مساطر معقدة وقروض متوقفة: هل تعدم البنوكُ المقاولات خلال "أزمة كورونا"؟

 مساطر معقدة وقروض متوقفة: هل تعدم البنوكُ المقاولات خلال "أزمة كورونا"؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
السبت 4 أبريل 2020 - 13:30

لا تعيش البنوك المغربية أفضل مرحلة من علاقتها بزبنائها، وخاصة أرباب المقاولات، خلال أزمة كورونا، وهو الأمر الذي كانت الإجراءات الاستثنائية الخاصة بمواجهة الجائحة سببا مباشرا فيه، بعدما قامت جل الوكالات بتخفيض أعداد الموظفين وتعقيد العديد من المساطر، ما أدى عمليا إلى تجميد مجموعة من المعاملات.

ولم يعد هذا الأمر مقتصرا على علاقة الزبناء بالوكالات، بل تطور بسرعة ليتحول إلى صدام معلن بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في شخص رئيسه شكيب لعلج، والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، في شخص رئيسها عثمان بن جلون، فقد اتهم الأول الثاني بشكل صريح بتجميد التسهيلات المالية الخاصة بالمقاولات خلال هذه الظرفية الصعبة، ليكون رد الثاني إعلان "سخط" القطاع المصرفي على هذا الاتهام واعتباره سببا في خلق "الفزع دون مبرر".

أزمة إضافية للمقاولات

وبدأت المشكلة مع سريان حالة الطوارئ الصحية التي فرضت على مجموعة من المقاولات تقليص أنشطتها والدخول في أزمات مالية نتيجة الأعباء المتراكمة عليها، لتصبح تسهيلات الأبناك إحدى المنافذ المأمولة لتجاوز المأزق، لكن وعلى عكس المتوقع وجد أرباب تلك المقاولات أنفسهم داخل متاهة جديدة موصومة بتعقيد المساطر وتشديد الإجراءات البيروقراطية، بل وفي أحيان كثيرة رفض منح القروض.

وكانت مثل هذه التعقيدات هي سبب مراسلة لعلج لبنجلون بتاريخ 27 مارس 2020، والتي حملت "تحذيرا" من تبعات الإجراءات الجديدة التي أقدمت عليها العديد من الأبناك، والمتمثلة في تجميد تسهيلات التمويل، بالإضافة إلى تعقيدات قروض الشركات وفرض غرامات مالية على المقاولات المتأخرة في سداد أقساطها خلال فترة الجائحة.

ونبه رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى أضرار هذه الإجراءات خاصة على المقاولات الصغرى والمتوسطة، داعيا إلى وقفها ومراجعتها، وخاصة ما يتعلق برفع نسبة إعادة تمويل الواردات من 1,5 في المائة إلى 3,5 في المائة تزامنا مع خفض بنك المغرب لنسبة الفائدة الأساسية، مذكرا بأن البنوك الأوروبية وعلى عكس ما قامت به نظيرتها المغربية، خصصت للمقاولات قروضا مجانية.

رد البنوك الغاضب

وأثارت هذه الرسالة غضب بنجلون ونائبه على رأس المجموعة المهنية لبنوك المغرب، محمد الكتاني، اللذان فضلا الرد عليها برسالة مشتركة بدآها بالقول إن محتوى رسالة لعلج "غير مقبول على أقل تقدير، وأن مزاعمها حول القطاع المصرفي بالمغرب غير صحيحة"، بل مضيا أبعد من ذلك حين أوردا أن "هذا الخطاب لا يرقى إلى المسؤولية الوطنية التي نتحملها جميعا والعمل الدؤوب خلال الأزمة الصحية التي يمر بها المغرب".

لكن الرسالة لم ترد بشكل مباشر على ما ورد في مراسلة لعلج، بل اكتفت إلى الإشارة إلى أن "البنوك تعمل مع وزارة المالية من أجل تفعيل جميع الإجراءات التي تعهدت بها داخل لجنة اليقظة الاقتصادية من أجل تأجيل الأداءات الائتمانية ودعم الشركات المتضررة من الجائحة"، داعية لعلج إلى تحديد قائمة المقاولات المتضررة.

قروض أوكسيجين.. كلمة السر

ومن خلال المعطيات التي حصل عليها موقع "الصحيفة" من طرف أرباب مقاولات، فإن المشكلة الكبرى التي تواجههم حاليا تتمثل في "البون الشاسع بين ما يتم التعهد بين من طرف الحكومة ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية ومن طرف المؤسسات البنكية، وبين ما كائن على أرض الواقع"، مبرزين أن قروض أوكسيجين المعلن عنها خلال هذه الظرفية تبقى أبرز مثال على ذلك، حيث لا يزال العمل بها غير متاح عمليا.

