تحقيق.. وثائق ومعطيات تنشر لأول مرة تكشف خروقات صفقة العلمي لإنشاء موقع إلكتروني بـ250 مليون

 تحقيق.. وثائق ومعطيات تنشر لأول مرة تكشف خروقات صفقة العلمي لإنشاء موقع إلكتروني بـ250 مليون
الصحيفة – بديع الحمداني
الخميس 16 يوليوز 2020 - 13:13

يتضح أن تبذير المال العام من طرف المسؤولين المغاربة، قصة عشق لا تنتهي، وما يظهر على السطح، أو ما تصل إليه الصحافة، ليس سوى مجرد قمّة صغيرة لجبل جليدي ضخم مغمور في مستنقع سوء تدبير للمال العام.

فبعد الفضيحة التي كشفت تفاصيلها "الصحيفة" في وقت سابق حول "مطبخ" المحافظة العقارية، حصل مَوقع "الصحيفة" على وثائق ومعطيات يتضح أنها تسلط الضوء على فضيحة أخرى مُتعلقة بتبذير المال العام، و"بطلها" هذه المرة وزير، لكنه سابق.

الحديث هنا عن القيادي البارز في حزب التجمع الوطني للأحرار، والوزير السابق للشباب والرياضة ما بين 5 أبريل 2017 و9 أكتوبر 2019، وطبعا المعني بالأمر هو الطالبي العلمي، الذي كشفت مصادر خاصة للصحيفة عن معطيات تخص تفويته لصفقة إنشاء موقع إلكتروني "وطني" خاص بالتخييم تُشرف عليه الجامعة الوطنية للتخييم في إطار اتفاقية بين وزارة الشاب والرياضة، التي كان على رأسها رشيد الطالبي العالمي، والجامعة المذكورة، حيث يَحمل هذا الموقع أو البوابة إسم النطاق "Vacances.gov.ma".

هذه الفضيحة، بدأت إرهاصاتها بعد تداول وثيقة "مَصدرها" المفتشية العامة لوزارة المالية، التي كشفت أن وزير الشباب والرياضة السابق وافق على تمرير صفقة إنشاء موقع إلكتروني خاص بالمخيمات الصيفية سنة 2019 مقابل 250 مليون سنتيم، في حين يرى خبراء تقنيون أن قيمة إنشاء الموقع لم تكن لتتعدى 200 ألف درهم على أبعد تقدير (سيأتي تبيان ذلك في الفقرات المقبلة).

الطالبي العلمي خرج في تصريح إعلامي في الأيام الماضية، وكذب صحة  الوثيقة "المسربة" عن المفتشية العامة لوزارة المالية التي تحدثت عن مجموعة من الاختلالات، من أبرزها أن الصفقة لم تحترم قانون الصفقات العمومية، وتم تفويتها بشكل مباشر لإحدى الشركات، كما أشارت إلى أن الوزارة ليس من حقها تفويض الصفقة للجامعة الوطنية للتخييم، إضافة إلى أن الموقع لا يحترم ميثاق المواقع الإلكترونية المؤسساتية، ولا يحترم القانون المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والذي ينص على تخصيص مساحة تسمح بموافقة المستفيد القبلية، كما تأكد أن قيمة صفقة مبالغ فيها مقارنة بمواقع أخرى تابعة لوزارات حكومية.

تقرير فتح الأظرفة المتعلقة بـ"دراسة وتنفيذ البوابة الوطنية للمخيمات الصيفية

وحصلت "الصحيفة" على الصورة الخاصة بتقرير فتح الأظرفة المتعلقة بـ"دراسة وتنفيذ البوابة الوطنية للمخيمات الصيفية: التصميم والتطوير والنشر والتدريب والمساعدة الفنية والصيانة"، وقد وقّع على اختيار الشركة التي فازت بالصفقة كل من محمد القرطيطي رئيس الجامعة الوطنية للتخييم، ومحمد الصبار المدير العام للجامعة الوطنية للتخييم، وعثمان غاير مدير شؤون الشباب والأطفال والنساء في وزارة الشباب، وعبد الرحمان أجباري رئيس مصلحة المخيمات، وذلك بتاريخ 10 يناير 2019.

