هل يستغل المغرب انسحاب السعودية من تمويل مساجد أوروبا لبسط نموذجه الديني؟

 هل يستغل المغرب انسحاب السعودية من تمويل مساجد أوروبا لبسط نموذجه الديني؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 6 فبراير 2020 - 21:17

في قرار لم يكن مفاجئا للكثير من المطلعين على الاختيارات الجديدة للسياسات السعودية خاصة في المجال الديني، قررت سلطات الرياض التوقف عن تمويل المساجد والمراكز الإسلامية في الخارج، وخاصة في أوروبا التي كان النموذج الديني السلفي الوهابي منتشرا في العديد من فضاءاتها الدينية الإسلامية، حيث يحظى بدعم مالي سعودي سخي.

وجاء الإعلان الرسمي عن هذه الخطوة مع بداية هذه السنة ليطرح العديد من علامات الاستفهام حول فرص "النموذج الديني المغربي" الذي يحظى بدعم رسمي من أعلى هرم السلطة، للاستفادة من "الفراغ" الذي من المتوقع أن يخلفه هذا "الانسحاب" السعودي، خاصة في ظل وجود منافسة قوية بين نموذج شيعي مدعوم من إيران، ونموذج صوفي تموله تركيا، ومحاولات خليجية لإيجاد موطئ قدم في المساجد الأوروبية.

الانسحاب السعودي

وجاء تأكيد انسحاب المملكة العربية السعودية من إدارة وتمويل المساجد والمراكز الإسلامية خارج حدودها الوطنية، على لسان محمد العيسى، رئيس رابطة الجماعات الإسلامية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وذلك في حديث مع صحيفة "لوماتان دو ديمونش" السويسرية شهر يناير المنصرم، حيث أعلن أن إدارة المساجد الأوروبية ستصبح موكولة لمجالس إدارة محلية مكونة من مسلمي المنطقة ويرأسها شخص منتخب.

وأوضح العيسى أن مسجد جنيف بسويسرا، الذي افتتحه العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود معني بهذا القرار، إذ صار مطالبا بـ"تنويع مصادر تمويله حتى لا يبقى مرتبطا بأحد"، لكنه أكد أن الأمر لا يعني هذا المسجد وحده بل جميع المساجد والمراكز الإسلامية التي كانت تحظى بتمويل سعودي في جميع أنحاء العالم.

من يسد الفراغ؟

ومع صدور هذا القرار فرض سؤال "من يعوض السعودية؟" نفسه بقوة، فهذه الأخيرة كانت تتصدر ممولي المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا، إذ حسب أرقام صحيفة "إلكونفيدينثيال" الإسبانية تنفق الرياض سنويا ما بين مليارين وثلاثة ملايير دولار لبناء المساجد وصياناتها في مختلف الدول الأوروبية، متفوقة على المغرب والجزائر وتركيا.

ويبدو المغرب من بين الدول البارزة في هذا المجال، إذ منذ هجمات الدار البيضاء في 16 ماي 2003 أصبح الاهتمام بالمساجد خارج المغرب من أولويات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهو الأمر الذي تجدد الاهتمام به جراء المد الديني السلفي في أوروبا وانتشار المذهب الشيعي بين مغاربة بلجيكا ثم ظهور تنظيم "داعش" وما رافقه من أحداث دامية في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا.

حظوظ المغرب

ويتوفر المغرب على جالية كبيرة في أوروبا، يبلغ قوامها نحو مليون ونصف المليون شخص في فرنسا وحوالي مليون مواطن في كل من إسبانيا وإيطاليا وهولندا، وقرابة نصف مليون شخص في بلجيكا، ما يجعل مسألة محاولة تنزيل نموذج ديني رسمي قائم على المذهب السني المالكي والعقيدة الأشعرية أمرا منطقيا.

غير أن إدريس الكنبوري، الباحث المتخصص في قضايا الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية والهجرة، يرى أن هذا الأمر لن يكون سهلا، من منطلق أن "المغرب له نموذج ديني جيد لكن بسياسة سيئة، عكس السعودية التي كان لها نموذج ديني سيء بسياسة جيدة"، موضحا أن تنزيل النموذج المغربي في أوروبا "أمر صعب لأنه يحتاج لأطر حقيقية مكوَّنة ووطنية، بالإضافة إلى التمويل والإمكانيات والاستثمار في البنية التحتية".

