هل كان ماركس "ديمقراطياً " ؟

 هل كان ماركس "ديمقراطياً " ؟
عبد الحسين شعبان
الثلاثاء 2 مارس 2021 - 11:45

سؤالٌ ليس من السهولة الإجابة عليه بنعم أم لا؟ وقد يحتوي التناقض إستناداً إلى زاوية الرؤية والدلالة في المعنى والمفهوم، علماً بأن ماركس لم يخصص ما يكفي من كتاباته للحديث عن الديمقراطية، لأنها باختصار لم تكن مطروحة في عهده بالشكل الذي نراه في القرن العشرين وبشكل أكثر في القرن الحادي والعشرين، فقد بدأ الحديث عن الديمقراطية بنبرة عالية خلال فترة "الحرب الباردة" و "الصراع الآيديولوجي" بين المعسكرين الشرقي والغربي، خصوصاً حين تحوّل العالم إلى نظام أحادي القطبية بعد أن كان ثنائي القطبية .

فما هو مفهوم ماركس للديمقراطية، خصوصاً علاقته بالدولة الذي تعرّض إلى نقد شديد من خصومه وتشويه كبير من مؤيديه، علماً بأنه لم يستكمل مشروعه عن الدولة بحكم عمره البيولوجي، فالخصوم اعتبروه مشروعاً هدّاماً بالتسلط من طبقة على أخرى بالدكتاتورية البروليتارية ، وهو ما عكسه الواقع في تطبيقات (براكسيس) مشوهة للفكرة ذاتها من خلال عقود من التجربة الإشتراكية على المستوى الكوني، وكانت روزا  لوكسمبورغ قد حذّرت منه بوقت مبكر، معتبرة أن الثورة ليست "حمّام دم" فالدكتاتورية ستعني التسليم لحفنةٍ من الحزبيين ، وهذا يعني التنكر للديمقراطية كما تفهمها، أما مؤيدوه فاعتبروا ما قاله ماركس عن الدكتاتورية البروليتارية معادلة قطعية لا تقبل النقاش أو المراجعة، وإنما هي تعليمات سرمدية أقرب إلى التعاويذ التي تصلح لجميع المجتمعات ولجميع الأزمان واستمر البعض يلوك تلك الأفكار حتى وإن لم يكن لها علاقة بالواقع.

في هذا المجال لفت انتباهي كتاب هام يحمل وجهة نظر رصينة، إختلفنا أم إتفقنا معها بعنوان "كارل ماركس والديمقراطية" لمؤلفه مازن الحسيني وهو أحد القياديين الشيوعيين الفلسطينيين البارزين، وقد سبق له أن عمل في العديد من المنظمات المهنية اليسارية العالمية مثل اتحاد الطلاب العالمي ومجلس السلم العالمي واتحاد الصحافيين العالمي، ويعتبر الحسيني ماركس مفترى عليه، فقد كان "ديمقراطياً" مؤمناً بالإشتراكية التي هي الديمقراطية الحقيقية، أي أن ديمقراطيته هي غير الديمقراطية الليبرالية المعروفة، حتى وإن آمن بالأخيرة إلاّ أنها لمرحلة معينة ، ومن خلالها يمكن العبور نحو الإشتراكية وقيادة البروليتاريا ، لأن الديمقراطية الحقيقية كما يفهمها ماركس أي " سيادة الشعب" غير ممكنة مع استمرار نظام عدم المساواة الإجتماعية وفي ظل التفاوت الطبقي. وبغض النظر عن الرغبة في تحقيق العدل الشامل والإنعتاق الإنساني الكامل، فليس ذلك سوى مثالية أقرب إلى اليوتوبيا الفلسفية منها إلى الواقعية العملية غير المتحققة وغير المنظورة أو الملموسة.

ومع ذلك تعامل ماركس مع عصره بنوع من الواقعية البرغماتية، فقد ظلّ يحمل همّ ما يسمّى بـ "الإختراق الديمقراطي" على خلاف هيغل الذي كان يزدري الفكرة الديمقراطية ويعارض مشاركة "جميع الناس" في الشؤون العامة للدولة ، ويعتبر ذلك إقحاماً ، وكان رد ماركس أن شؤون الدولة تهم الجميع ومن اختصاصهم، ولذلك يتعيّن عليهم مناقشتها وتقريرها، وفي البيان الشيوعي " المانيفاستو" أكّد على الصلة الوثيقة بين المجتمع الإشتراكي والنظام الديمقراطي ، وكمدخل لذلك لابدّ من كسب مرحلة الديمقراطية، وذلك بتوسيع الرقابة الديمقراطية من أسفل.

وقد إقتفى لينين نظرياً إثر ماركس بقوله: إن من يتصوّر الإنتقال إلى الإشتراكية بطريق آخر غير الديمقراطية سيتوصل إلى استنتاجات خرقاء، سواء بمعناها السياسي أم الإقتصادي، ولكن جميع التجارب الإشتراكية المطبقّة عجزت عن تجسيد هذه الرؤية، بما فيها بعد ثورة أكتوبر الروسية ، ودائماً ما كانت الوسيلة تفترق عن الغاية ، بل وتتعاكس معها في الكثير من الأحيان، وإذا كانت الغاية بعيدة المدى وغير منظورة، فإن الوسيلة راهنية وملموسة ، الأمر الذي خلق تناقضاً صارخاً بين الوسائل والغايات ، إذْ لا يمكن لوسائل غير عادلة وغير شريفة الوصول إلى غايات نبيلة وإنسانية ، ولعلّ ذلك إحدى معضلات الفكر الإنساني ومفارقاته التي تشمل جميع النظريات الشمولية التي تعكّزت على القومية أو العرق أو الدين أو الطائفة، لكنها قادت إلى نتائج مختلفة بالضد ممّا إدّعت.

كان ماركس واضحاً بقوله أن حرّية الصحافة وحرّية التنظيم والحرّيات البرجوازية هي مثل الهواء الذي يحتاجه حزب العمال كي يتنفّس، وهذا يتطلب دستوراً ديمقراطياً تمهيداً للحكم السياسي للبروليتاريا ، ولم يخفِ ماركس و إنجلس أن إيمانهما بالديمقراطية مرهون بمرحليتها لتحقيق الإشتراكية عبر ديكتاتورية البروليتاريا ،لأن الديمقراطية السياسية حسب إنجلس لا تستطيع معالجة الشرور الإجتماعية، أما المساواة فهي مجرد وهم وخرافة . 

في "نقد برنامج غوتا" ميّز ماركس بين "ديمقراطيته الحقيقية" والديمقراطية الليبرالية ، فالأولى تعني تحرير العمال والإنسان، أي الإنعتاق التام للبشرية، أما الثانية فتعني حرّية الطبقات الوسطى وتحرير المال، واستناداً لذلك تناول مفهوم حقوق الإنسان الذي قصد منه "إنعتاق الإنسان" فالقانون وجد من أجله  والديمقراطية الحقيقية تعني الوجود الإنساني، كما جاء في كتابه "المسألة اليهودية" .

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...