غَباوَةُ التّخلُّف!

 غَباوَةُ التّخلُّف!
أحمد إفزارن
الأحد 18 أكتوبر 2020 - 14:21

▪ تَخلُّفُنا لم يَأتِ صُدفَة.. وليسَ طبيعيًّا..
الاستِعمارُ وظّفَ مظاهرَ تَخلّفِنا، واكتَشف ما هو قابلٌ لجعلِ التّخلّفِ سِلاحًا نحنُ أسبابُه..
وحَوّلَ الاستعمارُ وأذنابُه أسبابَ وأنواعَ التّخلّفِ إلى سياسةٍ يُمكنُ بتَنفيذِها أن يُرافِقَنا هذا التّخلّفُ ما دامت لنا نفسُ الأسباب..
ومن هُنا برزَ قُطبانِ هُما مِنّا وإلينا: صِناعةُ أكابرِ الإقطاع، وقادةِ الأحزاب..
وتَكلّفَت الأحزابُ بالإقطاعيّة، ومن ثمّةَ بإنتاجِ حكوماتٍ تتَوَلّى استِدامةَ التّخلّفِ..
وأصبح لنا في التّخلّفِ أنواع: سياسي، اقتِصادي، اجتماعي.. ومنها تَولّدَت أشكالٌ وأنواعٌ أخرى..
وإلى الآن، ما زِلنا على نَفسِ النّهج الذي تقُودُه أحزابٌ وحُكومات، تحت غطاءِ "الدّيمُقراطية"..
ووَصَلنا إلى ما نحنُ فيه: استغلالُ الدّينِ وتوجيهُه وِفقَ شُروحاتٍ لا تَخدُمُ الحقيقة، بقَدرِ ما تَخدُمُ "شبكاتِ المَصالِح"..

▪ وعلينا بتَغيِيرِ العقليّة التّخلُّفِية قبلَ فَواتِ الأوَان..
1 - الفصلُ بين الدّين والدولة..
وإلاّ نبقَى رَهِينِي أشخاصٍ لا يَفهمُون، لا في الدين، ولا في شؤون الدنيا.. يُفسّرون الدّينَ على هواهُم، ووِفقَ ما تُملِيه المَصالِح..
وهؤلاء يُشكّلون خطرا على البلاد..
ومن أبرزِ طموحاتِهم "تسيِيسُ الدّين"، بهدفِ التّحكُّم في مَفاصيلِ الدّولة، وإدامةِ سياسةِ التّفقيرِ والتّجهيل، وتَحوِيلِ الدّين إلى تقديسٍ للعاداتِ والتّقاليد، والضغطِ على الناس لاختِلاق المُحَرَّمات، على حِسابِ الحُرّياتِ الفَرديّة.. وهذا يُنتِجُ التّطرّفَ والتّعصّبَ والعَناد، ويَجعلُ التّعايُشَ غيرَ مُمكِنٍ في حالاتٍ كثيرة..
2- استِغلالُ المَرأة - في أوساطٍ مُتدَيّنة - يُؤثّرُ على استِقرارِ الأُسرَة.. التّعامُلُ معها بعَقليةِ تَعتَبِرُها نِصفَ إنسان، وأنها هي نفسُها مِلْكُ من تَزَوَّجَها.. ولا حقُوقَ لها بينَ الذّكُور: إخوانُها وأعمَامُها وأخوَالُها.. ولا حقّ لها في الإرث.. وهكذا إلى الآن، يُتعامَلُ بسَلبيّةٍ مع المرأة.. الغَلَبَةُ لمَفتُولِ العَضَلات.. والحلُّ يَكمُنُ في العِلمانيّة!
3- المَظاهِرُ يأتي معها إسرافٌ وهَدرٌ للمال، ونفقاتٌ مُبالَغٌ فيها، ومَعَها أيضا إشعارٌ بالنّقص، لفئاتٍ اجتماعية مُحتاجة، وفئاتٍ مُنشَغِلة بكلامِ الناس، أكثرَ من انشِغالِها بحياتِها الخاصّة.. وهذا ما أدّى إلى طبقاتٍ اجتِماعيّة تتَفاخَرُ على بعضِها..
4- القانون ليس فوق الجميع.. وهذا التّفاوُت يَتسبّب في ازدِراءٍ لفِئاتٍ مُستَضعَفة، مع استِخفافٍ بأنواعٍ من المِهَن.. وأصبحَ الحصولُ على عمل، خاضِعا للرّشوة، أو العلاقات، وكأنّه ليس حقّا وتأهيلا، بل هو مِنّة.. وهذا يَنعكسُ على سياسةِ التكوين المِهني، والإتقانِ في العمل..
5- تَهديدُ السّلمَ الاجتماعي: نشرُ الكراهية بين الناس.. هذا من قبيلة كذا.. هذا من مكان كذا.. ذلك من مذهب كذا.  آخرُ عِلماني.. وهذا كذا…
وتصنيفاتٌ أخرى تُمزّق المُجتَمع…

