الجزائر وإسرائيل جنبًا إلى جنب في مناورات "الأسد الإفريقي 2025" وفق بيان صادر عن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"
في مفارقة "عجيبة" وغير مسبوقة في تاريخ الخطاب السياسي والإعلامي الجزائري، كشف بيان رسمي للجيش الأمريكي أن الجزائر ستشارك هذا العام في تمرين "الأسد الإفريقي 2025" بصفة "عضو ملاحظ"، إلى جانب 40 دولة من بينهما كل من المغرب، تونس، السنغال، غانا، وعدد من حلفاء واشنطن، على رأسهم الجيش الإسرائيلي، الذي أصبح حضوره في هذه المناورات أمرًا معتادًا منذ استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب في دجنبر 2020.
وتطرح المشاركة الجزائرية، ولو بصفة "ملاحظ"، في أكبر تمرين عسكري أمريكي بإفريقيا، إلى جانب قوات الجيش الإسرائيلي، تطرح سؤالًا صريحًا حول ازدواجية الموقف الجزائري، خاصة وأن الجزائر كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في غشت 2021، متهمة إياه بتطبيع "مرفوض وخطير" مع إسرائيل، وجعلت من هذا الملف ورقة أساسية في حملتها الإعلامية والسياسية والدبلوماسية ضد الرباط في المنتديات الإقليمية والدولية.
البيان الصادر عن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، أعلن موعد انطلاق التمرين رسميًا، مؤكدا أن أولى فعالياته تُستهل في 14 أبريل بتونس، ثم تمتد إلى المغرب، السنغال، وغانا ابتداءً من شهر ماي، فيما النسخة الجديدة من التمرين، الذي يُعد أكبر تمرين عسكري سنوي تنظمه الولايات المتحدة في إفريقيا، ستكون الأضخم في تاريخه، بمشاركة أكثر من 10 آلاف جندي من أزيد من 40 دولة، من بينها سبعة أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ومنذ تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل أواخر 2020، أصبح الجيش الإسرائيلي يشارك بانتظام في هذه المناورات، خصوصًا على التراب المغربي، فيما يبدو أن هذه المشاركة أصبحت جزءًا بنيويًا من التمرين، تعكس التنسيق الاستراتيجي بين الرباط وتل أبيب وواشنطن، في إطار اتفاقات أبراهام وتعاون أمني متصاعد.
واللافت في إعلان هذه السنة، هو إدراج الجزائر ضمن الدول المشاركة بصفة "ملاحظ"، إلى جانب قطر، إذ تأتي هذه الخطوة في ظل غياب علاقات دبلوماسية بين الجزائر وإسرائيل واستمرار الحرب الإعلامية التي يقودها النظام الجزائري ضد تل أبيب وكيل الاتهامات للرباط بما يعتبره هو "دس" إسرائيل في القارة الافريقية.
ومع ذلك، فإن الحضور العسكري الجزائري في مناورات يشارك فيها جيش الدولة العبرية يُمثل تغيرًا نوعيًا في موقفها التقليدي المُعلن، فيما الأكثر إثارة، هو أن هذه المشاركة تأتي بعد أشهر فقط من تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي قال في حوار مع وسيلة إعلام فرنسية بتاريخ 2 فبراير 2025، إنه "لا يستبعد احتمال التطبيع مع إسرائيل في المستقبل"، في وقت كان الخطاب الرسمي الجزائري يُزايد على الدول المطبعة، ويهاجم بشدة كل تنسيق مغربي–إسرائيلي.
وهذه المشاركة لا تُعد معزولة، بل تأتي بعد توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين الجزائر والولايات المتحدة، خلال زيارة قائد "أفريكوم"، الجنرال مايكل لانغلي، إلى الجزائر في 22 يناير 2025، والتي كانت الزيارة الثالثة له للبلاد، بحسب ما أعلنته السفارة الأمريكية بالجزائر.
وفي أكتوبر 2020، وتحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كانت الجزائر قد رفضت دعوة أمريكية لتوقيع اتفاقية تعاون عسكري، خلال زيارة وزير الدفاع آنذاك مارك إسبر إلى شمال إفريقيا، وفي الوقت ذاته، كانت المغرب وتونس قد بادرتا إلى توقيع اتفاقيات تعاون مع واشنطن.
لكن الآن، تعود الجزائر لتوقيع اتفاق عسكري رسمي مع الولايات المتحدة، وتُشارك في مناورات عسكرية تضم الجيش الإسرائيلي، ما يُظهر تحولاً في العقيدة الأمنية الجزائرية، أو على الأقل في تموضعها الجيوسياسي.
من جهة أخرى، أشار البيان الأمريكي إلى أن قطر ستشارك أيضًا في مناورات "الأسد الإفريقي"، علمًا أن جيشها مشارك في تمرين "Iniochos 2025" الجوي، الذي تنظمه اليونان ما بين 24 مارس و13 أبريل، بمشاركة طائرة قطرية من طرازF-15، في مناورات تضم أيضًا القوات الإسرائيلية، لكن الفرق هنا، هو أن قطر لا تخفي انفتاحها السياسي والاقتصادي على تل أبيب، وتحتضن منذ سنوات مكتبًا تجاريًا إسرائيليًا في الدوحة، رغم غياب التطبيع الكامل.
أما الجزائر، فهي لا زالت ترفع شعارات "دعم المقاومة" و"رفض التطبيع"، وتُهاجم المغرب في كل المحافل بسبب علاقته بإسرائيل، ومع ذلك تُجاور جيشها في مناورات كبرى، وتوقّع اتفاقات عسكرية مع من ينظم هذه الشراكة الاستراتيجية الثلاثية (واشنطن–الرباط–تل أبيب).
ومن اللافت أن نسخة 2025 من تمرين "الأسد الإفريقي" ستشهد مشاركة عدد من الدول المغاربية، من بينها المغرب الحليف المحوري للولايات المتحدة في شمال إفريقيا، وموقع المناورات الأبرز منذ سنوات، وتونس التي ستحتضن افتتاح التمرين في 14 أبريل، ثم موريتانيا وليبيا رغم أنهما لا تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أنهما ستشاركان في التمرين.
وبذلك تكون كل دول المغرب الكبير، مشاركة في هذا التمرين بنسخته التاريخية، وهو ما يُبرز التحول العسكري والجيوسياسي الحاصل في المنطقة، كما تكشف مشاركة الجزائر في مناورات الأسد الإفريقي إلى جانب إسرائيل، حجم المفارقة بين خطابها السياسي وممارستها الواقعية.
والأمر لا يتعلق فقط بتحول ظرفي، بل بتغيّر عميق في التموقع الجيوسياسي الجزائري، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتزايد الحاجة إلى شركاء استراتيجيين في ظل الهشاشة الإقليمية في الساحل والصحراء، وتحولات التحالفات العسكرية، ليبقى السؤال هل الجزائر ستُبقي على ازدواجية الخطاب، حيث تُهاجم المغرب في العلن، وتُناور إلى جانب إسرائيل في الخفاء؟.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :