نمُوذجٌ تَنمَوِي.. في غيابِ المُجتَمَع!

 نمُوذجٌ تَنمَوِي.. في غيابِ المُجتَمَع!
أحمد إفزارن
الخميس 9 يناير 2020 - 2:10

يا سادة! تُضيّعون الوقت..
وإذا كان التّضيِيعُ يهُمّكُم، فغدًا قد لا تجدُون كفايةً من الوقت..
الوقتُ من ذَهب.. فلا تُفرّطُوا في الوقت!
لا تسِيرُوا في نفسِ "الطريقِ الخاطِئ"!
الخطأ المُكرّر قد يُفجّر النفّوس، ومعَها يَجُرُّ القديمَ والجديد.. ولا يُبقِي ولا يَذَر..
لا يجوزُ أن يتَكرّرَ الفَشَل.. وإذا فشلَ "النّموذجُ التّنموي الجديد"، فلن يكُونَ هذا أمرًا عاديّا، طبيعيّا..
وعندَها، تهتَزّ البلاد.. والناسُ لا تَتراشَقُ بالمسؤوليةِ فقط، قد يَحدُثُ ما لم يَحدُث..
إنّ "النّموذجَ التّنموي الجديد" منَ المفرُوضِ أن يَتَكَوّنَ في رَحمِ المُجتَمع.. وأن يُولَدَ من المُجتَمَع، ويَنضُجَ في بيئةِ المُجتمَع، لا على مَوائدِ أحزابٍ مَصلَحيّة، مُتَمَخزِنَة!
"النّموذجُ التّنموي الجديد" لا يَنبعِثُ من أحزابٍ مُهتَرِئة، تُفكّرُ بالرّيع، والاحتِكار، والزبُونية، والعلاقاتية، والارتباطِ العُضوِي برُمُوزِ "الاستِعمار الجديد"..
أحزابٌ لا علاقةَ لها بعامّةِ الناس..
تتَعاملُ معَنا من فَوق..
وتعتَبرُنا مُجرّدَ كائناتٍ رهنَ إشاراتٍ إقطاعية..
ولَجنَةُ "النّموذجِ التّنموي الجديد" " التَجَأت إلى هذه المُسمّاة أحزابا، وما هي بأحزاب.. لقد انبَنَت على ظهير 1958 للحُريات العامة، الذي تتَشكلُ بهِ الجَمعيات..
وبِظهيرِ الجمعيات، هي تحكُمُنا منذُ الاستقلال إلى الآن.. وتفعلُ في البلاد ما تَهوَى.. تُوظّفُ من تَشاء، وتُهمّش من تشاء.. وتتَصرّف في البلاد، تُغنِي من تشاء، وتُفقِرُ من تشاء..
إلى هذه الكائناتِ الفاشلةِ بالطّول والعرض، اغتَنَت
الانتهازيةُ اغتِناءًا فاحشًا، بعد أن تَقرّبت من السّلطة، ووضَعت يدَها على صناديقِ الدولة.. عائلاتٌ بأكمَلِها أصبحَت تَملِكُ في البرّ والبحر، وفي الخارج، وليست لثرواتِها وعقاراتِها وشركاتِها حُدُود..
هؤلاء الإقطاعيّون يُرادُ منهم أن يُقدّموا للبلدِ نموذجًا تنمويّا جديدا..
وهم ليسوا مُؤهّلين لإنتاجِ نموذجٍ ناجِح..
لقد مرّت البلادُ من عدّة تصاميم: الثلاثي، الخُماسي، وغيرُهما، وكلُّها كما تَعلمُون..
العيوبُ تكمُن في سُوء التّدبير، وسوءِ التّسيير.. وطبعا هي مرفوقة بالرشوة، وبقيةِ أنواعِ الفساد..
دولةٌ يُنتظرُ منها أن تُنتِجَ قيمةً مُضافة، وبالتالي هي لا تملكُ إلا مَفاتيحَ الفشل..
النّجاحُ له طريقٌ أخرى..
ولا نجاحَ بدون نزاهةٍ وجدّيّةٍ ومَسؤوليّة..
ومن هُنا نبدأ: هذه الفئةُ الحزبية التي تُستَشار، هي تتَشبّثُ بنفسِ العقليةِ الحزبيةِ التقليدية: استغلالُ الفُقراء لإغناء الأغنياء..
وهذه عقليةٌ مرفُوضة..
تدفع ببلادِنا إلى الخَلف..
ولا تبحثُ عن نفَسٍ جديد، وأفكارٍ قادرةٍ على إنقاذِ بلدِنا..
وكلُّ ما ليس قريبًا من همومِ المُواطن، لا يقبَلُه أيّ أحد، إلا إذا كان من نَمَطِ هذه "النّخبة" الفاسدة..
وحتى لا يتكرّر النموذجُ التنموي السابق، الذي أعلن ملكُ البلاد أنه نموذجٌ فاشل، يجبُ أن يُستشارَ من يَملكُون أفكارا جديدة.. نابضةً بالحياة..
وفي هذا السياق، يقول الملك: "المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمُنصِفة التي تضمنُ الكرامةَ للجميع، وتُوفّرُ الدّخلَ وفُرصَ الشغل، وخاصةً للشباب، وتُساهمُ في الاطمِئنان والاستِقرار والاندِماج في الحياةِ المِهنية والعائليةِ والاجتِماعية…"..
