سقوط الديمقراطية..

 سقوط الديمقراطية..
يونس فنيش
الثلاثاء 16 نونبر 2021 - 14:30

توصلت برابط لشريط على اليوتوب لأحد النشطاء المشاهير من طرف بعض الأصدقاء الأعزاء الشرفاء النزهاء يوم 15 نونبر 2021 مساء. و فعلا، استفدت من بعض المعلومات و استمتعت بتحليل أو بقراءة آنية موضوعية مفيدة جدا للذاكرة الجمعية، ولكنني وجدت أنها لم تتعمق بما يكفي في التاريخ السياسي الحديث و لم تدقق في بعض الأمور الأساسية الضرورية للإفادة الفكرية المحيطة بموضوع "مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع".

فلا بأس إذا من إبداء الرأي و تبادل الأفكار حتى تتضح الصورة و الرؤية أكثر لما فيه المصلحة العامة، و في إطار المساهمة في السير قدما نحو مستقبل أفضل للمغرب و المغاربة.

إذا، فتفاعلا مع شريط الأستاذ الصحفي المناضل الشاب حميد المهداوي، هذه بعض النقط و الملاحظات التي أود مشاركتها مع المهتمين، في إطار حرية التعبير و إبداء الرأي لأن المسألة تقتضي سعة الصدر..طيب.

أولا، "من أين لك هذا" ليست فكرة أو مشروع قانون حزب المصباح، بل أول من أثاره بقوة، بعد البرلماني عبد الكريم الفيلالي سنة 1963، هي الهيئة الوطنية لحماية المال العام برئاسة محمد طارق السباعي يوم 4 يونيو 2011 في المكتبة الوطنية للمملكة، و ما تبع ذلك من مقالات و حملة مواطنة حضارية آنذاك... إلى أن تبنى الفكرة مجددا حزب المصباح سنة 2016، ولكن ليس حبا في المصلحة العامة بل ضدا في حزب الجرار و من أجل استفزازه فقط، و لقد اتضح ذلك بشكل جلي في ما بعد...و هذا موضوع آخر بطبيعة الحال .حسنا.

ثانيا، لقد سبق لحزب المصباح أن تقدم بطلب إلغاء معاشات البرلمانيين لما كان في المعارضة، ثم تموقع ضد إلغائها بامتناعه عن التصويت لما حصل على الأغلبية في البرلمان. إذا فحتى لو كانت أغلبية المقاعد البرلمانية تعود لحزب المصباح اليوم أيضا، لسحب "مشروع قانون الإثرياء غير المشروع" رغم كونه هو من تقدم به إلى لجنة التشريع سنة 2016.

فلا داعي أن "نتسلط" على حزب الجرار و نحن نراه يقول اليوم ربما ما كان يقول عكسه لما كان في المعارضة أو قبل انتخابات 8 شتنبر 2021. فالأمثلة كثيرة و يكفي ما يرصده قناصة تناقضات الأحزاب، فلا نفع في التكرار في هذا المقال، لأنها كلها أصبحت أعرافا سياسية "شعبية" معتمدة من طرف المنتخبين بكل أطيافهم و ألوانهم.

و أما القول بأن حزب الحمامة هو الذي كان يفرض توجهاته على حكومة المصباح، و بأن لفت حزب الجرار الآن للأنظار مجرد تغطية لفائدة حزب الحمامة، فهو قول فيه كلام؛ فلم لا نقول اليوم، افتراضا، بأن حزب الجرار هو من يفرض توجهاته على حزب الحمامة كما كان هذا الأخير يفرض توجهاته على حزب المصباح، إذا كنا نعتبر طبعا بأنها كلها أحزابا دستورية قانونية لها منتسبين و منتفعين و أعيانا، و مناضلين أيضا، كسائر الأحزاب في كافة الدول الديمقراطية... ؟

و في ما يخص قضية التصويت في البرلمان و احتساب الأصوات بسرعة فائقة و باستخفاف، مع لخبطة في الأرقام لدرجة أنه اتضح أن عدد المصوتين بنعم على قانون ما يفوق عدد الحاضرين، و الله أعلم، فلعل الشرح يكمن في كون عملية التصويت في برلماننا، كما في سائر برلمانات الدول الديمقراطية، لم تعد تكتسي أهمية كبرى، لسبب بسيط هو أننا نعيش زمن سقوط الديمقراطية في العالم بأسره و ليس عندنا فقط...

