الجالية المغربية والانتخابات، بين الوكالة والانتظار.. هل تفكك استحقاقات 2026 عقدة التمثيلية المؤجلة منذ 2011؟

 الجالية المغربية والانتخابات، بين الوكالة والانتظار.. هل تفكك استحقاقات 2026 عقدة التمثيلية المؤجلة منذ 2011؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 2 شتنبر 2025 - 19:35

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026، يعود إلى الواجهة مطلب قديم - جديد يتعلق بتمكين الجالية المغربية المقيمة بالخارج من ممارسة حقها السياسي الكامل عبر المشاركة المباشرة في الاستحقاقات، على غرار ما هو معمول به في دول عديدة، بعضها لا يبعد عن المغرب إلا بأميال جغرافية.

غياب دوائر انتخابية خاصة بمغاربة العالم، كما كان مطروحا في تجارب سابقة، يجعل مشاركتهم مرهونة إما بالعودة إلى أرض الوطن يوم الاقتراع أو بالتصويت عبر الوكالة، وهي ترتيبات تُفرغ حقهم الدستوري من محتواه، وتُضعف من فاعلية حضورهم السياسي، رغم ما يشكلونه من ثقل ديمغرافي واقتصادي ورمزي للمملكة.

ويمثل مغاربة العالم اليوم أكثر من 5 ملايين مواطن موزعين على ما يزيد عن مائة دولة، ليشكّلوا واحدة من أكبر الجاليات على الصعيد العالمي، برصيد بشري واقتصادي واستراتيجي يُنظر إليه باعتباره امتدادا حيويا للمملكة في الخارج، غير أن هذا الثقل الديمغرافي لم ينعكس بعد في المشهد السياسي الوطني، حيث لم تتجاوز نسبة مشاركتهم في الانتخابات السابقة 1 في المائة، وفق تقديرات غير رسمية، وهو رقم كاشف لغياب الأدوات المؤسسية والسياسية الكفيلة بترجمة حضورهم إلى تأثير ملموس داخل المؤسسات المنتخبة.

فعلى الرغم من النقاش المتكرر منذ سنوات حول ضرورة تخصيص دوائر انتخابية لأفراد الجالية، بقيت مشاركتهم مشروطة بالعودة إلى أرض الوطن يوم الاقتراع أو بالتصويت عبر الوكالة، وهي ترتيبات معقدة تحدّ من فاعليتهم وتُفرغ حقهم الدستوري من مضمونه العملي ولعل المفارقة تكمن في أن دولا قريبة جغرافيا وثقافياً من المغرب طوّرت آليات متقدمة لتيسير مشاركة جالياتها بالخارج، بينما ما زالت تجربة مغاربة المهجر تراوح مكانها عند حدود النقاشات النظرية.

ومنذ اعتماد دستور 2011، الذي نص في فصله السابع عشر بوضوح على حق الجالية في المشاركة السياسية، ظل سؤال التفعيل معلقا بين إرادة الدولة، وحسابات الأحزاب، وانتظارات الجالية ذاتها، ورغم بعض التقدم التشريعي النسبي، فإن الشعور الغالب وسط قطاعات واسعة من أبناء المهجر هو أن مشاركتهم ما زالت رمزية أكثر منها فعلية، وأن غياب تمثيلية مباشرة لهم داخل البرلمان يكرّس نوعا من "المواطنة المنقوصة"، ويجعل ملفهم أشبه باستحقاق مؤجل لم يحسم بعد.

وفي هذا الاطار، رفع المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية مذكرة مفصلة  إلى وزارة الداخلية، شدد فيهاعلى ضرورة تخصيص مقاعد برلمانية للجالية وإحداث هيئة خاصة للبت في نزاعات الانتخابات، مؤكدا أن أي إصلاح انتخابي لا يمكن أن يكون مكتملاً دون إدماج المغاربة المقيمين بالخارج في هندسة التمثيلية الوطنية.

المجلس اقترح فتح لوائح انتخابية خاصة في مختلف الدوائر بالخارج لتسجيل الناخبين، مع تحديد عدد المقاعد المخصصة للجالية وتوزيعها بين الدوائر الخارجية، وتبسيط مساطر الترشح المستقل لغير المنتمين سياسيا، كما أوصى بإحداث هيئة مغربية للمراقبة والمتابعة والفصل في النزاعات الانتخابية، وربط ذلك بمراجعة الفصل 63 من الدستور لإقرار هيئة خاصة بمغاربة العالم داخل مجلس المستشارين.

ودعا المجلس أيضا إلى إشراك فعلي لجمعيات المجتمع المدني بالخارج في العملية الانتخابية، معتبرا أن مشاركته في النقاش الوطني حول إصلاح المنظومة الانتخابية تعكس التزامه بمرافقة ورش الإصلاح السياسي والتحضير لاستحقاقات 2026، في أفق تجديد النخب وضمان تمثيلية أوسع لفئات المجتمع، وفي مقدمتها الجالية.

وهذه المطالب تلتقي مع ما جاء في مذكرة حزب التقدم والاشتراكية، الذي دعا بدوره إلى تخصيص دوائر انتخابية للجالية واعتماد آليات تصويت عصرية تشمل التسجيل الرقمي والتصويت الإلكتروني أو المباشر داخل القنصليات والممثليات الدبلوماسية، مع إقرار تدابير محفزة للأحزاب التي ترشح أبناء المهجر في مراتب متقدمة بلوائحها.

