مزور: 2025 كان عاما صعبا جدا لصناعة السيارات المغربية بسبب المحركات الكهربائية لكن ثقة المستثمرين تبشّر بانتعاش قوي في 2026
يبدو أن سنة 2025 لن تُسجَّل في ذاكرة قطاع السيارات المغربي كسنة عادية بل كسنة واجه فيها هذا القطاع، الذي يُعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، واحدة من أصعب محطاته منذ عقدين.
فبعد سنوات من النمو المتواصل وتصدُّر المملكة قائمة الدول الإفريقية المصدّرة للسيارات، جاءت 2025 لتكبح هذا الزخم بفعل مجموعة من العوامل البنيوية والظرفية، ما دفع وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، إلى الاعتراف علنا بأنها كانت "سنة بالغة الصعوبة" للقطاع، قبل أن يُبشّر في المقابل بانطلاقة جديدة مرتقبة سنة 2026.
مزور، وفي عرضه أمام لجنة القطاعات الإنتاجية بالبرلمان، لم يُخفِ حقيقة الوضع وهو يردد "لن أكذب عليكم، كانت سنة 2025 صعبة جدا بدأنا السنة بأرقام متواضعة للغاية وبصراحة، كانت الأشهر الأولى مخيبة للآمال".
هذه الصراحة تعكس عمق الأزمة التي عرفها القطاع مع بداية السنة، حيث تراجعت أرقام الإنتاج والصادرات في وقت وجيز، متأثرة بتحولات جذرية في سوق السيارات الأوروبية، الزبون الأول للمغرب، وقد أدى الانتقال السريع في أوروبا نحو السيارات الكهربائية إلى تقليص الطلب على السيارات المزودة بمحركات حرارية، وهو ما أثّر مباشرة على المصانع المغربية التي لا تزال تعتمد جزئيا على هذا النوع من الإنتاج.
ولم يكن التراجع وليد الصدفة أو محض انعكاس لتقلبات السوق، بل كما أشار الوزير، كان "أعمق من ذلك" لأن أصل المشكلة "هيكلي أكثر منه ظرفي" فالمغرب، رغم ريادته الإفريقية في تصنيع السيارات وجد نفسه أمام تحوّل عالمي في الصناعة نحو السيارات النظيفة والكهربائية، بينما بنيته الصناعية ما تزال في مرحلة انتقالية لمواكبة هذا التحول بالكامل.
أضف إلى ذلك المشاكل التقنية التي عرفها أحد الطرازات المنتَجة في المملكة، والتي تمثل بين 180 و190 ألف وحدة سنويا، حيث واجه هذا الطراز مشاكل في المحرك تسببت في تراجع مبيعاته بشكل حاد في السوق الأوروبية.
وبالموازاة مع هذه الأزمة التقنية، واجهت الصناعة المغربية منافسة شرسة من السيارات الكهربائية الصينية، التي غزت السوق الأوروبية بأسعار منخفضة وجودة آخذة في التحسن، ما جعل المصنعين المغاربة في وضع تنافسي صعب.
وفي هذا الإطار، يقول مزور "وجدنا أنفسنا في وضع غير مريح على الإطلاق مبيعات نموذجنا الرئيسي تراجعت بشدة في أوروبا، وسط تراجع عام في المبيعات هناك واشتداد المنافسة القادمة من الصين".
وهذه الدينامية العالمية الجديدة، حيث تفرض الصين إيقاعها في صناعة السيارات الكهربائية، جعلت الدول التي تراهن على السيارات الحرارية أو الهجينة مثل المغرب مطالبة بإعادة التفكير في نموذجها الصناعي والانتقال السريع نحو الطاقة النظيفة والإنتاج المستدام.
ورغم هذا السياق الصعب، نجح المغرب تدريجيا في تصحيح الوضع، فقد أشار مزور إلى أن الوزارة اشتغلت مع المصنعين على "تحسينات تقنية وتنظيمية" مكّنت من استعادة التوازن بعد منتصف السنة ليصل الأداء إلى مستوى قريب من سنة 2024، مع تراجع طفيف بنسبة 2,7 في المائة فقط.
ووفق بيانات مكتب الصرف، بلغت صادرات السيارات المغربية إلى نهاية شتنبر 2025 نحو نفس المستويات المسجلة العام الماضي، مع تراجع إجمالي قدره 2.7 في المائة، في حين انخفض قطاع تجميع السيارات بنسبة 14,6 في المائة، ما يعكس استمرار تأثير الأزمة، وإن بشكل متحكم فيه.
وعلى الرغم من الأرقام السلبية، فإن المزور شدد على أن "الخبر الجيد" هو أن المستثمرين الأجانب لم يفقدوا ثقتهم في المنصة الصناعية المغربية، موردا في هذا السياق "سنُنهي السنة تقريبا عند نفس المستوى، لكن ما يهم هو أن شركاءنا العالميين جددوا ثقتهم في المغرب، ويمكنني أن أقول بفخر إن بلادنا تتوفر الآن على منصة صناعية قادرة على إنتاج مليون سيارة سنويا".
وهذه الثقة، من جهة ثانية، تُعد مكسبا استراتيجيا لأنها تمثل قاعدة انطلاق جديدة للقطاع نحو مرحلة أكثر نضجا، خاصة في ظل الرهانات العالمية على سلاسل الإنتاج المرنة والمستدامة.
وكشف الوزير أن المصنع الذي واجه مشاكل تقنية بدأ يستعد لإطلاق طرازين جديدين من السيارات الفاخرة سيتم إنتاجهما في مصنع القنيطرة، أحد أبرز المنصات الصناعية بالبلاد، مشيرا إلى أن "النماذج الجديدة مرشحة لتحقيق نجاح تجاري مهم في الأسواق الأوروبية".
في الوقت نفسه، أعلن مزور أن المصنع الآخر الذي لم يُسمّه اتفق مع الحكومة على خطة عمل تمتد حتى سنة 2030، تهدف إلى تحويل كامل طاقته الإنتاجية (أي 500 ألف سيارة سنويا) إلى خط إنتاج مرن قادر على تصنيع السيارات الكهربائية والهجينة والحرارية معا، ما سيتيح للمغرب تنويع أسواقه وتقليص تبعيته لعدد محدود من الوجهات.
وبهذه الرؤية، يبدو أن المغرب يستعد فعلا لدخول مرحلة جديدة في صناعة السيارات، ترتكز على التنويع والانتقال الطاقي والابتكار الصناعي فالمنصة المغربية لم تعد مجرد موقع للتجميع بل قاعدة متكاملة للإنتاج، والبحث والتطوير والتصميم، بفضل تواجد كبريات الشركات العالمية واستمرار استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وإذا كانت سنة 2025 قد مثّلت "عاما صعبا" في مسار صناعة السيارات المغربية، فإن مؤشرات 2026 ترسم ملامح تعاف متين وواعد، قد يعيد للمغرب مكانته كأول منتج ومصدر للسيارات في إفريقيا، وكأحد أبرز الفاعلين الصناعيين في الضفة الجنوبية للمتوسط.




