وثيقة استخباراتية تكشف تورّط النظام الجزائري في توظيف جماعات مسلحة في الساحل لإعادة رسم خريطة النفوذ اقليميا
اتجهت أصابع الاتهام مجددا نحو الجزائر بتهديد الاستقرار الأمني اقليميا، بعد أن كشفت صحيفة "إنتلجنس الساحل" استنادا إلى وثيقة سرية أعدها خبراء في الاستخبارات الغربية عن معطيات قالت إنها "خطيرة" تُظهر تورط النظام الجزائري في زعزعة استقرار مالي ودول الساحل عبر دعم جماعات مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة في إطار استراتيجية خفية تُعرف بـ"الزعزعة بالوكالة".
ووفق ذات الصحيفة، فإن الهدف هو إعادة رسم موازين القوى في المنطقة، والتحكم في الممرات والموارد شمال مالي، بينما تُخاطر الجزائر بإشعال حريق جديد على حدودها الجنوبية في لحظة تشهد فيها الساحة المغاربية صعودا متزايدا للنفوذ المغربي وتراجعا حادا في موقع الجزائر الإقليمي.
وتشير الصحيفة إلى أن صورا التقطتها الأقمار الصناعية وشهادات ميدانية وتقارير استخباراتية متقاطعة، تؤكد رصد تحركات لميليشيات مسلحة تمّ تعزيز صفوفها خلال الأسابيع الأخيرة، وهي تتجه نحو ضواحي العاصمة باماكو، في وقت تتصاعد فيه الهشاشة الأمنية والسياسية داخل البلاد.
ووفقا للتقرير، فإن مراقبين دوليين يُحمّلون الجزائر مسؤولية مباشرة عن هذا التصعيد الخطير، مؤكدين أنّ تدخلها في مالي ودول الساحل لم يكن وليد اللحظة، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تتّبعها الجزائر منذ سنوات تقوم على "الزعزعة غير المباشرة" عبر وكلاء ميدانيين.
وبحسب الوثيقة التي اطّلع عليها خبراء غربيون، فإنّ النظام الجزائري يعتمد على آليات متشابكة تتراوح بين الدعم المالي السري وتسهيل تنقل المقاتلين، واستغلال الشبكات المحلية، مع الإبقاء على هامش "الإنكار المعقول" الذي يسمح لها رسميا بالتنصل من مسؤوليتها أمام المجتمع الدولي، رغم الأدلة المتراكمة على الأرض.
وتشير الوثيقة إلى أنّ هذا النمط من التدخل غير المباشر أصبح سمة مألوفة في النزاعات الحديثة، إذ تلجأ الأنظمة إلى دعم مجموعات غير حكومية لتحقيق أهداف سياسية وجيوستراتيجية من دون الظهور في الواجهة.
وتُظهر التحريات أنّ هناك تزامنا مريبا بين تحركات هذه الجماعات المسلحة وبعض القرارات السياسية الجزائرية، إلى جانب وجود تمويلات تمرّ عبر شركات وهمية وشبكات مالية معقدة، إضافة إلى شهادات محلية ودولية متقاطعة تُبرز صلات غير مباشرة تربط الميليشيات الناشطة شمال مالي بأجهزة جزائرية تعمل في الظل.
ويُفصّل التقرير الاستخباراتي الغربي الدوافع التي جعلت الجزائر تختار هذا المسار عالي الخطورة، مشيرا إلى ثلاثة محركات أساسية وراء سياسة "الزعزعة بالوكالة"، أولها دافع جيوسياسي يتمثل في رغبة النظام العسكري الجزائري في إضعاف مالي وإعادة رسم ميزان القوى في الساحل بما يخدم مصالحه الإقليمية، وذلك من خلال التحكم في الممرات الحيوية ومنع قيام تحالفات قد تُقصيه أو تقلّص نفوذه.
ثانيا، هناك الطموح الاقتصادي المتمثل في السيطرة على الثروات الكامنة في شمال مالي من معادن وطرق تجارية وربما موارد طاقية مستقبلية، إذ ترى الجزائر أنّ قيام كيان انفصالي في منطقة أزواد قد يتيح لها نفوذا مباشرا أو غير مباشر على هذه الموارد الحساسة.
أما الدافع الثالث فهو سياسي داخلي بحت، إذ تحاول السلطة الجزائرية وفق المصدر ذاته بقيادة الجنرال سعيد شنقريحة والرئيس عبد المجيد تبون، تصدير أزمتها الداخلية الحادة إلى الخارج، وصرف انتباه الشارع الجزائري الغاضب نحو "عدو خارجي" مختلق يُستخدم لتبرير القبضة الأمنية وتماسك النظام العسكري.
ويحذر التقرير من أنّ اللعب بورقة الجماعات الإرهابية كأداة نفوذ إقليمي يمثل مغامرة غير محسوبة العواقب، فمثل هذه المقاربة، وإن كانت توفر مخرجا مؤقتا للنظام قد تؤدي إلى نتائج كارثية يصعب السيطرة عليها، أبرزها تفاقم موجات التطرف وانتشار العنف عبر الحدود وتهديد الأمن الأوروبي نفسه بفعل تمدد الإرهاب وتزايد الهجرة غير النظامية كما أن هذه السياسة تؤدي بالضرورة إلى انتشار السلاح وتدفقات اللاجئين في محيط متوتر أصلا، وتفتح الباب أمام تدخلات أجنبية متزايدة تعيد إنتاج الفوضى في مالي ودول الجوار مثل بوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا وتشاد.
وتخلص "إنتلجنس الساحل" إلى أن الاستراتيجية الجزائرية القائمة على "الإنكار المعقول" تُسهم في خلق بيئة من الشك وعدم الاستقرار لدى شركاء مالي الإقليميين والدوليين، وتُضعف ثقة المستثمرين في المنطقة كما تُظهر أن النظام الجزائري يواصل اللعب بالنار في منطقة ملتهبة متجاهلا أن زعزعة دولة كمالي قد تتحول سريعا إلى ارتداد أمني يطال حدوده الجنوبية الهشة.
ومع تصاعد المؤشرات على اقتراب الجماعات الموالية للقاعدة من العاصمة باماكو، يبدو أن الجزائر التي طالما قدّمت نفسها وسيطا في أزمات الساحل تجد نفسها اليوم في مرمى أصابع الاتهام كأحد أبرز صُنّاع تلك الأزمات في مفارقة تعكس تحولها من وسيط معلن إلى فاعل خفي في صراع يهدد أمن المنطقة بأكملها.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :