في هذه التواريخ.. كان المغاربة يموتون بالمئات يوميا بسبب الأوبئة

 في هذه التواريخ.. كان المغاربة يموتون بالمئات يوميا بسبب الأوبئة
الصحيفة – بديع الحمداني
السبت 21 مارس 2020 - 10:30

يعيش المغرب حاليا تأهبا كبيرا لمواجهة العدو الفيروسي الجديد "كورونا" الذي يهدد البلاد بسيناريو مماثل لما تعيشه بلدان أخرى، ولعل أبرزها إيطاليا التي أصبحت تفقد مواطنيها بالمئات بشكل يومي جراء تفشي فيروس "كوفيد – 19" داخل البلاد منذ أسابيع.

ويُعتبر الخطر الجديد، ليس هو أول خطر وبائي يواجهه المغرب في تاريخه، بل يمتلك المغرب سجلا حافلا بالأحداث التاريخية المماثلة، ولعل ما سجله المؤرخ المغربي محمد الأمين البزاز في كتابه "تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" مجرد  "نماذج تاريخية" لما يمكن أن مر على المغرب منذ القديم من أوبئة أنهت حياة الملايين.

وفي الوقت الذي بدأ عدد ضحايا فيروس كورونا المستجد يسقطون بالمئات في إيطاليا، فإن المغرب سبق أن سجل أرقام مماثلة وأكثر في بعض الفترات، بسبب أوبئة قاتلة حصدت أرواح الآلاف من المغاربة في فترات متعددة، خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بالاعتماد على ما جاء في كتاب المؤرخ محمد الأمين البزاز.

طواعين القرن الثامن عشر

كان الطاعون هو الوباء الأكثر فتكا بالمغاربة خلال القرن الثامن عشر، وقد عرف المغرب هذا الوباء خلال هذا القرن 3 فترات تُعتبر هي الأكثر شدة، والتي أسقطت الأرواح بالألاف في مختلف المدن المغربية، وكانت البداية مع الطاعون الذي اجتاح المغرب ما بين 1742 و1744.

ووفق كتاب البزاز، فإن هذا الطاعون الذي انطلق في المغرب في أكتوبر 1742 كان في البداية يقتل المغاربة بالعشرات، حيث بلغ عدد ضحايا في طنجة إل 60 قتيلا في اليوم، قبل أن يشهد ارتفاعا كبيرا في عدد الضحايا، حتى بلغ إلى حوالي 150 قتيلا في اليوم الواحد بمدينة مكناس.

ثم بدأ يتراجع عدد الضحايا بشكل تدريجي إلى 20 ضحية في بعض المدن إلى أن انتهى في سنة 1744 بعدما سلب أرواح الآلاف من المغارب.

لكن 3 سنوات فقط من الهدوء، عاد الطاعون مجددا ليفتك بالمغاربة، وذلك في منتصف سنة 1747، وقد انطلق هذه المرة من جنوب المغرب بعدما كان السابق قد أتى من الشمال، وبدأ في الإنتشار ببطء إلى أن وصل إلى منتصف المغرب، حتى بدأ يُزهق أرواح المغاربة بحوالي 50 شخصا كل يوم في بمدينة سلا وذلك في سنة 1749، ثم بلغ ذروته في سنة 1750، حيث كان يقتل حوالي 700 شخصا في كل يوم  بمكناس وفاس اللتين كانتا الأكثر تضررا من هذا الطاعون الذي بدأ في 1747 وانتهى في أواخر سنة 1750.

وفي السنتين الأخيرتين من القرن الثامن عشر، عاد الطاعون من جديد للمرة الثالثة للمغرب، واستمر سنتين وفق كتاب البزاز، ما بين 1798 و1800، وقد حصد هذا الطاعون آلاف المغاربة، حيث بلغ عدد ضحاياه في فاس إلى 65 ألف قتيل، ومراكش 50 ألف، و5 آلاف في أسفي، وأزيد من 5 ألاف في الصويرة.

القرن التاسع عشر والكوليرا في المغرب

إذا كان الطاعون هو الوباء الأكثر فتكا بالمغاربة في القرن الثامن عشر، فإن الكوليرا كانت هي الوباء القاتل للمغاربة في القرن التاسع عشر، ولم تكن أقل من الطاعون في الشراسة والفتك، كما أنها تكررت بدورها 3 مرات في هذا القرن مثل الطاعون في القرن السابق.

الفترة الأولى كانت ما بين 1834 و1835، وقد ظهرت في عدد من المدن المغربية، وكان عدد القتلى يترواح ما بين 50 و 60 شخصا في اليوم في بعض المدن مثل الرباط وطنجة، لكن الحصيلة الإجمالية لهذه الكوليرا لم يكن كبيرا، حيث لم يتعدى عدد الضحايا في المغرب 600 قتيل.

لكن الفترة الثانية من الكوليرا التي اجتاحت المغرب ودامت ما بين 1854 و 1860 كانت هي الأشد وقعا على المغاربة، حيث بلغ عدد القتلى في فاس خلال ذروة هذه الكوليرا (1855) إلى 400 قتيل في اليوم الواحد، واستمرت في حصد أرواح المغاربة بالعشرات في السنوات التالية إلى غاية 1860، فرفع الله البلاء عن المغاربة.

وكانت أخر كوليرا عرفها المغرب دامت حوالي سنتين، ما بين 1895 و1896، وكانت مدينتي طنجة وتطوان هما الأكثر تضررا من هذه الكوليرا، حيث بلغ عدد الضحايا في طنجة إلى 700 قتيل، بينما تطوان سجلت 860 قتيلا، وقد شهدت مدنا مغربية أخرى عدد من الضحايا، لكن لم يكن الفتك بهم مساويا لما حدث في طنجة وتطوان.

وتُظهر هذه الأمثلة التاريخية لأحداث "وبائية" هزت المغرب، أن هذا البلد ليس أول مرة يعرف أو يعاني من وباء خطير يُهدد أبنائه بالموت، بل سبق أن عاش أحداثا صعبة، قد تكون أكسبته مناعة تُنجيه من أوبئة خطيرة في الحاضر والمستقبل. 

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...