والمذكرة لم تقف عند حدود الدعوة إلى فتح المجال، بل اعتبرت أن غياب تمثيلية حقيقية للجالية منذ 2011 يكرّس شعورا بالغبن لدى فئة استراتيجية تساهم بما يفوق 100 مليار درهم سنوياً في الاقتصاد الوطني، لكنها لا تجد لنفسها صدى داخل البرلمان أو المجالس المنتخبة، كما شددت على أن إدماج الجالية ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو رهين بتمتين الجبهة الداخلية وتعزيز صورة المغرب الديمقراطية في الخارج.

في مقابل هذه المقترحات، قدّم وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت توضيحات رسمية حول ما أنجزته الدولة حتى الآن في هذا الملف، حيث أكد أن الإطار القانوني المغربي يضمن للجالية التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة في الاستحقاقات الوطنية شأنهم شأن المواطنين داخل البلاد.

وأوضح لفتيت أن المُشَرِّع وسّع آليات المشاركة، إذ يُمكن لمغاربة المهجر الإدلاء بأصواتهم بالحضور الشخصي في المغرب أو عبر نظام الوكالة من بلد الإقامة غير أن هذا الخيار رغم أهميته، يبقى في نظر عدد من الفاعلين قاصرا عن تحقيق مشاركة فعلية، خصوصاً في بلدان مترامية الأطراف كفرنسا وكندا، حيث يصعب على آلاف المواطنين التنقل لمسافات طويلة لممارسة حقهم الدستوري.

أما في ما يخص الترشح، فقد أشار لفتيت إلى أن القانون الانتخابي يسمح لأبناء الجالية بالتقدم داخل الدوائر الوطنية دون أي تمييز، وأن انتخابات 2021 شهدت لأول مرة إلزام الأحزاب بترشيح شخص واحد على الأقل من مغاربة الخارج ضمن لوائحها الجهوية كشرط للاستفادة من الدعم العمومي، كما أقرت الحكومة آنذاك تحفيزات مالية إضافية للأحزاب التي تدمج مرشحين من الجالية، نساءً ورجالاً، داخل لوائحها المحلية، ورغم ذلك، تبقى تمثيلية الجالية ضعيفة وهامشية، بسبب إحجام كثير من الأحزاب عن وضع مرشحي المهجر في مواقع متقدمة قادرة على ضمان وصولهم إلى قبة البرلمان.

وزير الداخلية دعا الأحزاب بشكل صريح إلى تحمل مسؤولياتها، والانخراط في تمكين الجالية من أدوار سياسية حقيقية، مؤكداً أن فعالية التدابير الحكومية تظل رهينة بوعي الأحزاب السياسية وتفاعلها مع انتظارات مغاربة العالم  وهو ما يتقاطع مع تحذيرات التقدم والاشتراكية في مذكرته من أن الاستمرار في إقصاء الجالية أو التعامل مع حضورها السياسي بشكل رمزي سيعمّق أزمة الثقة، ويحرم المغرب من رافعة ديمقراطية واقتصادية تمثل واجهته الأولى مع العالم.

بهذا المعنى، يبدو أن النقاش حول تمثيلية مغاربة العالم تجاوز هذه المرة منطق الشعارات، ليصبح ملفاً مركزياً في أجندة الإصلاحات الانتخابية المقبلة، بين مقترحات المجتمع المدني، ورؤية الأحزاب، وحدود ما تسمح به الدولة والرهان الأكبر هو ما إذا كانت انتخابات 2026 ستشكل أخيرا لحظة الانفراج، أم أن حق المشاركة السياسية للجالية سيبقى مؤجلا إلى إشعار آخر.

وفي تصريح لـ"الصحيفة"، اعتبر الخبير في النظم الانتخابية رشيد القادري أن "النقاش الدائر اليوم حول تمثيلية الجالية المغربية بالخارج ليس ترفا سياسيا ولا مجرد مطلب فئوي، بل استحقاق دستوري مؤجل منذ 2011".

 وأوضح أن المقترحات التي رفعتها بعض مكونات المجتمع المدني، مثل المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية، وتلتقي مع ما طرحه حزب التقدم والاشتراكية في مذكرته، من حيث الدعوة إلى تخصيص دوائر انتخابية خاصة بمغاربة العالم، واعتماد أنماط تصويت عصرية كالإلكتروني أو المباشر في القنصليات، "هي مقترحات تتماشى مع ما هو معمول به في دول عديدة كفرنسا وإيطاليا وتونس، والجزائر أيضا".

وأورد القادري أن "ما تقدمه وزارة الداخلية من آليات كالوكالة أو العودة إلى المغرب يوم الاقتراع، رغم أهميته، يظل قاصرا عن ضمان مشاركة فعلية واسعة، لأنه يحصر ممارسة الحق في فئات محدودة قادرة على التنقل، ويُفرغ مبدأ المواطنة الكاملة من معناه".

وخلص إلى أن "الانتخابات المقبلة ستكون اختبارا لمدى جدية الدولة والأحزاب في تحويل خطاب إشراك الجالية إلى ممارسة واقعية، فإما أن نرى نقلة نوعية تجعل من مغاربة العالم فاعلا سياسيا داخل البرلمان، وإما أن يتكرس الانطباع بأن الحديث عنهم لا يتجاوز البعد الرمزي".

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...