بعد توالي الفضائح العقارية.. هل هناك "تواطؤ" بين وزارة الإسكان والمنعشين العقاريين بعدم تفعيل مفتشية الوزارة؟

 بعد توالي الفضائح العقارية.. هل هناك "تواطؤ" بين وزارة الإسكان والمنعشين العقاريين بعدم تفعيل مفتشية الوزارة؟
الصحيفة من الرباط
الأثنين 3 ماي 2021 - 12:00

مع بروز فضيحة عقارية أخرى تخص مَشاريع السكن الاجتماعي التي تتراكم عليها شكاوى المواطنين، والتي وصلت إلى القضاء، وفُتِح بخصوصها تحقيقات تباشرها النيابة العامة كما هو حال مشروع "بساتين بوسكورة" الذي دخل إلى مرحلة التحقيق بعد عدم تسليم 2500 شقة لمالكيها بالرغم من دفعم للأقساط المستحقة لصاحب المشروع، يطفو بوضوح دور وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسية المدينة، ومسؤوليتها القانونية على "الفضائح العقارية" التي يذهب ضحيتها آلاف المغاربة سنويا في مشاريع وهمية وأخرى تباع للمواطنين بمبالغ طائلة على شكل "نوار" خارج الاتفاقيات المبرمة بين الوزارة والمنعشين العقاريين خارج شروط دفتر التحملات الملزمة لكلا الطرفين.

وفي الوقت الذي باشرت عناصر الفرقة الولائية الجنائية بولاية أمن الدار البيضاء، عملية الاستماع إلى المسؤولين عن مشروع "بساتين بوسكورة"، بعد توصل النيابة العامة بعشرات الشكايات من الضحايا تتعلق بـ"النصب والاحتيال"، حيث ظهر العديد منهم في أشرطة فيديو يتحدثون عن الخروقات التي شابت هذا المشروع، والتي تخص المبالغ التي سلموها للمنعش العقاري على شكل "نوار" - في هذا السياق - تطرح العديد من الأسئلة حول عدم تفعيل وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسية المدينة، لدور المفتشية العامة التابعة للوزارة.

تفعيل دور هذه المفتشية التي يُخول لها القانون متابعة ومراقبة المشاريع السكنية خصوصا تلك المتعلقة بالسكن الاجتماعي وفق الاتفاقيات التي توقعها الوزارة مع المنعشين العقاريين والتي تدر عليهم ملايير السنتيمات كأرباح استرجاع الضريبة على كل شقة تباع ضمن مشاريع السكن الاجتماعي، كفيل بالحد من "القرصنة" التي يقوم بها العديد من المنعشين العقارين لجيوب المواطنين من ذوي الدخل المحدود المعنيين بشكل مباشر بمشاريع السكن الاقتصادي.

فلماذا لم تفعل وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسية المدينة، نزهة بوشارب، لدور المفتشية، مع العلم أن للوزارة الحق القانوني في تتبع الاتفاقيات التي توقعها مع المنعشين العقاريين من حيث المشاريع وتراخيصها وتجهيزها وتتبع مطابقتها لدفتر التحملات من حيث جودة البناء ومساحة الشقق والمرافق التابعة للمشروع مثل المساحات الخضراء، وكل التفاصيل حتى انتهاء المشروع، مع امكانية توقيف أي مَشروع وفسخ العقد المنعس العقاري وترتيب ذعائر عليه إن تبين أنه لا يحترم المعايير المنصوص عليها في عقد الشراكة الذي يلزمه أيضا ببيع الشقق بثمن مُحدد ملزم له وفق دفتر للتحملات، ومدعوم من طرف الدولة.. فلماذا لم تُفَعّل الوزيرة بوشارب دور المراقبة وتركت آلاف المواطنين عرضة لنهش جيوبهم من طرف المنعشين العقاريين؟

مصدر موثوق من داخل وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسية المدينة، أكد لـ"الصحيفة" أن مفتشية الوزارة لم تقم بأي رصد أو تتبع أو تنقل ومراقبة لأي من المشاريع التي وقعت عليها الوزارة مع المنعشين العقاريين على شكل اتفاقيات خصوصا تلك المتعلقة بالسكن الاجتماعي الذي يباع أكثر من الثمن المحدد له في الاتفاقيات المؤطرة بدفتر تحملات واضح.

