غزو الكويت "الزمن العابس"

 غزو الكويت "الزمن العابس"
عبد الحسين شعبان
الثلاثاء 4 غشت 2020 - 13:02

في 2 آب (أغسطس) 1990، استفاق العالم على مفاجأة كاد ألّا يصدقها لولا ما نقلته الأقمار الصناعية من صور عن اجتياح الدبابات العراقية الحدود الكويتية ؛ وكانت العلاقات  العراقية- الكويتية قد تدهورت قبل أسابيع قليلة من الغزو، علماً بأن أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح  كان قد زار بغداد قبل ثلاثة أشهر من الغزو وقد منحه الرئيس العراقي وسام الرافدين من الدرجة الأولى، لوقوف الكويت إلى جانبه في الحرب ضد إيران التي دامت ثماني سنوات (1980-1988).

وكانت مغامرة الغزو في رأس الرئيس صدام حسين وحده، ولم يشاركه فيها حتى وزير دفاعه ورئيس أركان جيشه، ولم يكن أحد يعلم بما يخطط له لحين الساعات القليلة قبيل التنفيذ؛ وفي الوقت الذي كانت المفاوضات بين الشيخ سعد ولي عهد الكويت ونائب الرئيس العراقي عزت الدوري، تم إعداد المسرحية الكوموتراجيدية للغزو التي أشعلت المنطقة ، وحسب تقديري أن السبب الأول للغزو كانت الضائقة الاقتصادية حيث كان العراق قد بدّد  فوائضه المالية التي تقدّر بـ 37 مليار دولار قبل الحرب، إضافة إلى ديون جديدة زادت على 60 مليار دولار وزاد الطين بلة انخفاض أسعار النفط؛

كما أن تضخم الجيش العراقي الذي بلغ نحو مليون جندي، عاظم من حجم المشكلة الاقتصادية، ولم يكن بوسع سوق العمل احتواء الجنود الذين سيتم تسريحهم، خصوصاً بعد توقّف المساعدات الخليجية (المملكة العربية السعودية والكويت)، وهذا هو السبب الأساسي الثاني، أما السبب الثالث فيعود إلى ضيق أفق الرئيس العراقي وقصر نظره وعدم معرفته بقواعد العلاقات الدولية وما سمّي بالنظام الدولي الجديد بعد انهيار جدار برلين في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 وبداية تفكك الكتلة الاشتراكية ودولها والاتحاد السوفييتي، دون استبعاد احتمال استدراجه من خلال لقائه بالسفيرة الأمريكية  ابريل غلاسبي قبل الغزو  والقائم بالأعمال جو ويلسون بعده، وهو ما دفعه للاعتقاد بأن واشنطن قد لا تتدخل عسكرياً إذا ما وقع غزو الكويت، بعد أن أوحى لهما بأن بغداد  هي الأجدر بتطمين مصالح واشنطن في المنطقة، دون أن ننسى طموحه في أن يصبح "زعيماً" على المنطقة.

وكان المفكر والدبلوماسي الكويتي عبدالله بشارة قد أصدر كتابًا مهمًا بعنوان "الغزو في الزمن العابس- الكويت قبل الغزو وبعده"  (منشورات ذات السلاسل ، الكويت، 2019) تناول فيه العلاقات العراقية - الكويتية، ولاسيّما مقدمات الغزو وما بعده،علماً بأن بشارة عمل مندوباً دائماً لدولة الكويت في الأمم المتحدة منذ العام 1971 ومثّل الكويت في مجلس الأمن الدولي 1978-1979 وكان رئيساً للمجلس في شباط (فبراير) 1979، وهو أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي 1981 واستمر في موقعه 12 عاماً. ولذلك تأتي تجربته متميزة وشهادته جديرة بالقراءة، لاسيّما وأنها من قلب الحدث.

يقول بشارة في مقدمة كتابه أن صدام حسين أراد أن :  يدخل أبواب التاريخ كزعيم حقق أحلامه في ضم الكويت باعتبارها المحافظة التاسعة عشرة، وتكشف وثائق الغزو هوسه بالتاريخ من جهة، إضافة إلى شهيته في التوسع، ناهيك عن ضياع المنطق وغياب النصيحة كما يقول، وقد احتوى الكتاب على ثمانية فصول، تناول في الفصول الثلاث الأولى تاريخ العلاقات، وسلّط الضوء على الغزو والجهد الكويتي والعربي لإعادة الشرعية في الفصلين الرابع والخامس ، ثم تناول مسار التحرير التاريخي وصولاً إلى خيمة صفوان، وخصص مبحثاً خاصاً لموضوع الأسرى الكويتيين والمفقودين، الذين لم يجلَ مصيرهم حتى الآن؛ أما في الفصلين السادس والسابع فقد بحث في تداعيات الحرب لغاية الاحتلال الأمريكي العام 2003، وفيه ركّز على سايكولوجية صدام حسين ومحاكمته والتحقيق الأمريكي معه، ليخصص الفصل الثامن لـ" حياة الكويت بعد التحرير" وآفاق المستقبل بالارتباط مع مجلس التعاون الخليجي. 

ويثني مؤلف الكتاب على تسامح القيادة الكويتية في معالجتها للأزمة مع العراق وتعاملها بشجاعة وحكمة دون حقد أو كراهية، ولاسيّما دعوتها إلى علاقات خالية من الاشتياق إلى مفردات الماضي، وإن كان "ماضٍ لم يمض" على حد تعبير الكاتب د. حامد الحمود العجلان، الذي عاش فترة الغزو بكل تفاصيلها المأسوية دون أن تترك في نفسه كراهية أو ثأراً أو انتقاماً من العراقيين، لأنهم هم الآخرون كانوا ضحايا ، ويدعو عبدالله  بشارة إلى تحويل الأولوية إلى تعاون شامل في اعتراف عراقي أبدي في قبول الواقع الذي أفرزته عملية الغزو في خريطة العلاقات بين البلدين بكل جوانبها.

ومثلما كان الغزو مأساة حقيقية على الكويتيين، فقد كان كارثة مدمّرة على العراقيين أيضاً، الذين كانوا بين نارين، فلم يكن الغزو باسمهم مثلما لم تكن الحرب باسمهم أيضاً، وإن تمكّنت نخبة وطنية  خارج البلاد من التعبير عن ذلك، بدعوتها إلى سحب القوات العراقية ونزع فتيل الحرب وتفويت الفرصة على القوى المتربصة بالعرب إقليمياً ودولياً، لكن المحذور قد حصل وما يزال العراق منذ 30 عاماً ينزف دماً.

باحث ومفكر عربي

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...