43 عاما على وفاة هواري بومدين.. الرئيس الجزائري الذي "قتله" صدام بالسم حين كان يُخطط لاغتيال الحسن الثاني
لم تكن علاقة الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين، بالملك الراحل الحسن الثاني، خصومة عادية يُمكن أن تنتهي بمُصالحة أو أن يطويها الزمن، بل كانت عداءً حقيقيا ثابتا زادته حرب الصحراء والأيديولوجيا والصراع على زعامة في إفريقيا والمنطقة المغاربية حدةً وشراسة، حتى أصبح الأمر يتعلق بـ"عقيدة" ورثها من تعاقبوا على حكم الجزائر تواليا ونفذوا أجندتها المتمحورة أساسا حول الصحراء "كما يقول الكتاب" حتى بعد مغادرة العاهل المغربي للحياة سنة 1999.
وإن كان عمر المختار قائد المقاومة في ليبيا زمانَ الاحتلال الإيطالي قد قال قبل إعدامه "إن عمري سيكون أطول من عمر شانقي"، فإن الحسن الثاني سيكون محقا لو قال "إن عمري سيكون أطول من عمر من حاول اغتيالي"، ذلك أن محمد إبراهيم بوخروبة، الذي سيُعرف أكثر باسمه الحركي هواري بومدين، الذي يُتم غدا عامه الثالث والأربعين تحت التراب، سيُودع الحياة بطريقة غامضة بينما كان يُحاول اغتيال الرجل الذي ظل طيلة قيادته للجزائر يرى فيه عدوه الأول، وربما الوحيد.
كارلوس والدليمي وخطة اغتيال الملك
كانت قضية رغبة بومدين في تصفية الحسن الثاني حكاية تُرددها الألسن كثيرا وسط المجالس المُغلقة التي تستهويها "نوستالجيا" زمن الصراع المغربي الجزائري في السبعينات، لكنها لم تكن تجد طريقها إلى المنابر الرسمية أو إلى وسائل الإعلام باعتبارها "فرضية" بدون دليل، وحتى إن وُجد هذا الدليل فهو لم يخرج بعد من وسط أقبية المخابرات، أو أن من عاشوا تلك الفترة فضلوا الصمت حتى لا يصبوا مزيدا من زيت الجدل على نار صراع ما فتئ يتجدد بين فترة وأخرى.
لكن في 2017 سيُفجر الكاتب الفرنسي لازلو ليزيسكاي مفاجأة من العيار الثقيل، حين صدر كتابه "العالم كما يراه كارلوس"، وهو عبارة عن مذكرات "كارلوس الثعلب" واسمه الحقيقي إليتش راميريز سانشيز، الفنزويلي الذي يراه معجبوه "مقاوما وبطا ثوريا" فيما يراه كارهوه "إرهابيا وقاتلا مُرتزقا"، وفي صفحات الكتاب سيُؤكد كارلوس أن بومدين اختاره لتنفيذ عملية اغتيال الملك الحسن الثاني التي أراد لها أن تتم على الأراضي المغربية.
ويقول كارلوس إن بومدين اختاره شخصيا من بين 3 مرشحين لتنفيذ هذه العملية التي كان سيجري تنسيقها على جبهتين، الأولى جزائرية يقودها صالح حجاب، قائد المفوضية المركزية الذي وصفه الكتاب بـ"قاطع الطريق السابق والقاتل المأجور"، والثانية مغربية عبر "عميل" في المغرب كان كارلوس وحجاب وحدهما اللذان يعرفان هويته، والمفاجأة هي أنه لم يكن سوى الجنرال أحمد الدليمي، أقرب القادة العسكريين إلى الملك الحسن الثاني.
ويحكي كارلوس أن الخطة كانت ستُنفذ عن طريق مجموعتين من القتلة المحترفين، تعمل كل واحدة منهما بشكل مُنفصل عن الأخرى، وكان عليهما ترقب لحظة خروج الملك من الرباط عبر طريق من بين طريقين سُمي الأول بالطريق الأزرق وعليه كانت تتمركز الفرقة الأولى والثاني بالطريق الأحمر، والذي كانت تراقبه الفرقة الثانية، لكن المرور إلى مرحلة التنفيذ فشل 3 مرات، قبل أن تُلغى الخطة نهائيا بأمر من القدَر عند وفاة بومدين نفسه يوم 27 دجنبر 1978.