▪ ما العمَلُ في مُجتمَعٍ يَخلِطُ بين الدّينِ والدّنيا؟ ضرورةُ العملِ بالنّظامِ العِلماني: القانونُ المَدَنِي يَفصِلُ بين الحُقوقِ والواجبات، ويَحمِي الحُرّيّات والاختِيّارات.. وأنْ يكُونَ كلُّ الناسِ - وبقُوّةِ القانُون - مُتكتّلينَ حولَ الوطنِ الواحِد..

▪ وعلى بلادِنا أن تنهجَ سياسةَ بناءِ مُجتَمعٍ مُتكتّلٍ حول الوطنيةِ والإنسانيّة، مُتَعايِش، مُتآزِر، مُتَساوٍ، مُتعاوِنٍ من أجل النّهوضِ بكلّ المُجتمع، في كل البلَد..
مُجتمعٌ مُنفتِحٌ على كلّ البشَر، وكل الكوكبِ الأرضي، وكلّ مُكوّناتِ الحياةِ الطبيعية، والتضامُن من أجلِ السّلمِ والسّلام، والأمنِ والأمان..

▪ التّخلّفُ لا يَسيرُ إلى الأمام..
لا يعرفُ التّقدّمَ إلاّ في اتّجاهِ أخطاءِ الماضي..
وعندما يرَى في المُستَقبل، هي حُلولٌ لنَفسِهِ فقط، لا حلُولٌ مُشتَرَكةً مع الآخَر..
التّخلّفُ انتهازيّةٌ تبحثُ عن مَصالحِها، لمَصلَحتِها هي وحدَها فقط، في مسيرةٍ انحِرافيةٍ إلى الغَد، على ظَهرِ غيرِها..
تَبحَثُ عن الاستِفادةِ مِن استِمراريّةِ الفساد..
هي تعيشُ في الحاضِر، ولكن بعقليةِ الماضي..
وتسيرُ في نفسِ الطريقِ الانحرافيةِ إلى الآتي..
إنّ التّخلّفَ ما هو إلاّ اعتِمادٌ على ماضٍ قد انتَهى.. والتِماسٌ لنَجاحٍ يَستَحِيلُ أن يكُونَ في المُستقبَل بنفسِ الفشلِ الذي كان..
التّخلّفُ تِكرارُ لنفسِ أخطاءِ الماضي..
وهذا هو الغباء، كما عرّفَهُ الفيزيائي إينشتاين.. قال: "الغَباءُ تِكرارُ نفسِ الخطأ، بنفسِ الطّريقة، وتَوَقُّعُ نتيجةٍ مُختَلِفة"..
ويبقَى التّخلّفُ غَباوةً تُكرّرُ نفسَها في حياتِنا..
وهذا ما عليهِ حكومتُنا.. نفسُ ما كانت عليه شقيقاتُها السابقات.. هي صورةٌ طِبقَ الأصلِ من بعضِها.. نفسُ الطريقةِ الفاشِلة تتَكرّر في سياساتِها، حتى في أوقاتٍ وظروفٍ مُختلِفة..
سياسةٌ تُمارِسُ نفسَ التّخلُّف الذي كانَ في الماضي..
الماضِي يَتكرّرُ في حاضرِنا، ويَسعَى لتَمطِيطِ نفسِه باتّجاهِ الأجيالِ القادمة..
هُو ذَا الغباءُ الذي كان، وما زال، ويحلُم بأن يَدُوم..
وبنفسِ العقليةِ يَتصرّف، حتى والمُجتمعُ يتَجدّدُ ويَتغيّر، والوقتُ ليس نفسَ الوقت..
والظروفُ ليسَت نفسَ ظُروفِ الماضي.. ولا تتَوقّعُ ما سوفَ يُنتِجهُ نفسُ الغباء.. وواضحٌ أنها كذّابة، وتُعيدُ نفسَ الأكاذيبِ السابقةِ على أجيال قادمة..
ولا تَعِي أنها تقُودُ البلادَ إلى التّوتّر والنزاع، وإلى تراجُعاتٍ بلا حدُود، وحتمًا إلى عُنفٍ وعُنفٍ مُضادّ…

