هل انتهى "سوء الفهم الكبير" بين الرباط والقاهرة؟

 هل انتهى "سوء الفهم الكبير" بين الرباط والقاهرة؟
الصحيفة - افتتاحية
الخميس 12 ماي 2022 - 15:52

ما الذي جرى تحت جسر العلاقات بين المغرب ومصر حتى خرجت القاهرة من منطقتها الضبابية لتعلن عن دعم "واضح" للمملكة في قضية الصحراء؟

منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب، حينها، محمد مرسي، الذي يعتبر أول رئيس مدني حكم مصر، والعلاقات بين الرباط والقاهرة، بين مد وجزر.

ومنذ بروز تيارات "المقاومة" لما يوصف بـ"الربيع العربي"، ظل النظام العسكري في القاهرة ينظر للمغرب على أنه دولة "قبلت" بالإسلاميين في الحكم، وارتضت لنفسها الاحتكام للعبة الديمقراطية ولو بشكل هَجين، وهو ما كان النظام العسكري في مصر غير راضٍ به، ولا ينظر إليه بعين القبول ويعتبرهُ مهددا لوجوده في حال نجحت تجربة التداول السياسي في المملكة، بعد أن أفشلها العسكر في مصر بدعم سخي من دول الخليج لنظام السيسي فاق 70 مليار دولار كانت كافية لقلب الطاولة على "الإخوان المسلمين" بقصر "الاتحادية" في "قاهرة المُعز".

وخلال كل هذه السنوات، جرت مياه كثيرة في العلاقات المغربية المصرية. فالقاهرة شكلت "تحالف وجود" مع بعض دول الخليج، خصوصا بعد بروز محمد بن سلمان وليا للعهد في السعودية، وصعود نجم محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان كصاحب القرارات في الإمارات، وكلاهما ضد صعود الإسلام السياسي للحكم.

بن سلمان كما محمد بن زايد اعتقدا في فترة ما أن أنظمة الدول العربية يجب أن تكون "تابعة" للرياض وأبوظبي اللتان فتحتا دفتر شيكاتهما للدول "المطيعة"، وهو مَنطق تدبير العلاقات بين الدول الذي رفضته الرباط، وارتضت به القاهرة، لهذا، بدا في فترة ما، خصوصا بعد الحصار الذي فرضته هذه الدول على قطر، وموقف المغرب منه، أنّ التحالف المصري السعودي الإماراتي، سيعمل على "معاكسة" المغرب خصوصا في وحدته الترابية. وكذلك كان!

وهكذا، تحولت برامج "التوك شو" في مصر إلى قنوات إعلامية لتصريف العديد من "التضليل الإعلامي" اتجاه المملكة المغربية، فربطت العديد من هذه البرامج التي تداع بتوجيه من الجهات الأمنية المصرية، بين المغرب وبين الفكر الإخواني.

وفي يوليوز من سنة 2014، وعقب رسالة مصورة وجهها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي، حينها، لحركة "حماس" للمغاربة، خرجت أماني الخياط الإعلامية بقناة "أون تي في"، المملوكة آنذاك لرجل الأعمال المقرب من النظام العسكري، نجيب سويرس، لتهاجم الملك محمد السادس بشكل مباشر قائلا إنه "دخل في صفقة مع الإخوان وسلمهم الحكومة بعد أن تابع ثروات الربيع العربي".

الرباط، ومع تكرار مثل هذه الخرجات، ردّت على النظام المصري عبر القناة الأولى المغربية، في نشرتها المسائية لفاتح يناير 2015، عندما عرضت تقريرا وصف لأول مرة ما جرى في مصر بأنه "انقلاب عسكري نفذه المشير عبد الفتاح السيسي"، موردا أن الجيش "عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وعطل العمل بالدستور". وأضاف التقرير أن "الانقلاب  أجهض مسلسل الانتقال الديمقراطي في مصر".

بعدها بأسابيع، حطت طائرة وزير الخارجية سامح شكري بمدينة فاس، حاملا رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى الملك محمد السادس، حيث فهمت القاهرة المطلوب واستجابت له، بكف إعلامها عن استهداف المملكة المغربية بمناسبة وبدون مناسبة.

غير أن "العلاقة الفاترة" بين الرباط والقاهرة كانت تتعقد أكثر مع بروز ملفات سياسية "ثقيلة" إقليميا، مثل ما هو الحال في الملف الليبي، أو على مستوى تنافس القاهرة والرباط على النفوذ إفريقيا.

وتبين التباعد الكبير بين مصر والمغرب عندما تقدمت الرباط بطلب استعادة مقعدها في منظمة الاتحاد الإفريقي. حينها، كان المغرب يعلم جيدا أنه مجبر على مواجهة العديد من العراقيل الموضوعة في طريق عودته للاتحاد الإفريقي، حتى يُتم الرؤية الاستراتيجية الجديدة للمملكة تجاه القارة السمراء، لذلك بدأ العمل على هذه العودة قبل شهور من انعقاد القمة الثامنة والعشرين للاتحاد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أواخر يناير من سنة 2017، لكنه رغم ذلك سيواجه مفاجآت اللحظة الأخيرة، والتي كان إحداها الموقف المصري الغامض من هذه العودة.

