التّساوِي في عالَمٍ مَجنُون!

 التّساوِي في عالَمٍ مَجنُون!
أحمدإفزارن
الأثنين 9 مارس 2020 - 8:01

- يا أبناءَ قَريَتِي!
لم نَعُد نُفرّق بينَ النّورِ والظّلام..
أَصبَحنا بعينٍ واحدة.. ونظرةٍ واحدة.. لا فرقَ بينَ هذه وتِلك.. وعقلٍ وآخر.. وأمَامَنا نفسُ الصورة.. ونفسُ المَلامِح.. ونَستَنتِجُ نفسَ الخُلاصة.. ونتّخِذُ نفسَ القرار..
- أمَجانينُ نحنُ يا أبناءَ قَريَتِي؟
أَنَحنُ أشخاصٌ مُكرّرُون؟ صورةٌ طِبقَ الأصل.. نَجتَرّ نفسَ العقليّة.. ونفسَ الطّباع.. ونتَضاحكُ ونتَباكَى بنفسِ الطريقة، ونفسِ الخَلفيّات، وبذاتِ الانتِظارات..
ولماذا يتَساوَى فينا الصّالحُ والطّالح؟
ولا فرقَ في تَصَامِيمِنا بين السّلامِ والحرب.. وبين العيشِ المُشترَك، والأنانيةِ المُفرِطة..
لماذا أصبَحنا سَواسيةً أمامَ الرّبحِ والخسارة؟
هو ذا التّساوِي اللاّمَعقُولُ في أحلامٍ ومُخطّطاتٍ وسياساتٍ تُصنَع داخلَ المُختَبرات.. سياساتٌ تَنظِيريةٌ للّعِبِ بأنفُسِنا وبالعالَم..
ولا قُدوةَ بينَنا!
ولا مَن يُعلّمُنا كيف نعِيشُ ونتَعايَش.. وكيف نَندَمِجُ في الأُسرَة الإنسانية.. وكيف نكُونُ إنسانًا بأبصَارِنا وبَصائرِنا، وبسُلوكاتِنا وتواصُلاتِنا مع شؤونِ الحياة..
وأجدَى لنا ولغيرِنا، لا أن نُوظّفَ مُؤهّلاتِنا للتّلاكُمِ والتّراكُل، بل للتّقارُبِ والتعاوُنِ والتّسامُحِ والبِناء..
ألَسنَا نحنُ أيضًا مَسؤولين؟
وما نحنُ في حياد.. إنّنا شُركاءُ في سوءِ التّنظيرِ المحلّي والعالمي..
وفي مَجالسِنا، مع بعضِنا ومع غيرِنا، كُلّنا على مِنوالٍ واحِد: المَجانينُ سَواسيّة..
نحنُ أيضا ساهَمْنا في تحويلِ كَوكبِنا الأرضِي إلى مَلاعبَ صغيرةٍ مُتمَركِزةٍ داخلَ مُختَبراتٍ مِساحتُها بضعةُ أمتَار، وتُديرُها عُقولٌ إلكترُونيةٌ بلا أخلاقٍ ولا ضَمير..
مُختَبراتٌ هَمُّها الوحِيد: الانتِصارُ على أشبَاح..
وفيها تتساوَى التّنظِيرات.. وسياساتُ البِناءِ مع سياساتِ التّدميرِ والتّخريب..
نحنُ في عصرِ التّساوِي الشامل بين الإيجابيّات والسّلبيّات.. التّساوِي بين الصّغارِ والكِبار.. والمُختَرِعينَ والتّقنيّين.. والطائراتِ والحَمِير.. والفاهمِين والجاهِلين.. والأكبرِينَ حجمًا مع الأصغرِين.. والغَذاءِ الطبيعي مع العلاجِ بالكياويات..
ولم تعُد في عالمِنا دولةٌ كُبرَى ودولةٌ صُغرَى.. وغَنيّةٌ وفقيرة.. وقويّةٌ وضعيفة..
الكلُّ سواسيّة.. ولقد تَغلّبَ الإنسانُ على تَعقيداتِ التّكالِيف.. ولم يتَغلّب بعدُ على نَفسِه.. لم يتَغلّب على تَعقيداتِه.. لم يتَغلّب على الأنا المَرِيضَة، السّاكنةِ في أعماقِه..
والنّتيجة: أبسطُ التّكاليفِ تُسَوّي الأرضَ تحتَ أقدامِ الجميع.. وتُساوِي بين كلّ الحِسابات.. تُساوِي بينَنا جميعًا..
وعقليةُ التّخريبِ لا تُفرّقُ بين من يَعرفُ ومن لا يَعرف..
