تعليمُ السّياسةِ للأطفال!

 تعليمُ السّياسةِ للأطفال!
أحمد إفزارن
الثلاثاء 4 غشت 2020 - 18:02

هذا ليس خيالاً..

وأن تكُونَ السّياسةُ حاضرةً "في مَناهِجِ التّعليمِ العُمُومِي"، هذا ليس مُستحِيلاً.. إنهُ مُمكِنٌ جدا.. غدًا أو بعدَ غدا..
مُمكِنٌ.. ولا استِهانةَ بأطفالِ البلد!..
أطفالُنا لهُم مكانتُهم.. ورأيُهم.. ومَوقِفُهم من أحداثِنا وأحداثِ العالم..
وعلينا بالالتِفاتِ إلى الأدمغةِ التي تبدُو لنا صغِيرة، وهي ليست كذلك.. تحتَضِنُ معلُوماتٍ وتحليلاتٍ لِمَا وقَعَ وما يَقعُ في القارّاتِ الخَمس، بفضلِ شبكة العنكَبُوت..
ولا مُستحيلَ أمامَ رهاناتِنا في تدريسِ الطفولة..
وأحسنُ ألفَ مرّة أن تَرفعَ أجيالُنا الحاليةُ التّحدّيات، وأن تُعلّمَ نفسَها وغيرَها، من أن يصلَ أحدُ الأغبياء - غدا - إلى رئاسةِ الحُكومة، تحت غطاءِ استغلالِ الدّين، ثمّ يستَهترُ بمسؤولياتِه، ويُضحِكُ علينا العالم..
الأفضلُ أن يَتعلّمَ تلميذُنا في صِغَرِه، هُنا تحت أنظارِنا، وينشأََ ماهرًا في التّفاعُلِ مع مُنعرِجاتِ السياسةِ المَحليةِ والوطنيةِ والدّولية..