وفاة بومدين.. "اغتيال" سريع وغامض
وكان خبر وفاة بومدين مفاجئا وصادما، فالرجل ذو الـ48 عاما الذي لم يكن يُعاني من شيء قبل فترة وجيزة من مغادرته للحياة، ستبدأ أولى أعراض مرضه بعد عودته من رحلة قادته إلى العراق للقاء رئيسها صدام حسين، ثم إلى سوريا للاجتماع بحافظ الأسد، في شتنبر من سنة 1978 والتي كان يرافقه خلالها كل من مستشاره أحمد الطالب الإبراهيمي ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة لكن هذا الأخير سيؤكد أن سوء حالة الرئيس الصحية سيظهر قبل وصوله إلى الجزائر وتحديدا عندما كان في دمشق قادما من بغداد.
لم يستطع الأطباء الجزائريون إعطاء تشخيص دقيق لحالة الإرهاق والألم التي عانى منها بومدين، لكنهم رجحوا أن يكون مصابا بسرطان في المثانة، وفي 29 شتنبر من العام نفسه سيسافر إلى موسكو من أجل تلقي العلاج، وسيظل هنالك لمدة شهر ونصف، ليعود إلى بلاده يوم 14 نونبر على أمل أن يتماثل للشفاء النهائي في منزله، لكن بعدها بأيام سيصبح الوضع أسوأ مما كان عليه من قبل، ما استلزم دخوله إلى إحدى مستشفيات العاصمة، وهناك سيُودع الحياة يوم 27 دجنبر قبل أن يُدفن يوم 29 دجنبر في مقبرة العالية.
وظلت وفاته لغزا لا حل له إلى اليوم، وما سيزود الأمر غموضا هو حديث زوجنه أنيسة بومدين، سنة 2005 عن أن الملف الطبي لزوجها ظل يُصنف على أنه "سري"، قبل أن تُعلق قائلة في تصريح نشرته صحيفة "اليوم السابع" المصرية "أنا لا أستبعد أن يكون قد اغتيل"، الأمر الذي أورده أيضا وبشكل أكثر وضوحا، خلفه في رئاسة الجمهورية الشاذلي بن جديد، الذي قال سنة 2007 إن وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سنة 2004 "تشبه وفاة بومدين"، في إشارة إلى اغتيالهما معا بالسم البطيء.
وفرضية الاغتيال هذه ستُصبح أقوى سنة 2008 وسيُصبح صدام حسين هو المتهم الأول فيها، وذلك عندما قال حامد الجبوري، وزير الخارجية العراقي الأسبق إن بومدين تعرض لـ"التسميم" خلال وجوده في بغداد، مبرزا، خلال مشاركته في برنامج "شاهد على العصر" على قناة "الجزيرة"، أن هزالة جسده وهشاشة عظامه وتساقط شعره، كلها أعراض عاين مثلها لأشخاص ماتوا في العراق بعد تعرضهم لسم "الليثيوم".
الحسن الثاني و"فراغ" رحيل الخصم
للقدر أحكام عجيبة، قد تكون إحداها وفاة بومدين، أو "اغتياله" بمعنى أصح إن صدقت الروايات التي تحدثت عن تسميمه، فبينما كان يُخطط جاهدا لإنهاء حياة خصمه وجد نفسه قد سبقه إلى خط النهاية بـ21 عاما، وأيا كانت حقيقة موته فقد قُدر للحسن الثاني أن يشاهد جنازة جاره "اللدود" وأن يُرسل برقية تعزية في وفاة في الرجل الذي قال عنه يوما ما إنه كان "مزدوج الشخصية" وإنه "يفرض على مخاطبه جهدا لفك ألغاز كلامه".
لكن الخصومة الطويلة بين الرجلين لم تدفع الحسن الثاني إلى إبداء أي نوع من الارتياح على رحيله، ففي حواره مع الصحافي الفرنسي إيريك لوران، المنشور في كتاب ذاكرة ملك الذي أصدرته مؤسسة "الشرق الأوسط"، سيتحدث عن شعوره بعد وفاة بومدين قائلا "كنا نتعارك كثيرا وتبارزنا وتسابقنا للتفوق على رقعة الشطرنج، حتى إننا مع وجود الفارق كدنا نشبه الثنائي الذي شكله في الماضي شارل كنت وفرانسوا الأول"، وأضاف "سبحان الله، إن الأول الذي توفي خلق فراغا لدى الآخر".
ويشرح الحسن الثاني هذا الشعور الذي قد يبدو غريبا بالقول "إنني أحس بفراغ بعد موت بومدين لأن كلينا اعتاد أن ينظر إلى الآخر ويقول مجاملا: مرحى، لقد سجلت هدفا علي، ومع ذلك كادت أن تتطور الأمور إلى ما لا تُحمد عُقباه".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :