القنوات المغربية إنجاز "الأسود الأطلس" ببرامج خاصة، بقيت دوزيم على عهدها مع المسلسلات التركية المدبلجة.

واكتفت هذه القناة بتغطية بسيطة اعتمدت أساسا على مراسلات موفدها من الدوحة، وبمواكبة الإنجاز غير المسبوق ضمن نشراتها الإخبارية، دون أن يخلو الأمر من أخطاء على غرار بثها تصريحات لصحافيين من دول أمريكا اللاتنية على أنهم إسبان قبل مباراة الثُمُن بين المنتخب المغربي ونظيره الإسباني، ليعود التساؤل مجددا حول مستقبل القناة الموجودة منذ سنوات في حالة موت سريري: هل فعلا هناك جدوى من بقاء سليم الشيخ، الموجود في منصبه منذ 2008، مديرا عاما لـ"دوزيم"؟.

في انتظار "ركراكيين" آخرين

لكن مؤسسات أخرى لا تحتاج إلى "المونديال" لتثبت فشلها، كما أنها لا تحتاج لأي مباراة لتؤكد أن "تغيير المدرب" صار حتميا، لأنها خسرت بالفعل العديد من مبارياتها، وأضحت تشكل عائقا أمام أي محاولة لبناء الثقة بين الدولة وبين المواطنين، الذين يرون في مسؤوليها أشخاصا عفا عنهم الزمن، أو ثلة من "المنتفعين" الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية ألا وأخيرا.

ولا تُستثنى الخزينة العامة للمملكة من هذا الأمر، لأن خازنها العام نور الدين بنسودة، الذي يوجد على رأسها منذ سنة 2010، هو المثال الواضح لـ"الشخص غير المناسب" الذي لا يمشي إلاّ وسارت بظله الفضائه والمصالح الشخصية، انطلاقا من فضيحة "عطيني نعطيك" مع وزير المالية الأسبق صلاح الدين مزوار، حين وقع الاثنين وثائق تمكنهما من تبادل التعويضات، وعوض أن يعاقب الاثنان جرت متابعة الموظف الذي فضح الواقعة.

ولا يُعلم إلى حد الآن ما الذي يفعله بنسودة على رأس خزائن الدولة، باستثناء ملأ رصيده البنكي ومراكمة العقارات، على غرار استفادته وأفراد أسرته سنة 2018 من أرض في ملك الدولة تقع في قلب منطقة "تاركة" بمراكش بمساحة 20.280 مترا مربعا، مقابل مبلغ لا يتجاوز 6 ملايين و84 ألف درهم، أي ما يعادل 300 درهم للمتر المربع، في حين أن ثمنها الحقيقي هو 20 ألف درهم للمتر أي أكثر من 400 مليون درهم إجمالا.

الفشل نفسه، لكن بتفاصيل مختلفة، ينطبق على مؤسسة توجد على تماس مباشر بالمواطنين، ويتعلق الأمر بمؤسسة "العمران" العقارية المملوكة للدولة، التي يرأس مجلسها الإداري بدر الكانوني منذ سنة 2010، أصبحت خلالها المجموعة مضرب المثل في الفشل وسوء تدبير المشاريع وضياع مصالح الناس، وآخر نماذج ذلك ما حدث في القنيطرة حين تعطلت عمليات تسليم الشواهد الإدارية لأصحاب البقع المجهزة منذ عام ونصف، بالإضافة إلى تعثر العديد من المشاريع في مختلف مدن المملكة.

والمثير في الأمر أن واقع المؤسسة لا يخفى على أحد، من المجلس الأعلى للحسابات الذي أصدر في حقها تقريرا أسود سنة 2013 كشف فيه الشركة المملوكة للدولة متورطة في خرق القانون وفي تضييع حقوق المواطنين نتيجة ضعف التزامها، ووصولا إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، التي سبق أن اعترفت بأنها باتت تتحمل تبعات فشل الشركة لأن الناخبين يعرفونها هي، وهي التي ستُحاسب أمامهم.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...