وأورد الكنبوري أن المغرب "لم يستثمر كثيرا على المستوى الثقافي الديني، في الوقت الذي كان للسعودية حضور كبير في هذا المجال خلال العقود الماضية، عن طريق تدشين المساجد وتوظيف النخب، بما فيها النخب المغربية التي استُقطبت على غرار نظيراتها المصرية والسورية واللبنانية وغيرها، بواسطة الإغراءات المالية".

منافسة قوية

ومن جهة أخرى، سيجد المغرب نفسه أمام منافسة شديدة من نماذج دينية تسعى بدورها لفرض نفسها على المسلمين الأوروبيين، وهو الأمر الذي ينبه إليه الكنبوري قائلا "انسحاب السعودية لا يعني تعويضها مباشرة بالمغرب، فهناك أطراف أخرى قوية جدا على رأسها تركيا وإيران، اللذان سيكون من الصعب على النموذج المغربي منافسه نموذجيهما".

ويشدد الباحث في الفكر الإسلامي على أن المغرب محتاج لتدارك تأخره ليتمكن من إثبات نفسه في هذا المجال، وذلك عن طريق "تكوين نخب حقيقية تساهم في نشر النموذج الديني المغربي، بالإضافة إلى سد الفراغ الموجود في الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، الناتج عن عدم الاهتمام بترجمة الكتب إلى لغات أخرى، عكس ما فعلته السعودية التي اهتمت بترجمة وطباعة ونشر كتب الفقه والتفاسير الداعمة لمشروعها الديني".

خصم خليجي جديد

غير أن الانسحاب السعودي من الشأن الديني الإسلامي في أوروبا سبقته محاولات من دولة خليجية أخرى لإيجاد موطئ قدم لها هناك، ويتعلق الأمر بالإمارات العربية المتحدة، التي سبق أن تصادم معها المغرب في ماي من العام الماضي في صراع كان ميدانه هو مسجد "إيفري" الكبير في باريس، عندما أقالت الرباط رئيس مجلس المسجد، خليل مروان، عندما حاول ضم "موالين لأبو ظبي" لأعضاء مجلس الإدارة، وفق ما كشف عنه موقع "موند أفريك" الفرنسي.

ويرى الكنبوري أن الإمارات يمكنها أن تكون مستفيدة من الانسحاب السعودي، وقد تعمل جاهدة على أن تكون البديل مدفوعة بنفوذها القوي وأيضا بصراعها مع قطر التي تُمول بدورها عدة مساجد في أوروبا، لكن البلدين، حسب المتحدث نفسه، "لديهما المال دون النموذج الديني، على عكس السعودية التي كانت تتوفر على نموذج قوي يجد سنده في البنى التحتية والجامعات والعلماء".

ويخلص الكنبوري إلى أن المغرب على هذا المستوى "يبقى أكثر حظا من باقي دول الخليج، كونه بلدا له نموذجه الديني القائم كما له تاريخ وخصوصيات مذهبية، ولا ينقصه إلا الاستثمار في النخب والأطر الوطنية للتحرك في أوروبا وملئ الفراغ".

المال ليس كافيا

ومنذ سنوات ينفق المغرب بسخاء من أجل دعم تمويل المساجد الأوروبية من أجل تنزيل "النموذج المغربي للإسلام، المرتكز على التسامح والسلام والتعايش، إلى جانب احترام قوانين الآخرين والنظام العام"، حسب ما جاء على لسان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي" نُشر في نونبر من سنة 2018.

وخلال الحوار نفسه كشف التوفيق أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خصصت 1,4 مليون يورو سنة 2017، لتغطية نفقات المساجد والجمعيات الإسلامية في إقليمي مدريد وكاتلونيا فقط، بعدما كانت الوزارة نفسها خصصت 6 ملايين يورو لتمويل المساجد في فرنسا سنة 2016، وهو رقم يتجاوز ما أنفقته السعودية والجزائر مجتمعتين آنذاك والذي لم يتجاوز 5,8 ملايين يورو، وفق ما كشف عنه تقرير للبرلمان الفرنسي.

ويرى الكنبوري أن "الإمكانيات المالية لا تكفي دون العمل على نموذج ديني قوي وسياسية مُحكمة، بل أحيانا تكون الإمكانيات قليلة لكن مع السياسة الجيدة تُتاح فرص العثور على تمويلات نتيجة حصل النتائج المثمرة"، قبل أن يضيف أنه "أن هذه المبالغ نفسها لن تكون قادرة على تغطية حاجيات نشر النموذج الديني المغربي في أوروبا، عندما تنضاف مصاريف المساجد والجمعيات لمصاريف الطباعة والنشر وإقامة الأنشطة المفتوحة القادرة على التواصل مع الناس".

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...