التّعْمِيمُ فِيهِ وَفِيه!

 التّعْمِيمُ فِيهِ وَفِيه!
أحمد إفزارن
الجمعة 18 مارس 2022 - 23:13

■ اثنَانِ فقط، لا ثَالِثَ لَهُما: التّعميمُ الِعِلمِيّ والتّعميمُ الكلامِي..
1- العِلْمِيّ: يُعالِجُ "عُلُومَ الطبيعة والعُلُومَ الإنسانيّة".. 
وهذا مجالٌ يضَع نَظرياتٍ ويَستخلِصُ استِنتَاجات..
ويَهتَمّ بدراسةِ الظّواهرِ البَشريّة..
إنها عُلومٌ تبدَأ بالمُلاحَظَة، وتَنتَهِي بالقاعِدة..
ولدَى تِكرارِ نفسِ المُلاحَظة، هذا يَعنِي أن عَناصِرَ "المَنهَجِ العِلمِي" بَدَأَتْ تَنتَظِم.. ولَها خَصَائصُ مُشتَرَكة.. وظُروفُها مُتَشابِهة.. وتُنتِج ظَواهِرَ ذاتَ تَشَابُه..
وهذا التّعمِيمُ مَسمُوحٌ بهِ في "المَنهَجِ العِلمِي"، ويَختَلِفُ عَن التّعمِيمِ اللُّغَوِي.. لماذا؟ لأنّ اللُّغَوِي لا يُعتَدُّ به.. اللُّغَوِيّ تعبيرٌ خَيالِي، ويُعبّرُ بالتالي عن رأيٍ فِكرِيّ.. والرّأيُ قابِلٌ ٩تى للخَطَأ..
2- التّعمِيمُ الكَلامِي - اللُّغَوِي- لا مَجالَ لِمُقارَنَتِه بالتّعمِيمِ
في "عُلومِ الطبيعةِ والعُلومِ الإنسانيّة"..
اللُّغوِيّ يتَحَوّلُ إلى إشكاليةٍ عوِيصَة: شخصٌ يتوَصّلُ بخبَر.. ثُمّ يُؤوّلُهُ بطريقتِه الخاصّة.. ويَصنعُ منه خبرًا آخر، لا علاقةَ له بالخبَر الأصلِيّ..
وهكذا يُفَبْرِكُون أخبارًا على عَوانِهِم.. ثم يقدّمُون لها تَفسِيراتٍ قد تكونُ بعيدةً عن الواقع.. وبَزعُمونَ أنّها حقائق.. حتى وهي ليسَت كذلك..
مَثلاً: فسّرُوا الخبر الأصلِي بأنهُ تهديد.. فيُقدّمون الخبَرَ الجديد وكأنهُ تهدِيدٌ لكُلّ القبِيلة.. ثم يُطلقون لخيالِهم العِنان، ويُضيفُون ما شاؤوا، وكيفَما شاؤوا.. 
وهذا هو التعميمُ اللُّغوي..
▪︎هو شَخصٌ يُغرِقُ نفسَهُ في واد..
ولا يَدرِي كيف يُنقِذُ نَفسَه..
وعلى العُموم، يَهرِفُ بما لا يَعرِف..
وقد يَسبَحُ حتى في مُستَنْقَعات، ولا يستطيعُ أن يَنجُوّ منَ الغَرَق..
▪︎هذا تَعميمٌ كارِثِيٌٌ خاطِئ..
ونحنُ في حَيرَةٍ مِنْ سَلبيّاتِ التّعمِيمِ الخاطِئ..
وبتَعبِيرٍ آخَر، نحنُ بصَددِ تَعْمِيمِ ما لاَ يُعَمَّم.. ثقافةٌ سَلبيّةٌ قد اكتَسَحَتْنا.. ونحنُ لها صاغِرُون، رغمَ أنّ التّعمِيمَ اللُّغَوِي ليسَ عِلْما، بل هُو رأيٌ يُطلَقُ على عَواهِنِه.. ونحنُ نعيشُ في خليطٍ مِن نِفاياتِ التّعمِيمِ العَشوائي الذي هو خَلْطٌ بينَ الصّحِيحِ والخطَأ..
