الجزائر وحلف "الناتو".. وجهاً لوجه

 الجزائر وحلف "الناتو".. وجهاً لوجه
الصحيفة - افتتاحية
الأثنين 4 يوليوز 2022 - 14:45

أيام صعبة على النظام الجزائري أن يواجهها في قادم الشهور بفعل ارتداد التغيرات الجيو استراتيجية التي تحدث شرق أوروبا والتي بدأت ترخي بثقلها على دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وتحديدا في مالي.

فالغزو الروسي لأوكرانيا، أحدث رعبا في دول أوروبا التي اعتقدت لسنوات طويلة أن زمن الغزوات في القارة العجوز واحتلال الدول وتغيير الخرائط قد ولى مع إعلان انتهاء الحرب العالمية الثانية شهر سبتمبر من سنة 1945. غير أن التاريخ مازال يعيد نفسه على شكل مهزلة كما قال المفكر الألماني كارل ماركس.

قمّة الناتو التي انتهت الأسبوع الماضي في مدريد، أعادت أوروبا رفقة حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية إلى زمن الحرب التي لم تعد باردة، بل أصبحت مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا في كل بقاع الأرض. ومن بين النقاط التي حددها حلف "الناتو" في قمّة مدريد من بين 49 نقطة تضمنتها 12 صفحة سماها الحلف "خارطة الطريق الجديد" للعقد القادم، بأن جعل من روسيا تهديد مباشر لدول الحلف، في حين جعل الإرهاب كتهديد ثانٍ يجب مواجهته بشكل مُتوازٍ مع مواجهة موسكو وجيشها الذي يحن للونه "الأحمر" الذي شيّده البلاشفة، قبل أن يرثه الجيش السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية.

واعتبر الحلف أن الاتحاد الروسي هو التهديد الأكثر أهمية والمباشر لأمن الحلفاء وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية والأطلسي، مما جعل دول حلف "الناتو" تُدرج التهديد الروسي كأولوية داخل وخارج القارة الأوروبية ليصل إلى دول شمال إفريقيا، ومنطقة الساحل، مع ضم موريتانيا لتكون كشريك مرجعي جديد في المنطقة، وهو ما يضع النظام الجزائري في تحديات جديدة بحكم تحالفه الاستراتيجي والعقائدي مع موسكو.

فجنرالات الجزائر الذين يشكلون النظام الفعلي الذي يحكم البلاد، ويختارون الرؤساء منذ الاستقلال سنة 1962، أغلبهم، ذوي عقيدة عسكرية تكونت في روسيا، لعل أهمهم رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، الفريق أول سعيد شنقريحة الذي تخرج في سبعينيات القرن الماضي من الأكاديمية العسكرية الروسية "فوروشيلوف" أيام الاتحاد السوفياتي الذي اختفى من الخريطة!

شنقريحة الحاكم الفعلي للجزائر، رفقة ثلة من الجنرالات الذين تخرجوا من الأكاديميات العسكرية الروسية، مازالوا يؤمنون بالانغلاق في تدبير الحكم والقوة الطاغية كفلسفة في تدبير الدولة، مع الخوف من الانفتاح أو توسيع هوامش الديمقراطية، وهو ما جعل الجزائر دولة ضيّعت الكثير من الفرص التاريخية لتصبح قوة اقتصادية ودولة متطورة في بنياتها التحتية وفاعل مهم في محيطها بحكم كل الثروات الطبيعية من غاز وبترول حباها الله بها وضيّعها الجنرالات في شراء خردة السلاح الروسية اعتقادا منهم أن السلاح قادر على حماية النظام وخلق "قوة إقليمية" تصنع مجددا وتاريخيا مفقودا.