  • وعندما يَتكلّمُ مع العالم، وفي ضوءِ حقوقِنا وواجِباتنا، يَرفعُ رؤوسَنا إلى فوق، ومن خلالهِ نعتزّ بكُلّ بناتِ وأبناءِ البلد..
    هذه نتيجةٌ إيجابية..
    ولا عيبَ في أن يكُونَ تعليمُنا العمومي سبّاقا، في مَرحلتِه التّحضيريةِ إلى تدريسِ "التّربية الوطنية"، وبها شُحنةٌ من الفُنونِ السيّاسية، من إنتاجِ أساتذتِنا ومُفكّرِينا الكبار.. وهل في هذا عيب؟
  • أبدًا.. لا عَيب!
    وإذا تعلّمَ التّلميذُ، خلالَ المَرحلةِ الابتِدائية، من تعليمِنا العمومي، بعضًا من معانِى التواصُل الدّيمقراطي، فسوفَ يَنشأ على مُمارسةٍ ديمقراطية، في حِزبِه، أو نقابتِه، أو مُجتَمعهِ المدَني، أو في مَوقعٍ من مَواقعِ المَسؤوليةِ المُنبَنيّةِ على نقاشاتِ تشارُكية..
    إذا استَوعبَ التلميذُ هذه القِيّم، في تداوُلِ الإدارات، وفي الفصل بين السلطات، فسيُدركُ أن كلَّ السُّلط - التابعة للدولة - مُنفصلةٌ ومُستقلةٌ من حيث الصلاحياتُ والمَسؤوليات..
    ويتعلّمُ التلميذُ أن على كل مسؤولٍ أن يَشتغلَ في إطارِ مسؤوليتهِ المضبُوطة..
    وهذه المسؤوليات، بهذه الدّقّة، يُمكنُ أن تُفهَمَ جيّدًا خلالَ المرحلةِ الابتدائية..
    وإذا برَزَ تلميذ، وأصبح مُمارسًا للسياسة، فلن يُضيّعَ وقتَه.. سيَفهَمُ ما له وما عليه، ويُمكِنُ أن يَبرُزَ في عالمِ السياسة.. والدولةُ - من جانبِها - لا تُضيّعُ وقتَها..
    وإذا لم يَتألق التلميذ، فعلى الأقل سيَعرفُ كيف يكُونُ ديمقراطيّا مع نفسهِ ومع الآخَر..
    وجبَ تَدارُك الوقت، حتى لا تَنحرِفَ السياسةُ في تعامُلِها مع أطفالِنا، كما تعامَلَت معَ آبائِنا في زمنٍ غابِر..
    مُلاحظةٌ أساسيّة: أطفالُنا اليومَ يُسابِقُون الوقت.. وكثيرٌ مِنهُم أصبَحُوا مَصدَرَ معلوماتٍ لأمّهاتِهم وآبائهم، بشأنِ السياسةِ في بلدِنا وفي العالَم..
  • أُولاءِ مُسَيَّسُون قبلَ الأوَان! وهذا بيتُ القَصيد..
    إنّ طُفولتَنا تَنضُجُ بسُرعة.. وَوَعيُ الطّفولةِ عندَنا، وعندَ غيرِنا، يَكبُر أكثرَ فأكثر، بفعلِ ثورةِ المَعلُوماتِ "عن بُعد"..
    وها هُم أطفالُنا يتَعلّمُون السّياسة، كلٌّ بطرِيقتِه.. وفيهِم من أصبحُوا يُمارسُونها، قبلَ الأوَان، ويَجعَلون من الشوارعِ مَيدانا لشعاراتٍ سياسيةٍ واقتصاديّة وغيرِها، ومن السّلعِ الاحتكاريةِ المعروضةِ مَوادَّ للمُقاطَعاتِ التجارية..
    ويَرَى المُتعلّمون بأنفُسِهم، في حياتِهم اليوميّة، كيفَ أن السياسةَ ليست لها - دائمًا - تلك الإيجابيّاتُ التي يُلمّعُها التّلفزيون..
    وصارَ الأطفالُ يَنشأون على تساؤلاتٍ لا يجِدُون لها أجوبة: هل السياسةُ عادِلة؟ أم ظالِمة؟ لماذا لا تُساوِي بين الناس؟
  • وتَكبُرُ الأسئلة، ومعها تَكبرُ الحَيْرَة..
    فكيف يَنشأ سياسيّونا الصغار؟ كيف يَتصرّفون عندما يجدُون أنفسَهم على صناديقَ ماليةٍ ضَخمة، حائرين بين سياسةٍ هي تصنَع أغنياء، وأخرى تقودُ إلى مُعتَقلات؟
    ألم يحِنِ الوقتُ لإدخالِ السياسةِ إلى مَناهجِ التعليمِ العمُومي؟
    وإلى هذا، أليسَ من حقّ أطفالنا أن يعرفُوا ما هو مَجهولٌ عن هذا العالمِ الغامض: عالمِ السياسةِ والسياسيّين؟
  • اقتِراحٌ إلى أصحابِ القرار: "ادخِلُوا السياسةَ بشكلٍ مَنهجِي في تعليمِنا العمومي، بدءًا من الابتدائي، لكي يَحصُلَ الأطفالُ من الابتدائي على أبجديّاتِ العملِ السياسي، عندَنا وفي العالم، بشكل مباشر، أو عبر تعليمٍ عُموميّ عن بُعد؟ وما هي السياسة؟ ما الوطنية؟ ما المُواطَنة؟ ما الحقوقُ والواجبات؟