▪︎ونُخبَتُنَا السياسية تقَع هي الأخرى في مُنزَلَقاتِ التّعمِيم اللُّغَوِيّ الاجتِماعي..
تُعمَّمُ حتى حالاتٌ غيرُ مُؤكّدة، وغيرُ قابلةٍ للتّعمِيم..
ويقُولُ قائلٌ: إنهُم يَكِيدُون لنا، ويَندَسّونَ في صفُوفِنا للتّبليغِ عنّا.. ويَتجسّسُون علينا..
▪︎وها هو التّعمِيمُ السّلبِيُّ العَشوائي يَشرَئِبُّ بعُنقِهِ من الخاصّ إلى العامّ.. وقد تُعَمَّمُ "المَعلُومةُ الكاذِبةُ" على كُل البلَد.. وهذا ليس مَعقُولاً، وليس مَقبُولاً..
إنها إشاعةٌ كاذِبةٌ تتَحَوّلُ بين عشيّةٍ وضُحاها إلى حَديثِ الخاصّ والعامّ..
▪︎وأحزابُنا تَنشُرُ، هي الأخرى، على مُناضِلِيها أفكارًا غيرَ ثابِتة، ومَعلُوماتٍ غيرَ مُوثّقة..
ثمّ تُصبحُ الأفكارُ الهَوجاءُ العَوجاءُ حديثَ الخاص والعام، وتتَحوّلُ إلى "قضيةِ رأيٍ عامّ"..
وها هُو خَبَرٌ بسيطٌ جدّا، وغيرُ مُؤكّد، يتِمُّ النّفخُ فيه، ويُصبحُ مُنتَشرا في ربُوع البلد..
وكَم من أخبارٍ غيرِ صحيحة، بدأت في شكل إشاعة، وتحوّلت مِن حدَثٍ صغيرٍ إلى قصّةٍ كبيرة، وبِلاَ أساس..
▪︎ إشكاليةٌ مَنفوخٌ فيها، أطلقَها مَجهُولون، وتَحوّلَت إلى مَعلُوماتٍ عامّة..
لماذا تتَعمّمُ أخبارٌ بهذه البساطة، وحتى بِلاَ أدنَى دليل؟
أينَ البَحثُ والتدقيق؟ والتأكّدُ منَ المَعلُومَة؟
■ هذا الأسلُوبُ التّعميمِيُّ نجدُه أيضًا في الرسالةِ الدّينيّة، ويُشكّلُ تحريفًا لِمَسار البَلد..
وبِالتّحريفٍ قد حَوَّلُوا التديُّنَ إلى تَطرُّف.. وما كان الدّينُ تطرُّفا..
الدينُ خِطابٌ سَمح.. سِلمٌ وسلام.. وتَعايُش.. وخِدمةٌ للصّالح العامّ.. لكِنّهُم عَن التعايُشِ انحَرَفُوا..
وحَوّلُوا الدّينَ إلى خِدمةٍ لِمصالحَ خاصة..
وانحازُوا بالخِطاب الديني السّمحِ إلى انحرافٍ عن الهَدفِ الإنساني.. وإلى استِغلالِ الدّين لأهدافٍ سياسية..
وكأنّ المَصالحَ الخاصّة أَوْلَى مِن مَصالحِ النّاس، ومَصالحِ الوطن..
▪︎وأغرَقُونا في الدّيُون، وفي الانفِلاتِ مِن الوُضوح.. وحارَبوا في أوساطِنا الاستِقامة.. والأخلاقَ الإنسانية.. وخَدَمَوا مَصالِحَهُم..
مَصالحُ شخصيةُ مُضادةٌ للمَصلحةِ العُمومية..
لقد حوّلُوا الخطابَ الدّينِيّ إلى سِلاحٍ ضدّ الإرادةِ الوطنية، وإلى تَهديدٍ لاستِقرارِ وتطويرِ البلد..