هذه العقيدة العسكرية التي لا يمكنها أن تصنع دولة مدنية متطورة فيها الأولوية لحياة المواطن وعيشه وتطور الإنسان الجزائري فكريا وثقافيا واجتماعيا، هي من أنتجت دولة فاشلة تعيش على الريع والمنطق الخشن للقوة، حتى بات النظام الجزائري اليوم في مواجهة مباشرة مع حلف "الناتو" بعد أن تورط مع روسيا في تسهيل عملية إدخال مرتزقة "فاغنر" إلى مالي ووضع قدم للروس في الساحل الإفريقي، كما أن إسبانيا ضغطت بشكل كبير على حلف "الناتو" لمواجهة التهديد القادم من شمال إفريقيا وتعني به بشكل مباشر الجزائر.

ويبدو أن مدريد دفعت دول "الناتو" لإدراك أن هناك في شمال إفريقيا دولة غير صديقة يمكن أن تكون تهديدا مباشرا لدول أوروبا بفعل نظام حكمها العسكري بغطاء مدني، وهو ما حدث في المجال الطاقي عندما قطعت أنبوب تدفق الغاز إليها في ظل أزمة عالمية للطاقة، فقط رغبة منها في تضييق الخناق على المغرب، ما جعل مدريد تدرك خطورة وضع الثقة في نظام "مزاجي" برؤية "انتحارية" ودفعها للتخلص تدريجيا من تبعيتها للغاز الجزائري.

النظرة التي أصبحت لدى مدريد عن الجزائر هي نفسها التي سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن جهر بها علانية حينما أكد أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "عالق داخل نظام صعب للغاية". معتبرا في نفس الوقت أن "التاريخ الرسمي" الجزائري "أعيد كتابته بالكامل"، والذي لا "يقوم على الحقائق" بل على خطاب "يقوم على الكراهية".

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يقف عند هذا الحد في وصف طبيعة النظام الجزائري، بل تعداه ليعتبر أن "النظام السياسي العسكري الجزائري تم بناؤه على الريع المرتبط بالذاكرة". مشيرا إلى أنه "نظام متعب وقد أضعفه الحراك".

القناعة التي يختزلها الرئيس الفرنسي والنخبة في باريس التي تحكم من قصر الإليزيه هي نفس القناعة التي خرج بها رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ولو بشكل متأخر وأصبحت شبه عقيدة وقناعة عند أركان الدولة من مؤسسات أمنية وعسكرية وأجهزة في مدريد التي ترسم خيوط مستقبل الدولة الإسبانية. مما جعل باريس ومدريد ومعهم واشنطن يرون أن النظام الجزائري يمثل تهديدا للحلف بحكم قراراته "الفوضوية" في المنطقة، وهو ما تأكد فعليا بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شهر ماي الماضي إلى الجزائر بعد أن أصبح "منبوذا" من أغلب الدول الغربية، وتدعمت هذه القناعة عند دول "الناتو" بعد أن استقبلت الجزائر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو شهر يونيو الماضي، ما جعلها ضمن دائرة الدول "محور الشر" حسب وصف الصحافة الغربية لهذه الدول الثلاث التي تعتبر ذات أنظمة منغلقة ومرفوضة من طرف الغرب.

لكل هذه الاعتبارات، أصبحت الجزائر اليوم في مواجهة تحدٍ جديد مع حلف الشمال الأطلسي، ومع دول لها مكانتها داخل الحلف مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، وهي الدول التي تدعم المغرب في قضية الصحراء وترفض الفوضى التي ترغب الجزائر في صنعها بهذا الملف في المنطقة.

يوما بعد يوم تتعقد وضعية النظام الجزائري دوليا، ويوما بعد يوم، يزداد النظام العسكري الحاكم انعزالا مثله مثل النظام الفنزويلي الذي أعلن من الجزائر عن دعم جبهة البوليساريو بعشرين مليون دولار لمواصلة "كفاحه" ضد المغرب، أو مثل النظام الروسي الذي يعيش عزلة دولية بحكم غزوه لأوكرانيا ومحاولته تغيير خرائط الدول، وهو نفس منطق النظام الجزائري الذي مازال يعيش بعقلية حروب باردة لم يدرك بعد أنّ زمنها قد ولى.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...