    ادخِلُوا هذه الدّرُوسَ في "التّربيّةِ الوَطنيّة"!
    علّموا الأطفالَ مسؤولياتِ العملِ السياسي، بين الفاعِل والمُتَلَقّي..
    لقد حانَ وقتُ إدخالِ التعليم في تسيِيس المُجتمع.. وهذا يعني دَورَ الأحزابِ والنّقابات، ومَفهُومَ الدفاعِ عن المَصالِح…
  • وما معنى الوطنية؟
    لقد أثبتَ بلدُنا مستوًى من الوعيِ الذي يَستوجبُ تسييسَ المجتمع، بدءًا من التعليمِ الابتِدائي: تعليمُ مفهومِ "الوطنية"، بدلَ النّعراتِ القبَلية والمَذهبيّة والدّينيّة، ومَخاطرِ سوءِ تسيِيس الدّين، وسوءِ استغلالِ السياسةِ لأهدافٍ مَصلَحية، وقيمة إعمالِ المراقبة التّدبيريّة للقانون، واللجان الاستشارية، ولجان مراقبة تقودُ للقضاء…
    وما مفهومُ الديمقراطية؟
    وهل يستحيلُ تنشئةُ مُجتمعٍ مُقتنعٍ بالتعدّدية، مُتشبّع بحقّ الاختلاف؟
    وماذا عن الفوز الانتخابي؟ هل يعني الهيمنةَ على السلطة؟ أم احترامَ القانون، وحمايةَ حقوق كل فئات المجتمع؟
    وماذا عن التأطير الحزبي؟ ومراقبة التأطير؟ وما المصلحةُ العامة؟ ومصالحُ البلد؟ ومعنى الاستقرار الإيجابي؟ والوحدة الوطنية؟ ودولة المؤسسات؟ والعدالة الاجتماعية؟
    ألا يُمكنُ الشروعُ منذ الابتدائي، في تنشئةِ الأطفال على الوطنيةِ البنّاءة؟ وعلى قيمة الاستقرارِ التنموي؟ وعلى السلم والسلام؟ وبناءِ دولةِ الحق والعدل؟ وأيضا: أهمّية المُنافسة بين الأحزاب، لخدمةِ الوطنِ والمُواطِن؟ وخدمة الأجيال الصاعدة: التعايش، الاندماج، الوحدة الوطنية، الحقوق والواجبات، الضّرائب، مُحاربة الريع…
    ألا يكونُ مُفيدًا لأطفالنا تعليمُهم كيف يتَجنّبُون التلاعّبات: بالنّخب السياسية، والعِلمية، والاقتصادية، والدينية، والقبَلية…؟ ألا يقُودُ سوءُ فهمِ هذه المُصطلحات إلى تحريفِ مسارِنا الديمقراطي عن غاياتِه الوطنية؟ أليس الحلّ هو إعدادُ النّخبِ المُستَقبَليّة إلى الاشتغال في إطارِ تخصّصاتِها، مع الالتزامِ بأخلاقياتِ وقوانينِ المِهنة، حفاظا على سلامتِها وسلامةِ كل توازُناتِ البلد؟
    إن تنشئةَ الأطفال على عدمِ التّلاعُبِ بالعلُوم، ومنها الاقتصاد، والصحّة، والحقوق، وكذا الدّين، سيَحمِي هذه من سوءِ تفسير نتائجِها، ومن التلاعُب بثمارِ المعارفِ الإنسانية، لفائدة لوبيّاتٍ ماليةٍ وانتهازية؟
    ألا يكونُ تنويرًا للتلاميذ أن يتعلموا معني الديمقراطية، ودور الأحزاب في المسؤولية الديمقراطية، ومعنى الانتخابات؟ ومعنى التداوُل السّلمي للسّلطة؟ وكيف أن الفوز في الانتخابات لا يُخوّلُ الحزبَ الفائزَ صلاحيةَ الهَيمنَةِ على غيره؟
    أهذه ديمقراطية؟ هل الديمُقراطية هي أن يَسحقَ القويُّ الضعيف؟
    وماذا عن الديمُقراطية الداخلية للحزب الفائز؟ هل هي أن يَفعلَ الزعيمُ ما يُريد؟ ولو كان ما يريدُ مُعارِضًا للقانون؟
    وماذا عن تقاسُمِ السّلَط: التشريعية؟ التّنفيذية؟ القضائية؟ السلطة الرابعة؟ ما دورُ الصّحافة في التنبِيهِ لأخطاءِ بعضِ المؤسّسات؟
  • الطفولةُ هي أهمّ مرحلةٍ في حياةِ الطفل..
    فيها يكتشفُ مَهاراتِه، ومُؤهّلاتِه، وأنّ له أحلامًا مَعرفيّةً عليه أن يصقَلَها ويُطوّرَها، لكي ينجحَ بها في مساراتِ حياته المهنية..
    وبإيجاز، لا عيبَ في السياسة، ما دامَت مَحصورةً في تدبيرِ وتسييرِ شؤون الحياةِ اليوميةِ المشترَكة..
    العيبُ يَكمنُ في سُوءِ تَوظِيفِ السّياسة!

[email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...