وفي وقت مَا، أدركت القاهرة أن التوجه المغربي الجديد الذي يقوده الملك محمد السادس تجاه القارة السمراء، صار يزاحمها على موقعها السياسي التاريخي بعدما استطاع التفوق عليها اقتصاديا، هذا بالإضافة إلى تقاربها مع الجزائر التي أعلنت رسميا معارضتها لعودة المغرب إلى مقعده الذي غادره سنة 1984، وهو تقارب فرضته المصالح الاقتصادية بين البلدين، وعلى رأسها الاتفاق حول تزويد مصر بالغاز الجزائري.

ورغم موقف مصر الذي بقيَ مُعلقاً، عاد المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي بأغلبية مريحة من الأصوات، قبل أن يخرج سفير القاهرة في الرباط، ليعلن عن "دعم بلاده" لهذه العودة.

موقف القاهرة، أعاد للأذهان أيضا موقف مصر من دعوة المغرب الذي كان مدعوما من 28 دولة إفريقية بتجميد عضوية "الجمهورية العربية الصحراوية" من منظمة الاتحاد الإفريقي، حيث لم تنضم مصر إلى قائمة الدول الإفريقية التي طالبت بهذا التجميد، ورفضت التوقيع على اللائحة التي قدمت للاتحاد الإفريقي التي ضمت كل من: بنين، بوركينا فاسو، بوروندي، الرأس الأخضر، جزر القمر، الكونغو، ساحل العاج، جيبوتي، أريتيريا، الغابون، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، ليبيريا، ليبيا، جمهورية أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساوتومي، السنغال، السيشل، سيراليون، الصومال، السودان، سوازيلاند، الطوغو، وزامبيا.

يُضاف ذلك، إلى موقف مصر سنة 2020 من التدخل المغربي عسكرا لفتح معبر الكركرات بعد أن قامت عناصر من جبهة البوليساريو على مدى أكثر من 21 يوما من عرقلة حركة العبور التجاري والمدني في هذا المعبر من كلا الاتجاهين، حيث خرجت العديد من الدول العربية ببلاغات دَعم وتأييد للقرار المغربي في التدخل العسكري لفتح معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، في حين تحفظت مصر عن إصدار أي مبادرة دعم للموقف المغربي، على خلاف الأردن، قطر، الإمارات، الكويت، البحرين، سلطنة عمان، اليمن، السعودية، وفلسطين، وهي الدول التي عبّرت عن دعمها الكامل للخطوة المغربية، ومساندة المملكة لوحدتها الترابية.

على المستوى الإقليمي، اصطدمت الرباط مع القاهرة في ليبيا، حيث لعب المغرب دورا واضحا في دعم الوفاق الوطني الليبي، انطلاقا من احتضانه للقاء أطراف الصراع سنة 2015، الذي حظي برعاية الأمم المتحدة بهدف العمل على إنهاء الحرب الأهلية، والذي أعلن ميلاد المؤسسات السياسية الليبية المعترف بها دوليا، في حين دعمت مصر السيسي قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الراغب في فرض سطوة الجيش على امتداد التراب الليبي.

على المستوى الاقتصادي، أعلنت الرباط "التضييق" على واردات القاهرة إلى السوق المغربية إن لم تحل "بيروقراطيتها" بخصوص صادرات المغرب من السيارات إلى السوق المصرية، وهو ما عبر عنه بشكل صريح، حفيظ العلمي، وزير التجارة والاقتصاد -حينها- عندما أكد سنة 2021 أن هناك "انسداد" يطبع المبادلات التجارية بين المغرب ومصر، متهماً القاهرة بعرقلة الصادرات المغربيَّة وتزييف واردات المغرب من هناك بوضع علامة "صنع في مصر" على منتجات في الحقيقة صينيَّة، وهو ما يكبد المغرب خسارة تقارب 600 مليون دولار سنويا.

وبعد كل هذه المطبات السياسية والاقتصادية، والتغيرات الجيو استراتيجية في المنطقة، وعودة الدفء في العلاقة المغربية الخليجية، اثر دخول الرباط في "مواجهات" دبلوماسية مع دول أوروبية وأخرى خليجية لتوضيح مواقفها اتجاه المملكة خصوصا فيما يَتعلق بالوحدة الترابية، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعودة العلاقات من إسرائيل، ودفع دول وازنة أوروبيا لدعم الطرح المغربي، والدور الفاعل للمملكة ديبلوماسيا، واقتصاديا على المستوى الإقليمي والجهوي.. يبدو أن القاهرة اقتنعت أخيرا أن التغييرات الكبيرة التي حدثت في العالم وفي المنطقة العربية وحتى الإفريقية أصبحت تفرض عليها إعادة تشكيل تحالفاتها، والتقليل من المواجهات مع المملكة خصوصا على مستوى منظمة الاتحاد الإفريقي.

وعليه، كان على مصر أن توضح موقفها من قضية الصحراء كي تصبح العلاقات مع الرباط "واضحة" خصوصا بعد خطاب الملك محمد السادس شهر نونبر 2021 في ذكرى المسيرة الخضراء، حينما أكد بالقول: "نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية".

اليوم، خرجت القاهرة في بيان رسمي، وواضح، لتعبر فيه عن دعمها للوحدة الترابية للمغرب، ولتزيل الكثير من الغموض الذي أحاط بالعلاقات المغربية المصرية منذ وصول السيسي إلى قصر "الاتحادية"، وما يبدو أن طي لصفحة الماضي وفتح صفحة الحاضر والمستقبل لمزيد من التوافق العربي/ العربي.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...