نزار بركة.. "ولد دار المخزن" والاستقلالي الراغب في قيادة الحكومة لـ "حل" مَشاكل كان جُزءا منها

 نزار بركة.. "ولد دار المخزن" والاستقلالي الراغب في قيادة الحكومة لـ "حل" مَشاكل كان جُزءا منها
بورتري – بديع الحمداني
الأربعاء 1 شتنبر 2021 - 12:16

قبل 4 أشهر ونيف من موعد الاستحقاقات الانتخابية المقررة يوم 8 شتنبر 2021، حل نزار بركة ضيفا على مؤسسة "الفقيه التطواني"، وحينها قال إنه "لا طموح له لرئاسة الحكومة"، لكن اليوم، وفي خضم الحملة الانتخابية، لا يخفي الأمين العام لحزب الاستقلال رغبته في أن يكون "الحصان الأسود" الذي سيحظى في نهاية السباق بتكليف ملكي يسحب به البساط من تحت أقدام رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، وأيضا عزيز أخنوش، الوزير الأقوى في الحكومة الحالية.

واختار بركة، المزداد سنة 1964 بالعاصمة الرباط، أن يتجه إلى إقليم العرائش، حيث جبل العلم وضريح المولى عبد السلام بن مشيش، المنطقة التي تعود إليها أصول عائلته، مترجيا "بركة" المقامِ وأهلِهِ للظفر بمقعد برلماني في الاستحقاقات التشريعية، لكنه أيضا يطلب "البركة" الأكبر، التي أتيحت لعباس الفاسي سنة 2007، حين كان ترشحه في الإقليم نفسه فاتحة خير عليه ليصبح وزيرا أولا بعدما تصدر حزبه الانتخابات.

وكانت استعادة "هيبة" حزب الاستقلال، هي الرهان الأكبر للرجل القادم من عوالم المال والاقتصاد، وهو يعود للواجهة السياسية سنة 2017 مُطيحا بحميد شباط "المغضوب عليه"، ومن يومها بدا وكأن "الميزان" قد عاد لأصحابه التاريخيين، وإن لم يكونوا من "آل الفاسي" فهم على الأقل قريبون من "دار المخزن"، وهو ما ينطبق حرفيا على بركة، الذي قبل أن يصل لقيادة الحزب كان وزيرا في مناسبتين، كما كان رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

ودخل بركة الحكومة لأول مرة في نونبر من سنة 2010، كوزير منتدب لدى الوزير الأول مكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، لكن بعدها بـ3 أشهر فقط ستبدأ شرارة حراك 20 فبراير 2011، الذي أدى إلى تفاعل الملك مع الاحتجاجات وصياغة دستور جديد، ثم سيُفتح الباب على مصرعيه لحزب العدالة والتنمية لتحقيق فوز كبير في الانتخابات السابقة لأوانها، لتنتهي مهام نزار بسرعة في منصبه الحكومي الأول وتحديدا في يناير من سنة 2012.

غير أن الرجل كان على موعد مع نقلة أكبر، حيث سيصبح وزيرا للاقتصاد والمالية في النسخة الأولى من حكومة عبد الإله بن كيران، إلا أن "اللعنة" ستطارده مرة أخرى، وستُعجل بإنهاء مهامه في يوليوز سنة 2013، حين قرر شباط الخروج بحزبه إلى المعارضة، ولم يتمتع بركة حينها بالقدرة على المواجهة التي توفرت لدى استقلالي قديم اسمه محمد الوفا، والذي رفض الانصياع لقرار أمينه العام الذي اعتقد حينها أنه يمهد الطريق لنفسه ليصبح هو رئيس الحكومة.

ونجا ابن كيران بالفعل من فخ الانتخابات السابقة لأوانها، وبعدها سيبرز بركة كأحد المنتقدين لسياسات الحكومة ولحزب العدالة والتنمية، لدرجة أنه وهو في منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اتهم رئيسه السابق بإضعاف القدرة الشرائية للمغاربة والتسبب في مشكلة البطالة وإقفال أبواب مجموعة من المؤسسات، لدرجة أن ابن كيران وجه إليه سهامه ذات مرة، مذكرا إياه بأنه كان عضوا في الحكومة ومن أقرب الوزراء إليه، كما أنه كان شريكا مباشرا في أي خطوة تتخذها السلطة التنفيذية.

وهذه الملاحظات نفسها هي التي يطرحها خصوم بركة اليوم، فالأمر لا يتعلق بشخص ظل بعيدا عن تدبير الشأن العام، وإنما بوزير كان مشرفا على قطاع الشؤون الاقتصادية والعامة، ثم مكلف بحقيبة الاقتصاد والمالية، إحدى أكثر الحقائب تأثيرا على جميع المجالات بما في ذلك المجال الاجتماعي الذي ينتقده الآن ويعد المغاربة بتحويل وجهه 180 درجة، بل إن منهم من اعتبروا أن ما يعد به ليس سوى تنزيل للمشروع التنموي الجديد وورش الرعاية الاجتماعية المعلن عنهما مسبقا واللذان أشرف عليهما الملك.

وحتى عندما يتكلم بركة في قضايا أصبحت موضوع الساعة حاليا، مثل إدماج 100 ألف أستاذ متعاقد في الوظيفة العمومية أو قانون العفو العام على مزارعي القنب الهندي، يُشهر خصومه في وجهه الورقة نفسها، فكلا الموضوعين مطروحان بالفعل على طاولة الحكومة الحالية، وكلاهما قطعا أشواطا غير قصيرة من النقاش الذي ستكون الحكومة المقبلة معفية منه، وكأنهم يقولون إن الأمر يتعلق برجل لا يعرف إنتاج أفكار من خارج الصندوق، وإنما ينطلق مما هو موجود.

وبعد كل ذلك، يظل بركة أحد أبرز الوجوه المطروحة لقيادة الحكومة المقبلة، والذي تتبلور في أذهان الناس نظرتان حوله ليستا بالضرورة متناقضتان، الأولى تجعل منه رجل اقتصاد يعرف جيدا كيف يتعامل مع الأرقام وشخصا ذا تجربة وازنة ستُمكنه من إعادة بعض الهيبة للعمل الحكومي، والثانية تعتقد أنه يمثل إعادة إنتاج لفكر عتيق ذي طابع محافظ، وأنه شخص مستعد للقيام بالأدوار التي رُسمت له بعناية، حاملا لبروفايل "ولد دار المخزن" الذي قد يكون الرهان عليه أضمن من الرهان على "رجل أعمال".

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...