أتلانتيكو: اعترافات الدول الغربية بسيادة المغرب على الصحراء أربك الجزائر، وبناء الأخيرة لقاعدة عسكرية في بشار يستهدف المغرب ومالي
قالت مجلة "أتلانتيكو" الفرنسية إن اعترافات عدد من الدول الغربية بسيادة المغرب على الصحراء، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسبانيا، أحدثت إرباكا للدبلوماسية الجزائرية التي ظلت لعقود تراهن على تثبيت الوضع القائم في هذا النزاع، مشيرة إلى أن التحولات التي عرفتها المنطقة جعلت الجزائر في وضع يُشبه الحصار، مما يدفعها إلى التوجه نحو مسارات عسكرية، كإنشاء قاعدة في منطقة بشار الحدودية، موجهة على الأرجح ضد المغرب ومالي.
وأضافت المجلة الفرنسية في تقرير تحليلي مطول، في هذا السياق، أن الجزائر باتت تجد نفسها محاصرة بتطورات إقليمية تُقلِقُهَا في اتجاه الغرب والجنوب والشرق، فإلى جانب التقدم المغربي في ملف الصحراء، تتصاعد التوترات الأمنية والسياسية في مالي وليبيا، بينما تنظر السلطة الجزائرية بعين الريبة إلى التحول السياسي في تونس، والذي تعتبره تهديدا مباشرا لنموذج الحكم فيها.
وأشارت المجلة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية إلى أن التحركات الدبلوماسية المغربية أسفرت عن دعم صريح من واشنطن ومدريد لمغربية الصحراء، وهو ما أربك حسابات الجزائر التي ظلت تراهن على دعم دولي لخيار الانفصال، مشيرة إلى أن هذا التحول دفع روسيا، الحليف التقليدي للجزائر، إلى اتباع نهج براغماتي، من خلال تشجيع المغرب على تطوير العلاقات التجارية مع موسكو، دون الانحياز العلني لأي طرف.
وأضاف التقرير أن روسيا، رغم تقاربها الأمني مع الجزائر، تُبقي قنوات الاتصال مفتوحة مع المغرب وباقي الأطراف المعنية بنزاع الصحراء، وتحافظ على موقف "محايد" ظاهري، وهو ما تعتبره الجزائر مهادنة "غير مقبولة" لحليف يُفترض أن يكون داعما لمواقفها.
وتطرّق التقرير إلى القاعدة العسكرية الجديدة التي تبنيها الجزائر في منطقة بشار، غرب البلاد، والتي تقع على مقربة من الحدود المغربية، لافتا إلى أن هذه الخطوة تحمل رسائل أمنية واضحة، ليس فقط تجاه الرباط، بل أيضا تجاه باماكو، في ظل تعاظم الخلافات مع السلطات المالية.
وفي هذا السياق، قال التقرير إن العلاقة بين الجزائر ومالي تشهد "أسوأ فتراتها"، بسبب استبعاد الجزائر من أي دور مباشر في إدارة الأزمة الأمنية شمال مالي، وسيطرة مقاتلي مجموعة "فاغنر" الروسية على المشهد، إلى جانب دعم موسكو الواضح للمجلس العسكري الحاكم في باماكو.
ونقل التقرير عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون انتقاده غير المباشر للوجود الروسي في مالي، حين قال إن الأموال التي تُصرف على مجموعة "فاغنر" كان من الأولى أن تُوجه لتنمية منطقة الساحل، في إشارة إلى أن الجزائر غير مرتاحة لا للدور الروسي ولا للهيمنة العسكرية للمجلس الانتقالي المالي.
كما سلّطت المجلة الفرنسية في تقريرها الضوء على الأزمة الحادة التي نشبت بين الجزائر ومالي في أعقاب إسقاط طائرة مُسيرة تركية الصنع في منطقة تينزواتين الحدودية، حيث تبادلت الدولتان الاتهامات، وذهب الأمر إلى حد سحب السفراء وإغلاق المجال الجوي المتبادل، وهي خطوة غير مسبوقة بين الجارين.
وتُعد الأزمة مع مالي جزءا من ما وصفته المجلة الفرنسية بـ"الحصار الجيوسياسي" المفروض على الجزائر، حيث تعاني أيضا من توتر شرقا مع ليبيا، نتيجة استمرار حالة الانقسام السياسي هناك، وتنامي النفوذ العسكري لحكومة خليفة حفتر، التي تنظر إليها الجزائر على أنها تهديد أمني مباشر.
وفي السياق نفسه، تراقب الجزائر الوضع السياسي في تونس بقلق بالغ، وفق ذات التقرير، خصوصا مع انتهاء المرحلة الديمقراطية ودخول البلاد في دوامة الحكم الفردي، وهو النموذج الذي يراه النظام الجزائري أكثر "ارتياحا"، بينما كانت الديمقراطية التونسية تُثير انزعاجه.
وبخصوص العلاقة مع روسيا، أشار التقرير إلى أن التحالف التقليدي بين موسكو والجزائر لم يعد كما كان، حيث ورغم توقيع اتفاق استراتيجي في يونيو 2023 شمل التعاون العسكري والأمني وتبادل المعلومات، فإن موسكو تُوازن في علاقتها مع الرباط، ما يضع الجزائر في موقع الحليف غير المضمون.
ولفت التقرير إلى أن التوترات الإقليمية أرغمت الجزائر على إعادة ترتيب سياستها الخارجية، عبر إجراء تغييرات دبلوماسية كبيرة، شملت سفراءها في أنقرة ودمشق وموسكو، في محاولة لإعادة ضبط علاقاتها الاستراتيجية مع أبرز شركائها.
كما أوضح أن موسكو استقبلت وفدا جزائريا رفيعا في أبريل 2025 لمناقشة التطورات الإفريقية، في سياق محاولة الجزائر إقناع روسيا بالتحرك لوقف تنامي النفوذ المالي عند حدودها، مع التركيز على مطلب تبادل المعلومات الاستخباراتية ومراقبة الجماعات المتطرفة.
وأشار التقرير إلى أن الجزائر، رغم محدودية خياراتها، تواصل مساعيها الدبلوماسية والعسكرية لحماية نفوذها في منطقة الساحل، لكنها تجد نفسها في موقع دفاعي، بينما تتوسع خارطة التحالفات الجديدة، خصوصا بين روسيا والدول العسكرية في تحالف "دول الساحل"، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر.




