حملةٌ وطنية.. لمُكافحةِ الفَقر!

 حملةٌ وطنية.. لمُكافحةِ الفَقر!
أحمد إفزارن
الخميس 13 يونيو 2019 - 6:39

فَقرُنا ليس فَقرًا.. إنه تَفقِير!
الفقرُ يُشكّل تهديدًا مُباشرًا للاستقرارِ والتّنمية..
هو ليس نتيجةَ حالاتٍ طبيعية، مثلَ الجَفاف، والبراكين، والعواصف، والزّلازِل، وغيرِها… ولا نتيجةَ نِزاعاتٍ تَقودُ إلى خلَلٍ ديمُوغرافي، وهِجرةٍ جماعية…

  • فقرُنا هو تَفقِير..
    وتحويلُ أفرادٍ عاديّينَ إلى مُفَقَّرِين..
    غيرِ مُستَقِرّين.. غيرِ مُتوازِنين..
    وأيضًا مُحتاجين.. في حالةِ هَشاشة.. ومُتسوّلين…
    وهو أيضًا تهجيرٌ من الدّاخلِ إلى الخارج..
    ومن الداخلِ إلى الداخل..
    تهجيرٌ من البوادي إلى المُدُن.. وفي المُدُنِ تُقامُ مُدُنٌ على شكلِ البوادي.. وما زالت عندنا أحياءُ قَصديريةٌ حتى بكُبرياتِ المُدن..
    والفقيرُ يَزدادُ فقرا، في المدينةِ والبادية..
    ويَرحلُ إلى المدينةِ شبابٌ للبحثِ عن عَمل، وفيهم من لا يَجِدُون أمامهُم إلاّ عاطِلين، ومُعطّلين، وأيضًا عِصابات، من مختلف الأنواع، ومنهم من يَمتَهنُون قطعَ الطرُق، والتّسلّلَ إلى المنازل، والتّهجُّم على مَتاجِر، وحتى على أبناك..
  • وإلى هذا، تشكيلُ "عصاباتٍ عقارية"!
    وأصبحَت عندَنا عصاباتٌ مُنظّمة، من أسفلَ إلى مُستوياتٍ عالِية..
    وحتى عصاباتٌ تُتاجِرُ في الشهادات..
    بل في شهاداتٍ عُليا..
    والفسادُ لا يَستثنِي أيَّ قطاع..
    وكلّ القِطاعاتِ الحيّةِ تَختنِق..
    والناسُ تتساءل: ما دورُ الجهاتِ المسؤولةِ عن البلد؟ أهُو فقط استصدارُ قوانينَ جديدة؟ الزّجرُ يقودُ إلى مزيدٍ من الزّجر.. وهل الزّجرُ من الحلولِ الناجعة؟
    الناسُ يسألُون عن الحلّ.. فأين الحلّ؟
    والدولةُ هي المسؤولة.. فماذا هي فاعِلة؟
    أليست هي المسؤولةُ عن تَحوُّلِ الفقرِ إلى "سياسةِ تَفقِير"؟!
    هذا تفقيرٌ ناتجٌ عن فسادٍ اقتصادي، وفوارقَ اجتماعية، وسياسةٍ تفقيرٍيّة نَهجَتها وتَنهجُها حكوماتٌ استِبدَادية..
    الفقرُ عندَنا تفقيرٌ مُصطنَعٌ مُمَنهَج..
    وهو نفسُه قد أنتَجَ ويُنتِجُ "قانونَ الغاب" الذي يسُودُ فئاتٍ مُهمّشةً واسِعةً من المُجتمع..
    والدولةُ بأحزابها ومُؤسّساتِها، لا تَعبأُ بمَخاطرِ تنامِي الفقرِ في البلد.. ومنهُ تَتنَاسلُ أشكالٌ وأنواعٌ من الجرائم..
    والملفّاتُ المُتراكِمةُ لدى الأمنِ والقضاء، تُشكّلُ خارِطةً لمَظاهرِ الغابِ الطّاغِي على سُلوكاتٍ لا تَخلُو منها أيةُ فئةٍ في البلد..
    المساجدُ نَفسُها لا تخلُو من لُصوصِ الأحذية..
    وفي كبارِ الأثرياءِ من يَسرِقون بالليلِ والنهار.. ويَتواطؤُون مع أدمغةٍ وإداريّين.. وحتى مع بعضِ كبارِ المسؤولين..
    ومؤسّساتُ الدولة أدرَى من غيرِها بخرائطِ وأحجامِ الفَساد..
    وكلُّ أنواعٍ الفساد عندنا موجُودة.. وتشتغلُ بالليلِ والنهار.. تَسرِق.. وتَقطعُ الطريق.. وتُتاجرُ في المُخدّرات.. وتتَحرّشُ وتَغتَصب.. وتَبيعُ في البَشر.. وتُمارِسُ تجارةَ التّسوّل…
  • أمامَ أنظارِ الحُكومة!
    الحُكومةُ أدرَى من غيرِها بالحَضِيضِ السّلوكي في البلد..
    وهي تَغُضّ الطّرف..
    وكأنّ الأمرَ لا يَعنِيها..
    ورئيسُ حُكومةٍ سابقة، مُتَأَسلِمة، هو نفسُه قال للعَلَن: "عَفَا اللهُ عمّا سَلَف!"..
    وقد قالها أمام التّلفزيون..
    قالها في دفاعِه عن كبارِ اللصُوص..
    كأنّ المالَ العامّ المسرُوق، هو مالُه الخُصوصي..
    وكأنه هو نفسُه من حقّه أن يُسامحَ الكبارَ على أن سرِقُوا البلد.. وهو مٌجرّدُ مُوظف لدى دافِعي الضرائب، وليس له حقّ أن يَعفُوَ عن لصوص، على ثروةٍ هُم قد سرقُوها من المال العام، وتَسبّبُوا في مزيدٍ من التفقيرِ الاجتماعي..
    ويتّضحُ أكثرَ فأكثر، أن التّفقيرَ سياسةٌ حكومية.. سياسةٌ ما زالت الحكومةُ تَنهجُها في تعامُلها اليومي مع أزمةِ الفقر في بلادنا.. وتَتجنّب البحثَ في صُلبِ المشكل..
    ولا يبدو أنها تُريدُ مُعالجةً جِذريةً للفقرِ في البلد..
    وهي بذلك تقُودُنا إلى المجهُول!
  • ولقد بلغَ السّيلُ الزُّبَى..
    وبلادُنا مُهدّدةٌ بتَبِعات الفوارقِ الاجتماعيةِ الرّهيبة..
    والفقرُ يُهدّددُ مسارَ البلد.. وتنميةَ البلد.. واستقرارَ البلد.. ومُستقبَلَ البلد..
    وعلينا أن نفهمَ أن أكبرَ خطرٍ يُواجِهُ بلدَنا هو الفَقر..
    ولن تَستطيعَ بلادُنا أن ترفعَ رأسَها بهذا المُستوى اللامعقُولِ من الفقرِ الرّهيب..