التفويت المباشر للصفقة

مصادر "الصحيفة" كشفت بأن الصفقة تم تفويتها  لشركة "Horizons Informatique S.A.R.L" التي توجد بشارع البريهي بالعاصمة الرباط، ومدير الشركة يُدعى (ع. ش) وهو صديق منذ مدة طويلة لرشيد الطالبي العلمي، وقد كان هناك تعامل بينهما حيث سبق أن حصل الطالبي من الشركة المذكورة على خوادم "سيرفورات" ومواد معلوماتية عندما كان رئيسا للبرلمان. 

وأضافت المصادر ذاتها، أن (ع. ش) كان لديه مكتب في وزارة الطالبي العلمي كمستشار تعاقدي يقدم استشارات حول التعاقدات وكان وسيطا بين الوزير والكاتب العام للوزارة بخصوص العقود وطلبات العروض، وهو ما يشير إلى أن الصفقة في الحقيقة تم تفويتها لصديق الطالبي العلمي وليس عن طريق تقديم طلبات العروض واختيار الشركة المناسبة.

الشركة التي تم اختيارها لاستضافة هذه البوابة الإلكترونية، هي شركة Medasys  (Medafrica Systems) التابعة لشركة "Maroc Data Center" التي توجد في مدينة تمارة، في حين يوجد طاقم شركة ميداسيس المستضيفة في شارع النسيم بحي الرياض بالعاصمة، وهي بالمناسبة "شقيقة" شركة "PC Memoria" المتخصصة في بيع الأجهزة الإلكترونية الخاصة من نوع HP، ويوجد مقرها في شارع هارون الرشيد بحي أكدال بالعاصمة الرباط مباشرة خلف مقر وزارة الشباب والرياضة.

المسافة بين شركة PC Memoria المتخصصة في بيع الأجهزة الإلكترونية الخاصة من نوع HP، ومقر وزارة الشباب والرياضة

وكشفت مصادر "الصحيفة" أن شركة ميداسيس فازت في 2019 بصفقة بيع أجهزة إلكترونية لوزارة الشباب والرياضة بقيمة بلغت 10 ملايين درهم، وهو ما يشير مرة أخرى إلى أن الصفقة (الموقع) قد تم تفويتها بناء على علاقات الوزارة مع شركات محددة، وليس عن طريق العروض.

موقع وزارة الطالبي وليس جامعة التخييم

الطالبي العلمي في تصريحه مُؤخرا، حاول الإيحاء بأن الموقع أو البوابة الإلكترونية هي من مسؤولية الجامعة الوطنية للتخييم، كما حاول بطريقة غير مباشرة نفي مسؤولية وزارة الشباب والرياضة عليها، في حين أن الموقع تقنيا ورسميا تابعا للوزارة، وهذا ما أكدته مصادر "الصحيفة" بناء على معطيات تقنية لا يمكن تجاهلها، وأبرزها أن الموقع لديه امتداد لنطاق حكومي "gov.ma"، وبالتالي لا يمكن أن يكون تابعا للجامعة الوطنية للتخييم التي لازالت تُعتبر جمعية وفق قانون 1958.

كما أن ما يؤكد أن الموقع تابع للوزارة هو وجود امتداد لإسم النطاق يعود لفترة ما قبل الاعداد يحمل إسم فرعي يؤكد انتمائه لوزارة الشباب الرياضة، وهو على الشكل التالي " vacances.mjs.ma"، ووفق الخبراء التقنيين، فإن هذا النطاق الفرعي يشكل تهديدا أمنيا للموقع.

البطاقة التقنية لموقع vacances.mjs.ma حسب موقع Whois

إضافة إلى ذلك، يمكن بسهولة التأكد من أن الموقع تابع لوزارة الشباب والرياضة، عن طريقة موقع "Whois"  بكتابة إسم الموقع حيث ستظهر البطاقة التقنية للموقع ويظهر فيها بوضوح اسم وزارة الشباب والرياضة في البطاقة التقنية مثلما يظهر في الصورة أعلاه، مرفوقا بواسائل الاتصال الخاصة بالوازرة، تحمل البريد الالكتروني لدنيا آيت لحسن مستشارة الطالبي العلمي المسؤولة عن "المجتمع المدني" والرقم الهاتفي لعثمان غاير مدير شؤون الشباب والأطفال والنساء في وزارة الشباب والرياضة.