وحسب المصدر نفسه، فالوزيرة نزهة بوشارب، لم "تهتم" بتفعيل دور مُفتشية الوزارة، وهو ما يطرح الكثير من علامات التعجب والاستفهام معا، خصوصا إذا علمنا أن العديد من الفضائح العقارية أصبحت طاغية على سوق العقار في المغرب، الذي يقترب من الانهيار بسبب التسيب الذي يشهده، وفشل الوزارة في تأطيره بالقانون الذي يوقف جشع المنعشين ويحمي المواطنين.

وأكد نفس المصدر من داخل الوزارة أن العديد من الاتفاقيات التي أشرت عليها الوزير نزهة بوشارب مع العديد من كبار المنعشين العقاريين، بقيت خارج إطار التتبع ولم تحترم بنود ما تم التوقيع عليه رغم أن هذه الاتفاقيات التي تخص السكن الاجتماعي مؤطرة بدفتر تحملات، وتستهدف الفئة الهشة مجتمعيا.

نفس المصدر أكد أن المواطنين من ذوي الدخل المحدود تُرِكُوا فريسة للمنعشين العقاريين الذين يفرضون "النوار" على كل مقتني لشقة في السكن الاجتماعي، دون أن تحميهم الوزارة بالمراقبة والتتبع وتفعيل دور مفتشية الوزارة التي يخول لها القانون تتبع الاتفاقيات وفسخ العقود مع المنعشين العقاري المخالفين لدفتر التحملات، وفرض عقوبات تحرم كل مخالف الاستفادة من اتفاقيات جديدة.

وكلها خطوات كان تفعيلها كفيل بإيقاف الكثير من "الجشع" في سوق العقار مع تطبيق فلسفة "السكن الاجتماعي" الذي تدعمه الدولة بملايير السنتيمات كعوائد ضريبية، غير أن الوزيرة - يضيف نفس المصدر - لم تأمر بتفعيل أي مراقبة لهذ الاتفاقيات.

وحسب المعطيات التي حصل عليها موقع "الصحيفة"، فإن مفتشية الوزارة "شبه جامدة" ولم يتم تفعيل أي مهمة مراقبة أو رصد لأي مخالفات مع أن أغلب المنعشين العقاريين يضاعفون أرباحهم خارج إطار القانون بفرضهم مبالغ طائلة على شكل "نوار" على المواطنين وغالبيتهم من ذوي الدخل المحدود، وهناك العشرات من الاحتجاجات والشكايات التي يتوصل بها القضاء بمختلف مُدن المملكة تخص فرض مبالغ مالية كبيرة من المنعشين العقاريين على المواطنين خارج إطار المبالغ المحددة قانونا للسكن الاجتماعي.

مصادر أخرى أكدت إلى أن الأمر يُشبه "تواطؤ" بين الوزارة والمنعشين العقاريين، خصوصا مع اقتراب الانتخابات، حيث يبرز بشكل كبير دور المصالح الذاتية والحزبية وحتى الشخصية لعدم تفعيل الكثير من الإجراءات التي تهم الصالح العام، واختزالها فيما هو خاص.

وإن كانت الفضائح العقارية تتوالى وسوق العقار يسير نحو الانهيار والثقة بين المنعشين العقاريين والزبائن أصبحت شبه منعدمة، وآلاف المغاربة من الجالية المغربية الذين كانوا عاملا مهما في إنعاش سوق العقار المغربي فقدوا الثقة في اقتناء شقق وعقارات في بلادهم الأصلي بعد أن توالت فضائح المشاريع العقارية، فإن الوزارة تبقى عاجزة عن التحرك في إطار ما يخولها لها القانون للحد من هذه الفوضى الغير قانونية، كما أنها تتحمل المسوؤلية الكاملة في جعل سوق العقار عبارة عن بورصة كبيرة للربح على حساب المواطنين من ذوي الدخل المحدود الغارقين في قروض طويلة الأمد مع البنوك من أجل ضمان سكن لائق للحياة.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...