ما الذي يمنع المغرب من وضع ملفي سبتة ومليلية في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بمجلس الأمن؟

 ما الذي يمنع المغرب من وضع ملفي سبتة ومليلية في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بمجلس الأمن؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأربعاء 23 دجنبر 2020 - 12:35

لم تكن تصريحات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مؤخرا، بخصوص اقتناع المغرب بأن سبتة ومليلية الموجودتان حاليا تحت السيادة الإسبانية، جزء من التراب المغربي، سوى ذروة مسار طويل من التطورات التي يعرفها تدبير المملكة لملف المدينتان، والذي بدأ باتخاذ قرارات ذات طابع اقتصادي ووصل إلى مرحلة الإشهار العلني لمطالب استرجاعهما باعتبارهما واقعتين تحت الاحتلال، ثم سار يطرح حاليا علامات استفهام عديدة حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه الرباط في مطالبها.

وقبل تصريحات العثماني ظل سياسيون ينتمون لأحزاب يمينية، خاصة "فوكس" المصنف في أقصى اليمين، يتحدثون عن أن قرارات المغرب الاقتصادية المتخذة منذ 2019 بوقف عمليات التهريب المعيشي وإلغاء الجمارك التجارية ثم إنشاء منطقة اقتصادية بمدينة الفنيدق على مقربة من البوابة الحدودية، كلها تصب في خانة "الحصار الاقتصادي" للمدينتين في سبيل استرجاعهما، مستشهدين أيضا بقرار إغلاق الحدود البرية الذي اتخذته الرباط في 13 مارس 2020 بسبب جائحة كورونا، والمستمر إلى غاية اليوم.

لكن تصريحات العثماني خلال الحوار الذي بثته قناة "الشرق" الإماراتية الأسبوع الماضي، والتي مفادها أن المغرب ينوي فتح ملف المدينتين مع إسبانيا بعد حسم قضية الصحراء لإنهاء ما يزيد عن 5 قرون من الاحتلال، شكلت تطورا سياسيا نوعيا وجد صداه لدى الأوساط السياسية الإسبانية، وظهر تأثيره جليا من خلال تحرك زعيم الحزب الشعبي اليميني بابلو كسادو، الذي يقود المعارضة البرلمانية، لدفع الحكومة اليسارية بقيادة بيدرو سانشيز إلى الرد على الرباط.

ومثلت خطوة استدعاء سفيرة المغرب في مدريد، كريمة بن يعيش، من طرف كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية، كريستينا غالاش، للاستفسار حول تصريحات العثماني، عنوانا لبداية صدام دبلوماسي بين البلدين الجارين حول هذا الملف، فالمسؤولة الحكومية الإسبانية أخبرت السفيرة المغربية أول أمس الاثنين أن "الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا"، ليأتي رد السفيرة أمس الثلاثاء ومفاده أن "لا شيء تغير في الموقف المغربي" وأن الرباط تعتبر سبتة ومليلية "أراضٍ مغربية".

ويرى العباس الوردي، المحلل السياسي وأستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، أن دعوة رئيس الحكومة المغربية "عادية، كون أن الكل يعلم أن سبتة ومليلية مدينتان سليبتان توجدان على الأراضي المغربية، وكان على الإسبان تقبلها بصدر رحب لأن المغرب لا يُخفي مناداته منذ سنوات خلت باسترجاع المدينتين".

لكن الوردي يستبعد أن يتطور الأمر إلى صراع بين البلدين، بل يرى أن هذا الأمر يجب أن يُدبر وفق مجموعة من التوافقات التي لا يمكن أن تؤدي إلى مواجهات مباشرة بينهما، خاصة وأن العلاقات المغربية الإسبانية الآن "في أوجها رغم المناداة على السفيرة المغربية في إسبانيا"، مضيفا "هذا لا يعني أن المغرب سيصمت عن حقه في استرجاع المدينتين، كون أننا نعيش في زمن ولى فيه الاستعمار ولم يعد من المقبول بمنطق الجغرافيا استمرار الإسبان فوق أراض مغربية".

وعقب هذه التطورات أصبح مراقبون يطرحون علامات استفهام حول ما إذا كان المغرب ينوي الذهاب بعيدا في المطالبة بالمدينتين، بل بدأ الاستفسار حول إمكانية التوجه إلى اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المكلفة بتصفية الاستعمار، وهو الأمر الذي قال الوردي بخصوصه: "لا أعتقد أن هذه المسألة ستُثار من قبل الجانبين، رغم أنها من الناحية النظرية يمكن أن تحدث، أعتقد أن القنوات الدبلوماسية هي السبيل الأنجع لحل هذا الملف بما يحفظ للبلدين ماء وجههما ويضمن استمرار علاقاتهما التاريخية".

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن سبتة ومليلية تخضعان لوضع "غير مقبول" في الوقت الراهن، مسترسلا "لكن يبدو جليا من خلال نشاط الدبلوماسية المغربية لحل قضية الصحراء أن المغرب سينهج مسارا دبلوماسيا أيضا فيما يخص حل إشكالية سبتة ومليلية، علما أن انتماء المدينتين للتراب المغربي أمر واقع لا يمكن أن تنكره إسبانيا ولا يخفى على المنظومة الدولية، وما يدعم الموقف المغربي هو أن هذا الوضع صار نشازا وغير مقبول على مستوى العالم".

وفي غمرة ذلك طفت على السطح فكرة "السيادة المشتركة" على المدينتين التي طرحتها صحيفة "إل إسبانيول" مؤخرا كحل وسط لهذه القضية، وهي الفكرة التي لا يرى العباس الوردي أنها واقعية، موردا "طيلة مساري الأكاديمي لم أسمع عن شيء اسمه السيادة المشتركة، إذ إن السيادة لا تقبل التجزئة فهي إما أن تكون أو لا تكون، وهذه الفكرة مجرد تخمين لا أثر له على أرض الواقع، ويبقى الأمر الأقرب للمنطق هو حل هذا الملف عن طريق الدبلوماسية"، وأضاف "أكاد أكون جازما أنه في حال انتهج الطرفان أسلوب الحوار البنَّاء سيتم طي هذا الملف في فترة زمنية بسيطة، وفي الوقت نفسه سيحافظان على علاقاتهما المتينة".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...