■ ويَنتَهِكُون خُصوصيّاتِ الناس..
ويُشكّكُونَ في مُناضلِيهم.. ويَزعُمُون أنهُم يتَجسّسون علينا.. ويُبلِغون عنّا إلى غَيرِنا..
هي أحزابٌ تتَحدّثُ عن جَواسيسَ مُندَسّةٍ في صُفُوف مُناضِلي أحزابٍ أخرى..
وهكذا التقَى تُجارُ الدين ببَعضِ أتباعِ "كارل ماركس".. ومعًا يَمْكُرُون.. ويَنشُرون ثقافةَ التّشكيك.. ويَقعُون في مُنزَلقاتِ التّعمِيم السلبيّ..
والتّعميمُ يُشكّلُ خطرًا على الوُضوح…
فمَن هؤلاء؟
▪︎وصَفَهُم رئيسُ حُكومةٍ مُتأسلمةٍ ذاتَ يومٍ بالتّماسيحِ والعفاريت..
ولم يَذكُر بالاسمِ والصّفة أيَّ واحدٍ منهُم..
وها هُم بالتّعمِيمِ يُضَلّلُون المُواطنين، ويُشكّّكون في مَسؤولياتٍ بالبلد..
وما زالت التّماسيحُ لُغزًا من حيثُ الهُويّة..
▪︎وانتِهاكُ الخُصوصية هو الكشفُ عن الحياةِ الخاصةِ للآخرين، دُونَ عِلمِهم أو إذنٍ مِِنهُم..
وتَعمِيمُ أخبارِ العُيُوب مَذمُومٌ مَرفُوض..
▪︎وإذا كان شخصٌ سيّئًا، فهذا لا يعنِي أنّ كلَّ القبيلةِ سيّئة..
ولا أخطرَ على الذّهنِ من تعمِيمِ الأحكام.. هذا حُكمٌ غيرُ عادِل.. و لا يصِحُّ إطلاقُ خَطأ التّعمِيم.. هذا خلطٌ بين الظلمِ والجهلِ والغباء..
وهذه من خَطِيئاتِ وآفاتِ العَقل.. ومَن يُمارسُها إمّا شِرّير، أو يَقتَرِفُ، وعن سَبْقِ إصرار، خُطُورةً مَقصُودةً في حقّ إنسانٍ أو مُجتمعٍ أو بلَد..
وهو سُلوكٌ لا يأتِي إلاّ من جاهلٍ أو أهبَل..

■ قال "شِكسبِير": "لا يُعَمِّمُ إلا الأغبِياء"..
وقالَ مُفكّرٌ آخَر: "التّعميمُ سبَبُ الخَرِاب"..
وليسَ عاقِلاً مَن يَحكُم على بلادٍ بِجريرةِ أشخاص..
وهذا التّعمِِيمُ بهذه الرّداءة ليسَ إلاّ تَسَرُّعًا في الاستِنتَاج..
▪︎ولا أحسَنَ مِن المَنطِقِ العِلمِيّ الذي يَجعَلُ المَرءَ سَوِيًّا في حياتِهِ اليَوميّة، فيتَجَنّبَ تعْمِيمَ الجَهلِ والغَباء، ويَحمِيَّ نَفسَهُ وأُسرَتَهٌ من سَُلُوكاتٍ غيرِ مُتَوازِنَة..
وما أحوجَ مُجتَمعَنا إلى الابتِعادِ عن تَعميمِ الرّداءة..
مُجتَمَعُنا يَستَحقُّ سُلوكاتٍ مُتعَقّلةٍ حَكِيمةٍ ثابِتَة..

[email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...