حكاية معمل الموت بطنجة: القتلى كانوا يعملون في مستويين تحت الأرض وحافلات نقل العمال كانت تقلهم يوميا

 حكاية معمل الموت بطنجة: القتلى كانوا يعملون في مستويين تحت الأرض وحافلات نقل العمال كانت تقلهم يوميا
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأثنين 8 فبراير 2021 - 18:45

لم تكن سيارات الإسعاف التي حلت بحي "الإناس" على طريق الرباط في طنجة، مطالبة فقط بحمل جثث العشرات من العمال والعاملات الذين فارقوا الحياة داخل مصنع للنسيج موجود أسفل بناية سكنية، بل وجب عليها أيضا أن تنقل أفرادا من أقارب الضحايا الذين أغمي عليهم وهم يرون جثث ذويهم تخرج دون نبض من المكان المشؤوم لتُنقل إلى مستودع الأموات.

المشهد في عين المكان كان يغني عن المقال.. سيدةٌ تطلق صرخات هستيرية وهي تبحث عن ابنتها التي يبدو أنها لا تزال عالقة داخل المعمل، ورجل متقدم في السن يسأل ما إذا كانت ابنتاه من بين من خرجوا أحياء أو من بين من أُخرجوا جثثا، والحيرة التي لا تفارق وجوه عناصر الوقاية المدنية أنفسهم الذين يبحثون عن منفذ لدخول المكان واستخراج ما بقي من الجثث، ووسط كل ذلك يبدو تركيب سيناريو مفصل للساعات السوداء التي مرت أمرا معقدا.

طابقان تحت الأرض

الثابت من الأمر، وفق ما عاينته "الصحيفة"، هو أن موقع المعمل كائنٌ في الطابق تحت الأرضي لفيلا توجد أساسا في أسفل منحدر على الطريق الرئيسية، ما يجعلها عادة أكثر عرضة لتسلل مياه الأمطار، وما يزيد الأمر صعوبة هو أن الوحدة الصناعية مكونة من مستويين تحت الطابق الأول، الأعلى خاص بتركيب الأزرار وكي الملابس التي يجري تصنيعها، أما الأدنى ففيه تجري أعمال الخياطة.

والأدهى أن عدد الذين يشتغلون في المستوى الأعلى أكبر من الذين يوجدون في المستوى الأدنى، وفي المجموع يكون هناك نحو 50 شخصا حسب تقديرات بعض شهود العيان من سكان المنطقة ورغم عدم وجود أي لوحة تشير إلى اسم المصنع أو نشاطه، فإن القول بأنه كان "سريا" كما وصفته السلطات المحلية لا يلقى قبولا لدى من يعيشون بجواره، فالجميع يرى يوميا 3 حافلات لنقل العمال وهي تتردد عليه كل صباح.

بداية الكارثة

ويقول أحد الحاضرين ممن تمكنوا من ولوج المعمل للمساعدة في إخراج الضحايا إن هذا المكان أشبه بـ"سرداب تحت الأرض"، وهو ما يفسر بعضا من سيناريو الحادثة، فالمنطقة عموما بدأت تعرف سرب المياه إلى المنازل في حوالي الساعة السابعة صباحا نتيجة التساقطات المطرية الغزيرة، لكن الكارثة لم تحدث إلا بعد ذلك بساعتين، ففي حوالي الساعة التاسعة صباحا بدأت استغاثات العمال بعدما تفطنوا لمحاصرتهم بالمياه.

وحسب الرواية التي جمعت "الصحيفة" خيوطها، فإن المياه بدأت تتجمع على مداخل المصنع ثم تسربت تدريجيا إلى الداخل، وعندما وصلت إلى الطابق التحت أرضي شرع العمال في محاولات الوصول إلى الخارج لكنهم فوجؤوا بأن الأبواب مغلقة نتيجة تراكم المياه ما يعني أنهم أضحوا محاصرين وسط مياه الأمطار، وخاصة الموجودين في المستوى الأدنى الذين غمرت المياه فضاء عملهم بسرعة ولم تترك لهم منفذا للفرار.

محاولات للإنقاذ

ويتحدث بعض الحاضرين في عين المكان عن أن المياه أحدثت تماسا كهربائيا أيضا وهو ما تحدث عنه أحد الشهود، إذ قال لـ"الصحيفة" إنه سمع انفجارا أشبه بذلك الذي يحدثه الكهرباء، كما أن شاهدا آخر أكد أنه جرى قطع التيار الكهربائي مركزيا عن المصنع قبل الشروع في عمليات الإنقاذ، لكن هذه الرواية لم يجزم بها في المقابل الناجون الذين كانوا في المستوى الأعلى.

غير أن المؤكد هو أن عمليات الإنقاذ بدأها شباب من سكان المنطقة في ذروة حصار المياه للوحدة للبناية، حيث استطاع بعضهم الدخول سباحة وإخراج بعض العاملات وهن على وشك الغرق، فيما ساعد آخرون على إخراجهم من على سور البناية مستخدمين سلما، أما عناصر السلطة والوقاية المدنية لم يصلوا إلى المكان إلى في منتصف النهار وتركز عملهم على استخراج الجثث.

وكان بلاغ للسلطات المحلية بطنجة قد تحدث عن أن تسربا لمياه الأمطار إلى داخل وحدة صناعية سرية للنسيج، تسبب في محاصرة عدد من الأشخاص كانوا يعملون بداخل هذه الوحدة الصناعية، ما أدى إلى انتشار 24 جثة فيما جرى إنقاذ 10 أشخاص، وأورد أن هناك عمليات بحث مستمرة للوصول إلى محاصرين محتملين، خالصا إلى أن السلطات المختصة فتحت بحثا تحت إشراف النيابة العامة للكشف عن ظروف وحيثيات الحادث وتحديد المسؤوليات.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...