وحسب الوزارة الوصية فإن قروض "أوكسيجين" المحدثة من طرف لجنة اليقظة الاقتصادية، هي عبارة عن منتوج جديد يهدف إلى تمكين المقاولات التي عرفت خزينتها تدهورا بسبب انخفاض نشاطها، الحصول على موارد استثنائية للتمويل، حيث يغطي "ضمان أكسجين" 95 في المائة من مبلغ القرض، مما يمكن الأبناك من مد المقاولات بقروض استثنائية لتمويل احتياجات أموال الدوران، في ظرف وجيز.

ووفق وزارة محمد بنشعبون فإن هذه التمويلات البنكية التي تنضاف إلى القروض الأخرى المتاحة، تغطي إلى حدود ثلاث أشهر من المصاريف الجارية والمتعلقة على وجه الخصوص بالأجور وواجب الكراء وتسديد أثمنة المشتريات الضرورية وغيرها، ويمكن لهذه التمويلات البنكية أن تصل إلى 20 مليون درهم، لأما بالنسبة للمقاولات التي لا تتوفر على خطوط تمويل على المدى القصير، فإن القرض الاستثنائي يمكن أن يصل إلى 5 ملايين درهم.

تعهدات البنكيين

ومن جهتها كانت المجموعة المهنية لبنوك المغرب قد أعلنت، بتاريخ 30 مارس 2020 أنها ستشرع ابتداء من يوم الاثنين 30 مارس 2020 في تفعيل الإجراءات التي اتخذتها الأبناك في إطار لجنة اليقظة الاقتصادية لدعم الأسر والمقاولات التي تأثرت بشكل مباشر بتداعيات فيروس كورونا المستجد أن هذه الإجراءات والتي تشمل إحداث خط ائتمان إضافي لنفقات التسيير بالنسبة للمقاولات المتضررة، قابلة للاسترداد في أجل أقصاه 31 دجنبر 2020.

وحسب بلاغ للمجموعة فإنه "بفضل هذا الخط، الذي سيغطي نفقات التسيير لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر وفق الشروط المحددة في إطار "ضمان أوكسجين" الممول من صندوق الضمان المركزي، فإن المقاولات ستتمكن من امتلاك السيولة الضرورية لتغطية أجور المستخدمين وسداد مستحقات الممونين بالخصوص"، مبرزة أن شبكة المؤسسات البنكية عبر المملكة ستوفر للمقاولات كل المعطيات المتعلقة بهذا الضمان.

وتابعت المجموعة أنه سيتم سداد خط ائتمان نفقات التسيير في حدود متم السنة الجارية بمعدل فائدة يتماشى مع سعر إعادة التمويل المحدد من طرف بنك المغرب، مضافة إليه 200 نقطة أساس، وبالنسبة للمقاولات التي تعاني صعوبات بفعل تداعيات انتشار وباء كورونا المستجد والتي تعجز عن سداد القرض الإضافي بحلول دجنبر 2020، فإن الأبناك ستمكنها من قروض على المدى المتوسط يمكن أن تمتد إلى خمس سنوات لسدادها.

ماذا عن الواقع؟

غير أن العديد من أرباب المقاولات يرون أن هذا الخطاب لا زال "حبرا على ورق" بعد مرور أسبوع على إطلاقه، فأغلب الوكالات لا تزال ترفض إتمام إجراءات قرض "أوكسيجين" متعللة بوجد نقص في "التدابير اللوجيستية"، بالإضافة إلى إدخال المقاولات في متاهات بيروقراطية ترتكز على مضاعفة الطلبات المكتوبة والمختومة تشديد قوائم الضمانات.

وبالإضافة إلى ذلك، وفق المصادر ذاتها، يعاني أرباب الشركات من تبعات تقليص جل المؤسسات البنكية لطاقمها البشري إلى النصف، ما أدى، بالإضافة إلى تأخير المعاملات، لتنقيل العديد من الموظفين من وكالاتهم المعتادة، الشيء الذي يعني أن الموظف الحالي على عكس سلفه، لا يملك أي دراية بملف الزبون الشيء الذي عقد المعاملات أكثر، ناهيك عن إجراءات أخرى مثل تقليص مدة عمل الوكالات التي أصبحت تغلق في الثانية زوالا.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...