و الدليل أن السياسيين لا يكترثون اليوم لما يقترفونه من تناقضات مضحكة-مبكية، و لما يقرونه اليوم في غير تناغم مع وعودهم ليوم أمس. و أعيد لفت الانتباه هنا إلى أن هذه الملاحظة لا تهم سياسيينا وحدهم، بل تهم أيضا سياسيي الدول الديمقراطية النافذة و في كل مكان تقريبا...

و بين قوسين، أو مزدوجتين، لقد سبق أن كتبت، منذ سنين مضت، أن الديمقراطية كانت إبداعا جميلا لتسيير و تدبير أمور الناس، و لكن الشيخوخة المبكرة أصابتها فظهرت عيوبها على الملأ، فبات من الضروري إبداع طريقة أخرى لتسيير و تدبير أمور الناس، و كنت قد اقترحت، نظرا لتدهور الأحوال آنذاك، "الديكتاتورية البناءة الصريحة" بميثاق صحي دقيق واضح، كفترة انتقالية، يعني تلك الطريقة في الحكم التي تعطي لكل ذي حق حقة، بلا رشوة و لا محسوبية و لا ظلم و لا تسلط، بكل بساطة؛ و ها هي الأمور و كأنها تتجه اليوم نحو فرض نمط جديد عالمي في الحكم لم تتضح معالمه بشكل كامل بعد...

و عودا على بدء، إن تسمية مشروع القانون: "قانون تجريم الفساد"، الذي تم سحبه، ربما لإعادة صياغته، تحتاج إلى تدقيق لأن الفساد مجرم أصلا عندنا بشكل شامل. المأمول هو سن قانون "من أين لك هذا في الوظيفة العمومية" من أدنى سلم إلى أعلى سلم، قانون يلزم رؤساء المصالح و المديريات و القطاعات و رجال السلطة سنويا بمساءلة مرؤوسيهم على مستجدات ممتلكاتهم، كل سنة، و رفع تقرير مفصل إلى الجهات المختصة للتأكد من صحة المعلومات تحت طائلة تحريك المتابعة على أساس الإدلاء بمعطيات مغلوطة سواء من طرف الرؤساء أو المرؤوسين. هكذا سنرتقي بالإدارة إلى مرتبة عليا تمكن من إنجاح مسيرة المغرب و المغاربة نحو مستقبل زاهر.

إن "مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع" بشكل شمولي غير قابل للتطبيق في الظرف الراهن نظرا لتراكم معين عرفي متشابك عام في الأعمال و المعاملات، و نظرا لما قد يسببه من ارتباك خطير لن تستطيع عدالتنا مسايرته الآن، و لذلك سيكون من المفيد تعويضه ب "مشروع قانون من أين لك هذا في الوظيفة العمومية" فقط، و ليكن تطبيقه ابتداء من تاريخ معين. نعم، إن إصلاح أحوال البلاد تتطلب طبعا إصلاح القطاع الخاص و القطاع العام معا، ولكن بدون إصلاح تام للإدارة العمومية أولا، الباقي مجرد كلام في كلام و مزايدات لن تسمن و لن تغني من جوع...

و تحية عالية جدا للمغرب و المغاربة، و لكل القلوب الصادقة، و النيات الصافية الخالية من كل أنانية و كبر، و لكل من يحب لنفسه ما يحب لغيره. و الله أعلم.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...