من "جمّل" الحبيب المالكي للقصر؟

 من "جمّل" الحبيب المالكي للقصر؟
الصحيفة - افتتاحية
الثلاثاء 15 نونبر 2022 - 16:59

عيّن الملك محمد السادس، يوم أمس الاثنين، الحبيب المالكي في منصب رئيس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وجاء في بلاغ الديوان الملكي أن الملك زود المالكي بتوجيهات من أجل قصد التفعيل الأمثل للمهام التي أوكلها الدستور لهذه المؤسسة في النهوض بالمدرسة المغربية، وإبداء الآراء حول السياسات العمومية والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، والمساهمة في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا القطاع المصيري لمستقبل المغرب.

لا شك أن تعيين المالكي في هذا الموقع مفاجئ، بل قد يكون صادما أيضا، لأن من اقترحوا هذا الإسم على الملك أغفلوا الكثير من الأمور، ونستعمل عبارة "أغفلوا" تجاوزا وتأدبا، وإلا قلنا إن الأمر ينطوي على "سوء نية مبيتة"، خاصة وأننا نتحدث عن مجال يوليه الملك اهتماما مباشرا وشخصيا، ووصفه بلاغ أمس تحديدا بـ"القطاع المصيري لمستقبل المغرب".

فما الذي أغفله هؤلاء؟

أول شيء هو أننا نتحدث عن شخص طاعن في السن، بالمعنى الحرفي للكلمة، فالمالكي المزداد بأبي الجعد سنة 1946 يبلغ من العمر حاليا 76 عاما، بمعنى أنه من كان من المفروض أن لا يكتفي بالاستقالة من الحياة السياسة فقط، بل من كل مناصب المسؤولية، وللمفارقة، فإن القطاع الذي سيشرف عليه من خلال ترؤس مجلس فرض الوزير المكلف به حاليا، شكيب بن موسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ألا يترشح للانضمام إليه إلا من تقل أعمارهم عن 30 سنة!

وبغض النظر عن صوابية هذا القرار، وما إذا كان بالفعل يحترم المبدأ الدستوري القاضي بجعل كل المواطنين سواسية، وحرمانه لفئة عريضة من الناس لحقهم في التشغيل، إلا أنه الآن من حقنا أن نتساءل إن كان سيعرف المالكي كيف سيتعامل مع جيل جديد من الأساتذة كلهم في العشرينات من العمر، وهل يستقيم من الناحية المنطقية أن يفهم المالكي، المعتاد منذ عقود على فضاءات السلطة المخملية وكراسيها الوتيرة، حاجياتِ وأولويات وظروف اشتغال قطاع يراهن على الشباب.

ليس هذا فقط، فمن اقترحوا المالكي نسوا شيئا آخر، وهو أن الأمر يتعلق برجل احترف الانتقال بين المناصب لسنوات طويلة، فرغم أنه بالفعل كان أستاذا جامعيا متخصصا في الاقتصاد وعضوا بأكاديمية المملكة التي عين بها سنة 1992، إلا أن مجال التربية الوطنية والتعليم العالي لم يكن إلا أمرا عابرا في حياته السياسية التي كان مسعاه فيها منصب المسؤولية، كيفما كان.

إننا نتحدث عن اتحادي ولج الحكومة لأول مرة سنة 1998 مع عبد الرحمن اليوسفي، ليكون وزيرا للفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، وفي سنة 2002 عين في حكومة إدريس جطو وزيرا للتربية الوطنية والشباب وفي 2004 وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، ثم أصبح في 2017 رئيسا لمجلس النواب، ومنذ 1997 وهو يترشح لعضوية الغرفة التشريعية الأولى.

وطيلة هذه الفترة، لم نسمع للمالكي أي إسهامات في مجال التربية أو التكوين أو البحث العلمي، الأمر الذي يضعنا أمام سؤال حارق: هل انعدمت الكفاءات في المغرب حتى لا نجد اليوم أمامنا إلا الحبيب المالكي كي يتولى رئاسة المجلس الأعلى؟ ولنكن أكثر تدقيقا في طرح تساؤلاتنا، ما دام الأمر يتعلق بقطاع حاسم لمستقبل البلد وسمعتها: أليس هناك أشخاص أكثر احترافية وأثقل وزنا من الناحية الأكاديمية والمهنية لكي يعينوا في هذا المكان؟.

إن بلاغ الديوان الملكي تحدث عن الارتقاء بجودة التعليم في جميع المستويات، وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص في هذا المجال، وإتقان اللغات الأجنبية، وتشجيع البحث العلمي، بما يساهم في تأهيل الرأسمال البشري الوطني، وتسهيل اندماج الأجيال الحاضرة والقادمة في دينامية التنمية التي تعرفها البلاد، وعلى المستوى الواقعي أصبحت منظومة التعليم في المغرب متجاوزة، بل إن ملكات التلاميذ والطلبة وقدراتهم في العديد من المجالات تتجاوز ما يتلقونه داخل الأقسام والمدرجات العاجزة عن القيام بـ"التحديثات" الضرورية.

لذلك، ففي عَالم اليوم، يبقى استيعاب شخص مثل المالكي للثورة الرقمية والطرق البيداغوجية الجديدة في التعليم والتكوين، أمرا مشكوكا فيه، وتبقى قدرات شخص مثله، لم نسمع له أي إنجازات تخلد اسمه عندما كان وزيرا وصيا على القطاع، في أن يستوعب ما تقدمه مدارس دول أخرى، التي أقحمت أمورا مثل الذكاء الاصطناعي في مقرراتها الدراسية، شيئا بعيدا عن الواقع إن لم نقل إنه مستحيل.

قد يكون الملك رأى في المالكي ما لم نراه نحن، أو قد يكون ما وصله من تقارير عنه هو الذي انتهى بهذا التعيين، لكن قطعا من وقفوا وراء "تجميل" المالكي أمام القصر والتمديد في مدة صلاحيته، عليهم أن يتذكر ما جاء في خطاب العرش لسنة 2014، حين قال العاهل المغربي: "ذلك أنني، من منطلق الأمانة العظمى التي أتحملها، كملك لجميع المغاربة، أتساءل يوميا، بل في كل لحظة، وعند كل خطوة، أفكر وأتشاور قبل اتخاذ أي قرار، بخصوص قضايا الوطن والمواطنين: هل اختياراتنا صائبة وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...