▪ هي ذي اللاّحدُودُ في التّخلّف!
التّخلّف يَفرِضُ نفسَه، رغمَ وُجُودِ كلّ ما نحتاجُ للتّطوّر.. أدمِغة.. كفاءات.. مَلايينُ من الشباب..
وبهذه العَضلاتِ والمَهارات، لا يَنقُصُنا إلاّ أن نَحسِمَ ونَتَقدّم..
فلماذا يُلاحِقُنا التّخلّف؟ وهل التّخلّفُ نِتاجُ أزمةٍ أخلاقيّة؟ فرديّة؟ أُسَريّة؟ مُجتَمَعِيّة؟ تَدبِيريّة؟
أم نِتاجُ سياسةٍ حُكوميّةٍ عامّة، على امتِداد ما بعدَ الاستِقلال؟
لماذا حكوماتُنا مارَسَت وتُمارِسُ التّقصِيرَ في التّعليمِ والصّحّةِ والتّشغيلِ والعَدالةِ الاجتِماعيّة؟
أليسَت هذه نَواةً لسياسةِ التّخلّفِ اللاّمَحدُود؟
تَبدَأ من الفرد، وتمتَدُّ إلى المُؤسّسات، مُرُورًا بالقِطاعاتِ الحَيّة، ولِعدّةِ أسبابٍ منها: ضُعفُ التّكوينِ والتّأطيرِ والمُراقَبة، ناهَيكَ عن الفسادِ الإداري..
وهذه الحالُ - بسَلبيّاتِها - تُقودُ إلى العجزِ عن توظيفِ كلّ مَواردِنا وثرَواتِ أرضِنا وبَحرِنا وكفاءاتِنا في الداخلِ والخارِج، وكذا عَجزِنا عن تغطيةِ التِزاماتِنا، وصِرنا رهائنَ التّبَعيةِ لغيرِنا..
وبسبَبِ سُوءِ التّدبيرِ الحُكومي، وتواطُؤ البرلمانِ الذي ما زال مُتَلكّئًا في المُراقَبة، دَخَلنا في دوّامةِ العجزِ عن إدارةِ شؤونِنا بكيفيّةٍ أفضَل..

▪ وهذه الحالُ تقُودُنا إلى كمّاشةِ الجَهلِ والفَقر..
وإلى إفراغِ بلادِنا منْ العُقول، وتحويلُ ما تَبَقّى من إضاءات، لتعميقِ جِراحِنا بالمزيدِ من التّفقيرِ والتّجهيلِ والتّعنِيف..
تَدَهوُرٌ سلُوكِي يُوَلّدُ الضّغطَ الاجتِماعي المُتزَايِد، ويُؤدّي لتَدَهوُرِ علاقاتِنا الاجتِماعيّة..
وكلُّ هذه لا تعنِي إلاّ دفعَ بلادِنا من تَخَلّفٍ إلى تَخَلّف.. فإلى تَدَهوُرِ ما تبَقّى من قِطاعات، وإلى تفَشّي الفَساد، وما يعقُبُ هذا من إحباطٍ يَشُلُّ ما بَقِيّ لنا من مَوارِد..
ويُضافُ إلى هذا كونُنا مُحاطِين بعُقولٍ تُفكّرُ بالمَقلُوب، وضمائرَ تفتَقِدُ لأبسطِ المُقوّماتِ الأخلاقية..
وفي هذه الحالة، تَلتقِي المَسؤوليةُ النائِمة، بالتّدبيرِ المُنحَرِف، ولا يَتبَقّى إلاّ الانهيّارُ إلى أسفَلِ دَرجاتِ اللاّوَعي..
ولا يَقْظَةٌ وتَطَوُّرٌ بدُونِ تَغيِيرٍ جِذرِي:
الفصلُ بينَ الدُّنيا والآخِرة!

[email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...