اتفاقيات الهجرة بين فرنسا والجزائر لسنة 1968 على طاولة البرلمان مجددا.. نائب فرنسي يدعو لإنهاء "إرث استعماري" لم يعد يخدم المصالح الفرنسية
أعلن النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية غيوم بيغو عزمه طرح مشروع قرار برلماني يهدف إلى إدانة اتفاقيات عام 1968 بين فرنسا والجزائر، وذلك خلال الجلسة المقررة في 30 أكتوبر الجاري، في خطوة تعيد إلى الواجهة أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقات بين البلدين.
التحرك الجديد يأتي بعد أسبوع فقط من نشر تقرير برلماني مثير للجدل أعدّه النائبان شارل رودويل وماتيو لوفيفر، وقدّر الكلفة السنوية لتطبيق الاتفاق بنحو ملياري أورو، نتيجة ما وصفاه بـ"العبء الاجتماعي والإداري للهجرة الجزائرية"، في ظل غياب أي التزامات مقابلة من الجانب الجزائري.
ويقود المبادرة النائب غيوم بيغو، المنتمي إلى حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، بدعم من إريك سيوتي، رئيس حزب وكتلة اتحاد اليمين من أجل الجمهورية، الحليف السياسي للتجمع الوطني. وقال سيوتي في مقابلة تلفزيونية على قناة "تي أف 1" إن التصويت المرتقب "سيمنح الجميع فرصة لتحمل مسؤولياتهم في هذا الملف الذي طال الجدل حوله".
الاتفاق الذي وُقّع قبل أكثر من ستة عقود كان يهدف إلى تنظيم إقامة العمال الجزائريين في فرنسا في مرحلة ما بعد الاستقلال، ومنحهم تسهيلات استثنائية للحصول على إقامات طويلة الأمد، غير أن اليمين الفرنسي يرى اليوم أن هذه النصوص لم تعد متوافقة مع واقع الهجرة الراهن، ويراها "استثناءً قانونيا مكلفا وغير متكافئ".
وقال النائب بيغو، صاحب مشروع القرار، إن الوضع الحالي "يكشف عن خلل مقلق" في إدارة ملف الهجرة الجزائرية، مشيرا إلى أن نسبة تنفيذ أوامر الترحيل بحق المهاجرين الجزائريين لا تتجاوز 4.4%، في وقت يشكّل فيه الجزائريون أكبر جالية أجنبية من حيث الحصول على بطاقات الإقامة في فرنسا.
وتُعد الاتفاقية الفرنسية الجزائرية لعام 1968 إحدى أبرز المحطات القانونية في تنظيم الهجرة بين البلدين، حيث وُقّعت بعد ست سنوات من استقلال الجزائر، وهدفت في بدايتها إلى السماح بدخول 35 ألف عامل جزائري سنويا إلى فرنسا لمدة ثلاث سنوات، ومنحت المهاجرين الجزائريين امتيازات خاصة شملت الأفضلية في العمل والإقامة ولمّ شمل الأسر، وهي مزايا لم تكن متاحة للمهاجرين من جنسيات أخرى.
وترتبط هذه الاتفاقية عضويا بسياق اتفاقيات إيفيان لعام 1962 التي أنهت 132 عاما من الاستعمار الفرنسي للجزائر، إذ نصت حينها على أن "أي جزائري يحمل بطاقة هوية يحق له التنقل بين الجزائر وفرنسا ما لم يصدر حكم قضائي يمنعه".
لكن موجة الهجرة الجماعية التي أعقبت الاستقلال غيّرت موازين العلاقة، وأجبرت باريس على فرض قيود تدريجية على دخول العمال الجزائريين، وصولا إلى توقيع اتفاقية 1968 بصيغتها النهائية التي رسخت الإطار القانوني الحالي للهجرة الجزائرية.
وتول التفاوض على تلك الاتفاقية شخصيات بارزة، بينها وزير الخارجية الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، الذي دافع عن بنود تضمن للجزائريين وضعا قانونيا مميزا داخل فرنسا، الأمر الذي شكل منذ ذلك الحين محورا حساسا في العلاقات الثنائية.
وقد جاءت الاتفاقية في وقت كانت فرنسا بحاجة ماسة إلى اليد العاملة لتعويض النقص الناتج عن الحرب العالمية الثانية، فاستعانت بالعمال الجزائريين لتلبية حاجات الاقتصاد الفرنسي.
ومع مرور الوقت، عُدلت الاتفاقية أكثر من مرة، كان أبرزها تعديل عام 2001 الذي نص على تسوية وضعية الجزائريين المتزوجين من فرنسيين ومنح أفراد عائلاتهم حق العلاج والتعليم والعمل، إلى جانب إقامة قابلة للتجديد لمدة عام، فضلا عن تسهيل الحصول على الجنسية الفرنسية للجزائريين المولودين في فرنسا ممن تجاوزت إقامتهم فيها ثماني سنوات.
ويثير الجدل الراهن حول اتفاقية 1968 نقاشا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية حول مدى صلاحية هذه الوثيقة في السياق الحالي، حيث تتزايد الأصوات المطالبة بمراجعتها أو إلغائها، في مقابل تحذيرات من أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى توتر دبلوماسي جديد مع الجزائر، خاصة في ظل المساعي الأخيرة لاستعادة الثقة بين البلدين بعد سنوات من الفتور.