■ وعلينا بحالة استعجالٍ وطني!
وهذه اقتراحاتُ حُلولٍ للفقرِ في المغرب:

▪المساواةُ التامة بين الرجُلِ والمرأة، في كلّ الحقوقِ والواجبات، تحت غطاءِ قانونٍ مدني.. لا فرقَ بينهما، حتى في الإرث، كما هو الحالُ في الدولِ الديمُقراطية.. وإلى هذا، تغليبُ حقوقِ الطفل، لضمان حياةٍ كريمة لكل طفل، مع الاعترافِ الرّسمي بمَغرِبيّةِ أيّ طفلٍ مولودٍ في بلادِنا..

▪وضعُ حدّ لتحويلِ الفقرِ إلى استثمارٍ للإغناء.. إن "استغلالَ الفُقراء" ما زال يَصنعُ "ثروةَ الأغنياء".. فالأغنياء يُشغّلون الفقراءَ بدون حقوق، ويَستَولُون على أراضِيهم… وأغلبُ الأغنياء يَبنُون ثَرواتِهم من فقرِ الفقراء..

▪إنهاءُ "سياسةِ التّفقير" التي تُمارسُها الحُكومة.. ولا يجوزُ أن يكون الفقرُ ناتِجًا عن سياسةٍ اقتصاديةٍ مُنحرِفة.. ولا عن سوءِ تدبير.. ولا عن تغييبِ الحَكامة..

▪استقلاليةُ القَرارِ عن الأبناك الدولية، والدول الاستعمارية، في تدبيرِ شؤونِنا السياسيةِ والاقتصادية والاجتماعيةِ والثقافية… جُلّ مشاكِلنا تأتينا من الداخل، وأيضا من الخارج.. فيجب أن نكُون في مُستوى تسييرِ شؤونِنا، وأن نعتمدَ على كفاءاتِنا..

▪حملةٌ وطنيةٌ للتّكافُل الاجتماعي: تعاوُن، تطوّع، مُساعَدة، تبرُّع… وهذا مجالُ المجتمع المدني.. وعلى الدولة أن تُمكّن الجمعياتِ الفاعِلة من أدواتِ العَملِ المَيدَاني، تحت مُراقبةِ مؤسساتٍ مُختصّة..