المراجعة التقنية وفضيحة 250 مليون

كشفت مصادر "الصحيفة" بناء على خبرات تقنية أجريت على الموقع أو البوابة المذكورة "Vacances.gov.ma" بأن قيمة الصفقة تُعتبر فضيحة بكافة المقاييس بالنظر إلى "تركيبة" الموقع والبرامج والأنظمة التي اعتُمد عليها لإنشائه.

فكود المصدر لهذا الموقع، وفق الخبراء، يتضح أنه نظام إدارة المحتوى المسمى "Wordpress"وهو مصدر مفتوح ومجاني، وتشتغل به جل المواقع الاخبارية والمواقع المتخصصة في نشر المحتوى، كما أنه اعتمد على نموذج قياسي عادي دون تعديل أو إدخال "تخصيصات" جديدة تُغير من تصميم الموقع ومن وظائفه.

كود الموقع يوضح أنه صمم بنظام إدارة المحتوى المسمى "Wordpress"وهو مصدر مفتوح ومجاني

ويعتمد على أنظمة  buddypress  و CalendarPress  و Woocommerce و العديد من الوحدات الأخرى بدون تعديل وهي أيضًا مفتوحة المصدر ومجانية "الوظائف الإضافية"، كما أن الموقع يُمكن بسهولة العثور على صفحة الإدارة (الخلفية) التي يتم استخدامها من قبل مشرفي المواقع أو مسؤولي الموقع، وقد تم تثبيته على الإصدار القياسي دون أي تعديل أو تأمينه، وبالضغط على هذا الرابط سيحيلك مباشرة إلى صفحة الدخول لإدارة اللوحة: https://vacances.gov.ma/wp-login.php.

وكشفت الخبرة التقنية أن استضافة هذا الموقع، الذي بالغ الطالبي العلمي في مدحه، توجد على خادم "سيرفر" واحد مرتبط بعنوان IP، وهو عنوان ثابت يُشكل عيبًا بخصوص استمرارية الخدمة، ولا يحتوي على خدمة "النسخ الاحتياطي في الوقت الحقيقي" التي يفترض أن تكون موجودة في موقع مهم مُخصص للخدمة العامة.

ويضيف الخبراء التقنيون للصحيفة، أن خوادم الأسماء الخاصة بالموقع المذكور DNS، تتم مشاركتها مع بقية مواقع الأنترنيت التي تستضيفها شركة MedaSys وليست مخصصة للموقع وحده، وهو ما يُعتبر وفق الخبراء عيبا تقنيا يؤثر على جودة الخدمة لموقع يدير قاعدة بيانات حساسة وهامة.

هذا، وأشارت معطيات "الصحيفة" أن موقع التخييم المذكور لا يحمل رقم الترخيص المتعلق بقانون 09-08 وهو القانون المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، خاصة أن الموقع يحمل معطيات المئات من الأشخاص.

كما يلاحظ المتخصصون في المواقع وتصاميمها، أن موقع "Vacances.gov.ma" هو موقع جد عادي، ولا يتميز بأي جمالية أو خصائص متطورة، وبالإضافة إلى الاختلالات التقنية المتعددة المذكورة أعلاه، فإن إنشائه بسعر 250 مليون سنتيم، هو تبذير فاضح للمال العام.

وكان الأمين لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، قد دعا إلى تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، تناط بها مهمة التدقيق في كل ما له علاقة بوزارة الشباب والرياضة خلال فترة تسييرها من طرف القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار رشيد الطالبي العلمي.

وأكد وهبي للموقع الرسمي للحزب، أن حرمة المال العام "خط أحمر" لا يمكن التهاون في تتبع خيوط وتفاصيل كل الملفات التي تفوح منها روائح الفساد في التدبير والتسيير للشأن العام.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...