والموقفُ الملَكي واضح..
واللجنةُ المعنيةُ لا تسيرُ في هذا الاتجاه.. ولا في اتّجاهِ كلماتٍ ملَكيةٍ دالّة، ومنها: "أين الثروة؟"، "ثورة إدارية"، "الفساد"…
إن أيّ نمُوذَج تنمَوِي جديد يتطلبُ استراتيجيةً لخلقِ الثّروة والنّموّ..
وهذا يمُرّ عبرَ توزيع الثروات، وإحياءِ الطبقة المتوسطة، وحماية الفقراء من سياسةِ التّفقير، علما بأن جُلَّ الأغنياء يَصنعون ثرواتِهم من تفقيرِ الفُقراء..
وفي هذا السّياق، تلعبُ المُحافظةُ العقارية، ومعها السلطاتُ المحلية، والمركزية، وغيرُها، دورا رئيسيّا في جعلِ الفسادِ ركيزةً لبناء ثروة الأثرياء..
وعلينا بثورةٍ إداريةٍ سبق أن تحدث عنها ملكُ البلاد..
وإن إداراتِنا ما زالت وكرًا للفساد..
وصندوقُ الضمان الاجتماعي ما هو إلا مَهزلة.. عندنا مُتقاعدون يتقاضَى كلُّ فرد منهم حوالي 20 درهما في الشهر..
فمَن فيكُم يستطيع العيشَ بهذا المَبلغ؟
وأمامَنا عوائقُ يجبُ تذليلُها، لكي تجدَ المرأةُ المغربية طريقا تنمويّا سالكا، وتقُومَ بالمُشاركة السياسية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعليمية والتشغيلية، وتتمكنَ هي الأخرى من المساهمة في تدبير الشأن المحلي والعمومي..
وفي هذا السياق، لا بُدّ من إصلاحِ قوانينَ لا تليقُ بالمغرب الجديد.. ومن حق المرأةِ أن تكون لها حقوقٌ مُسَاويةٌ للرجل، في كل المجالات، بما فيها التساوي في الإرث..
وعلينا بقانُون مدني يضمَن لبلدنا نموذجا تنمويّا يحمي المرأةَ وكلَّ الأسرة، على أساس التّساوي في الحقوق والواجبات..
وإلى هذا، مُلاءمة القانون الوطني بالقانون الدولي، لحلّ المشاكلِ الناجمةِ عما يُعرف بالأمّهات العازبات، أي وجودُ أطفالٍ خارجَ مؤسسةِ الزواج، مع الاعترافِ القانوني ببُنُوّةِ هؤلاءِ الأطفال..
ولا يجُوز غضّ الطرفِ عن التعليمِ العمومي، والصحةِ العمومية، والتشغيل، والتّجهيل..
إن الجَهلَ يُقيمُ بيئةً خصبةً لنُمُوّ التّطرّف، وإنشاءِ قواعدَ انتخابيةٍ على أساس استغلالِ الدين أو العِرق أو غيرِهما، وهذا يُؤدي إلى تَدهوُر البلاد..
"النموذجُ التنموي الجديد" يجب أن يُساهم في بناء مُواطنٍ في كاملِ قِواه العقلية والنفسية والمادية، وأن يكون قادرا على تحمّل المسؤوليةِ الوطنية، بما تَستوجبُه من نزاهةٍ ومن قُدرةٍ وطنيةٍ على تربيةِ وتنشئةٍ أجيالٍ وطنيةٍ جادّة..
أما الرهانُ على فئات لا تهمّها إلا السلطة، وما حول السّلطة من منافع، فهذا مسارٌ غيرُ سالك، ولا يُعتمدُ عليه لبناءِ الاستقرار الإيجابي، ومُجتمعٍ مُؤهّلٍ لإنقاذ البلد من مُنزلَقاتٍ لا يُعرَف متى وكيفَ تكون، ولا كيف يُمكنُ للبلاد أن تتجاوزَها..
ولا ننسَى استشاراتٍ في أوساطِ "مغاربة العالم".. الكفاءاتُ المغربيةُ في الخارج، كما في الداخل، يجبُ الاستماعُ إليها، لتجميعِ أفكارٍ عمَليةٍ قادرةٍ على رصدِ مَواقعِ الخلل، حتى لا تتَكرّر في بلادِنا أخطاءٌ قد تكرّرت مِرارا، عبرَ عقودٍ من الزمن..

  • اخرُجُوا إلى المجتمع!
    المُجتمعُ أدرَى من غيرِه بأجوَدِ مَسلَكٍ إلى أفضلِ تنميّة..
    إنّ بلدَنا يَستَأهِلُ تنميةً كُبرَى شامِلة!
    وتنميةً اجتماعية.. وإنسانية..
    [email protected]

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...