▪إعادةُ توزيعِ الثروات.. وعلى الأغنياء واجبُ المساهمة في وضعِ حدّ للفقر في البلد.. ومُحاربةُ الفقر، لا يَعني مُحاربةَ الفُقراء.. وعلى الأغنياء أن يَستَوعبُوا أن عليهم واجبَ أداءِ الضرائب.. وعلى مَيسُورِي المُسلمين أن يؤدّوا الزّكاة.. الزكاةُ من أركان الإسلام، هي واجِبة.. فأين مُساهمةُ الزكاة؟ وأين ضَريبتُهم… في حملةٍ وطنيةٍ لمُحاربةِ الفقر؟

▪إعادةُ النظر في صناديقِ التّقاعُد، لتوحيدِها في صندوق واحد، لكي يَتقاربَ المَعاشُ في حدّه الأدنى وحدّه الأقصى..

▪راتبٌ للمرأة (ربّة البيت)، وراتبٌ لكلّ عاطِل، ومِنحةٌ لكلّ طالب..

▪على الدولة أن تُحدّد مفهومًا وطنيّا للفَقر: من هو الفقير؟ إنه من لا يَملكُ القُدرةَ على سدّ احتياجاتِه الأساسية: مأكَل وملبَس وعِلاج وتَعليم…

▪الفُقراءُ هُم أكثرُ ضحايا تَعامُلِ الدولة بمِكياليْن: في التعليم والصحة والعَمل والعدل، وفي كل ما هو فَسادٌ إداري.. وهذا يعنِي إعادةَ النظر لإقرارِ عَدالةٍ اجتماعيةٍ حقيقية، غيرِ صُورية..

▪تحديدُ نسبةِ الفقرِ في بلدنا.. مَسحٌ شامل لتحديدِ عددِ من لا يَستطيعون أن يُوفّروا احتياجاتِهم الأساسية.. وتحديدُ نسبةِ العاطلين في البلد، إناثا وذكورا.. وتحديدُ نسبةِ الكفاءات المهنية والعِلمية.. والهدف: هو التشغيل، أو الدّعم… وهذا يَستوجبُ استراتيجيةً وطنيةً للتشغيل، بأجُورٍ تضمنُ العيشَ الكريم، والحقوقِ المشروعة.. والعملُ من حقوقِ الجميع.. وعرقلةُ التشغيل في بلادنا يجب ألا تكون عرقلةً سِياسيّة.. النخبةُ السياسيةُ عندنا لا تريدُ تشغيلَ عاطِلِينَا.. تُفضّل أن يبقَى الناسُ عاطلِين..

▪سياسةٌ وطنيةٌ تَضمنُ لبلادِنا أيادٍ عامِلة، وأدمغةً فاعِلة، لكي نلتحِقَ بالرّكبِ الحضاري، ونَبتَعدَ عن الفقر.. إنه يَمنعُ من التّطوّر.. ولا نستطيعُ أن نتَقدّمَ ونحنُ في حالةِ عَرقلةٍ اسمُها: الفقر.. الفقرُ عرقلةٌ كبيرة..

▪استراتيجيةٌ وطنيةٌ للتّنمية، مبنيةٌ على حقوقِ النساء والرجال في حياةٍ إنسانيةٍ كريمة، يجبُ أن تكون منصوصا عليها في القانون.. والسياسةُ العامةُ للبلاد، يجبُ أن تتَمَحوَرَ على حقُوقِ الإنسان، كما هي منصوصٌ عليها دوليّا..

▪مَنعُ كلّ أنواعِ الاحتكار، ومُراقبتُها بصَرامة: الطاقة، المواد الغذائية، الألبسة، الأغطية، وغيرُها… وغلاءُ الأسعار، بما فيها الموادُّ الأساسية، والبضائع…

▪تَقارُبٌ بين الأجُور: الحدُّ الأعلَى، والحدُّ الأدنَى.. والمَعاشاتُ أيضا، بنفسِ التقارُب، وبحَرَكيّةٍ تُواكبُ الزياداتِ في الأُجُورِ للجميع، بدون استثناء، في القطاعيْن الخاصّ والعام..

  • وفي هذا السياق، استحضارٌ لأرضيةِ حلّ أساسِيّ لمُشكلِ فقرٍ قد تحَوّلَ عندنا إلى تفقير..
    هذه أرضيةٌ لجُملةِ اقتراحاتِ حلول، قابلةٍ للنّقاش..
    يقولُ الملك:
    "إن المغاربةَ اليوم يَحتاجُون إلى التّنميةِ المُتوازنةِ والمُنصِفة التي تَضمنُ الكرامةَ للجميع، وتُوفّرُ الدّخلَ وفُرَصَ الشّغل، وخاصّةً للشباب، وتُساهمُ في الاطمئنانِ والاستقرارِ والاندماجِ في الحياةِ المِهنية والعائليةِ والاجتِماعية…"..

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...