ميزانية ضعيفة و"تنازلٌ" للخواص: هكذا صَعّبَ المغرب على نفسه مواجهة كورونا

 ميزانية ضعيفة و"تنازلٌ" للخواص: هكذا صَعّبَ المغرب على نفسه مواجهة كورونا
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأثنين 6 أبريل 2020 - 12:00

أعاد دخول وباء كورونا المستجد إلى المغرب، الذي أصاب إلى حدود اليوم أجساد أكثر من ألف مواطن، طرح العديد من الأسئلة الحارقة حول مدى اهتمام الدولة بالقطاعات الاجتماعية، وعلى رأسها قطاع الصحة الذي لا تمنحه الدولة، باعتراف وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، سوى 4000 منصب شغل سنويا.

ومع الحاجة الملحة إلى المزيد من الأطقم الصحية والمعدات الطبية عاد إلى الواجهة، مع كثير من النقد، مشهد اعتراض 165 برلمانيا ينتمون لأحزاب الأغلبية والمعارضة، على مقترح الرفع من ميزانية قطاع الصحة بما يسمح بإحداث 14 ألف منصب مالي إضافي في القطاع العام ضمن قانون المالية الخاص بسنة 2020، وهو المقترح الذي لم يحظ سوى بموافقة مُقدمَيه ويتعلق الأمر بمصطفى الشناوي وعمر بلافريج النائبين عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، ليطرح كثيرون سؤالا يبدو وجيها خلال هذه الظرفية أكثر من أي وقت مضى: هل وضع المغرب نفسه في مأزق؟

أرقام تكشف الواقع

وبالعودة إلى قانون المالية الخاص بالسنة الجارية، يتضح أن ميزانية قطاع الصحة لا تتجاوز 15,33 مليار درهم، وهو رقم أقل بكثير مما خُصص لقطاعات أخرى مثل الداخلية التي حصلت على 28 مليار درهم والقوات المسلحة الملكية التي نالت 45,43 مليار درهم، وتبرز ضآلة هذا الرقم بشكل أوضح إذا ما علمنا أن المبلغ المخصص منه لاقتناء المعدات لا يزيد عن 4,42 مليار درهم، مقابل حوالي 11 مليار درهم مخصصة للموظفين والأعوان.

وتلقي أرقام وزارة الصحة نفسها الضوء على الخصاص الواضح في القطاع العام والمساحة الكبيرة المتروكة للخواص، إذ حسب آخر جرد مفصل قامت به هذه الأخيرة وأعلنت عن نتائج في أكتوبر من سنة 2019، لا يتوفر المغرب إلا على 149 مركزا استشفائيا كبيرا يضم أقل من 24 ألف سرير، في حين يوجد في جميع التراب المغربي 359 مصحة خاصة تضم 10.346 سريرا.

ورغم عدد الأَسرة الأقل في القطاع الخاص مقابل القطاع العام، يستحوذ الأول على 13.545 طبيبا، مقابل 11.412 للثاني، ما يبرز الحاجة إلى المزيد من المناصب المالية كما جاء في مقترح الشناوي وبلافريج، إلا أن ما يمنع ذلك حسب وزير المالية، ليس هو العامل المادي فقط، بل إن ملأ الـ4000 منصب المخصص لقطاع الصحة العمومية إجمالا لا يزال طموحا صعبا المنال لعدم وجود ما يكفي من الأشخاص المكونين في هذا المجال.

"وقعنا في الفخ"

وبدت هذه الوضعية أكثر "إحراجا" للدولة مع بدأ تفشي وباء كورونا المستجد، وما يستلزمه من بنى تحتية وأطر طبية، وهو ما اتضح عند إحصاء أسرة الإنعاش التي أضحت حاجة ملحة خلال هذه الظرفية، لتجد أن ما تتوفر عليه هو المؤسسات الصحية العمومية، وفق أرقام وزير الصحة خالد آيت الطالب، لا يزيد عن 684 سريرا مقابل 504 في المستشفيات الخاصة، يضاف إليها 132 سريرا لدى المنظمات ذات النفع العام و70 بالمستشفيات العسكرية، ما دفع الحكومة إلى التعجيل بتوفير 250 سريرا إضافيا مع بداية الأزمة ليصل العدد إلى 1640، قبل أن يأمر الملك برفع العدد إلى 3000 آلاف اعتمادا على المبالغ التي يوفرها صندوق مواجهة الجائحة.

وتعليقا على هذا الوضع، يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن السؤال حول مدى مسؤولية الدولة في تعقيد هذه الأزمة "ليس مطروحا على المغرب فقط بل على جل دول العلم"، وأضاف أن هذا الأمر نتيجة طبيعية لـ"التوجه النيو-ليبيرالي للدولة الذي فوت مجموعة من القطاعات للخواص".

وأورد العلام أن الدولة لجأت إلى التخلص من القطاعات الاجتماعية من بينها قطاع الصحة، لكن اتضح اليوم أن القطاع الخاص ليس مؤهلا لمواجهة حالة وبائية مثل جائحة كورونا، وأيضا "لا يمكن أن نطلب من شخص مصاب بوباء عالمي أن يؤدي فاتورة الاستشفاء، وهذا المنطق غير موجود لدى القطاع الخاص".

وينبه العلام أن هذه الأزمة أبرزت أيضا تبعات عدم الاهتمام بالبحث العلمي، الذي لا يخصِّص له المغرب سوى أقل من 1 في المائة من ميزانيته السنوية، إذ حاليا "الجميع يبحث عن لقاح أو دواء، والعقول البشرية متشابهة عند كل بني البشر فلا فرق بين عالم مغربي أو أمريكي أو إسباني، وهو ما يؤكده اشتغال العديد من الكفاءات العلمية المغربية في مختبرات عالمية"، خالصا إلى أن "المغرب يزخر بالطاقات، لكن ما ينقصه هو الإرادة السياسية وتوفير الاعتمادات المالية الكافية".

خطيئة القطاع الخاص

ويعتبر العلام، في حديثه لـ"الصحيفة" أن عقودا من ضعف اهتمام الدولة بالقطاعات الاجتماعية وعلى رأسها قطاع الصحة، وتفضيل ترك المساحة بشكل متزايد للقطاع الخاص لملأ الفراغ "سيجبرها اليوم على دفع ضريبة باهظة كما ستدفعها العديد من دول العالم التي نسجت على المنوال نفسه".

وحسب أستاذ العلوم السياسية، فقد كان على المغرب أن يفكر "في ما لا يمكن للقطاع الخاص تحمل أعبائه"، موضحا أن "المستشفيات الخاصة لديها مئات الأسِرة التي يمكن أن تضعها في خدمة الدولة، لكنها ستظل عاجزة على توفير أمور أخرى نحن في أمس الحاجة لها خلال الأزمة الراهنة، مثل الأطباء والأطر الصحية التي ستكون الدولة مطالبة بتحمل نفقاتهم". 

واعتبر العلام أن ما يحدث الآن نتيجة طبيعية لتسليم قطاع اجتماعي حيوي مثل القطاع الصحي للخواص، إذ "من الطبيعي أن لا يؤدي المستثمر في قطاع الصحة من ماله الخاص لعلاج المصابين بالوباء، ومن عليه أن يتحمل المسؤولية في مثل هذه الظرفية هي الدول لأن قدراتها لا تقارن بقدرات الخواص، لذلك كان عليها التحسب لمثل هذه الظروف"، مبديا أمله في أن يستخلص المغرب الدروس من هذه الأزمة وأن يعيد القطاعات الاجتماعية إلى موقع الصدارة في قائمة اهتمامات الدولة.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...