الفيرُوساتُ المُختبَريةُ تُساوِي بين الانتِصارِ والانهِزام.. الكلُّ مُنتَصِرٌ والكلُّ مُنهزِم..
إنه التّساوِي بين تناقُضات: حُروبِ الفُقراءِ، والعُلماء، والمُخترِعين، والتّقنيّينَ، والكِبارِ والصّغار.. تناقُضاتٌ بين الطبائعِ والعقلياتِ والأحلامِ والأوهام..
عالَمٌ مُتناقِضٌ تَقُودُهُ المُختَبَرات..
والفيروساتُ المُختبَريّةُ تُساوِي بين من يَصنَعُ تناقُضاتِها، ومَن يُوزّعُها، ومَن يَستَهلكُها..
الكُلّ في مَنطِقِها سواسيّة.. الظالمُ كالمظلوم.. والمُعتدِي كالمُعتَدَى عليه..
- وفي العالَمِ المَجنُون، يتَساوَى الخيرُ والشّر..
ولا يُفرّقُ المَجانينُ بين الأخيارِ والأشرار..
والسّباقُ إلى التّسلّح لا يَتوقّف داخلَ مُختبَراتٍ أكثرُها في حَجمِ سيّارةٍ صغيرة..
وتكنُولوجيا "النّانُو" تَرسُمُ سيناريُوهاتِ المُواجهةِ المُقبِلة.. "النّانُو" تتَبَختَر: "أنا المَركَبَةُ الأصغرُ حجمًا في العالم، أَملِكُ جيُوشًا نَانَوٍيّةً فيها مَلاييرُ الملاييرِ من الوحَداتِ القِتالية، وتستطيعُ تصفيةَ كلّ سُكّانِ العالم، ملايينَ المرّات"..
ونفسُ اللّغةِ التّصفَويّةِ أصبَحنا نسمَعُها من الفيرُوساتِ والميكرُوباتِ وطائراتٍ "بدون طَيّار".. كُلّها تستطيعُ أن تُنهِيَّ الحياةَ على الأرضِ ملايينَ المرّات..
- عالَمٌ مجنُونٌ يَقودُهُ مَجانِين..
كلّ الجراثيمِ فيهِ سواسيّة..
تُفكّرُ بنفسِ الطّريقة..
وتَحلُمُ وتُخطّطُ بأسلُوبٍ واحِد..
والجيوشُ لم تَعُد بَشَريّة.. أصبحت آليةً دقيقةّ، وأغلَبُها لا يُرَى بالعينِ المُجرّدة، ولا حتى بالمِيكرُوسكُوب.. وفيها ما لا يُرصَدُ حتى "بعُيونِ الفَضاء"..
وهذه الآلياتُ الجُرثوميّةُ قليلةُ التّكلُفة، قويّةُ الفَعَاليّة..
وبها نحنُ مُقبِلُون على عالَمٍ لم يَسبق له مثيل.. عالَم تتَغيّرُ فيه الاسترتيجياتُ والتحالُفاتُ والأقطاب.. وتَنقلبُ  التّعهّداتُ والتّعاهُداتُ رأسًا على عقِب..
ولا وفاءَ فيه ولا التِزام.. المَصالحُ هي الأساس.. هي تُملِي مَبادئَ العَلاقات.. وكلُّ مُستِحيلٍ يُصبِحُ مُمكِنًا..
ويتِمُّ فيه تخليقُ الاحتياجات.. والفيروساتُ تُنتِجُ الأمراضَ.. والأمراضُ تنشيطٌ لمَصانعِ الأدويّة..
ويشهدُ العالمُ تَطوّرًا مُروِعًا للتّكنولُوجيا الفيرُوسية، ويُواكبُها التّمرّدُ على الأغذِيةِ الطبِيعيّة، وتَرجِيحِ الغَلبَةِ للأدويّةِ الكيماوية..
عالَمٌ يُصنّعُ ويُفَبرِكُ ما كان طبيعيّا، ليُحوّلَهُ إلى غيرِ طبيعي..
والطّبِيعةُ تتَوجّع..
والضحيةُ هو العَقل، وإنتاجُ الفِكر، والحِكمة.. والضّحيّةُ أيضًا هي التّوازُناتُ النّفسيّة..
والدائرةُ ما زالت تَدُور..
ومعها نَدُور.. ونَدُور..
- ولا نهايةَ للمَدَار!

[email protected]

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...