الدار البيضاء في زمن كورونا.. مدينة تتنفس "أوكسيجين" كرة القدم رغم قيود الجائحة

 الدار البيضاء في زمن كورونا.. مدينة تتنفس "أوكسيجين" كرة القدم رغم قيود الجائحة
الصحيفة: عمر الشرايبي
السبت 10 أكتوبر 2020 - 14:47

الساعة تشير إلى الثامنة مساء. حواجز أمنية بمداخل الشوارع الرئيسية للمدينة وهدوء يعم المكان، تكاد تكسره منبهات سيارات الإسعاف المسرعة نحو مستشفى مولاي يوسف، حيث انطلق كل شيء ذات ليلة من شهر مارس، بعد الإعلان عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس "كورونا" بالمغرب.

لم تعتد الدار البيضاء على هذا الصمت الكنائسي الذي يخيم على شوارعها وأحيائها، رغم القوة القاهرة التي فرضتها المرحلة وانعكاسات الجائحة على نمط العيش اليومي،  حيث حكم "كوفيد-19" على أزيد من أربع ملايين مواطن، ابتدائيا بالحجر الصحي، مع تمتيعه بظروف التخفيف قبل استئناف النشاط تحت قيود صارمة، بسبب  معدل الخطر المرتفع داخل العاصمة الاقتصادية واستمرار تسجيل الإصابات بالفيروس التاجي.

أزيد من خمس آلاف إصابة يومية بالفيروس، وحدها المدينة المليونية تحظى بنصف معدل الحالات، إلا أن التعايش مع الفيروس بدأ يحظى بمكانه في نمط عيش الفرد اليومي، بالرغم من التأثيرات السلبية والأضرار التي أرخت بظلالها على الشريط الساحلي المتوسطي، قبالة مسجد الحسن الثاني، هناك حيث لم يعد لباحته مرتادوها الإعتياديون الباحثون عن روحانية المكان ولا غير بعيد منه، حيث أغلقت حانات وملاهي شاطئ "عين الذئاب" أبوابها أمام هواة ليالي المدينة البيضاء.

ورغم كل شيء فآليات التنفس الإصطناعي تحاول إعادة الحياة للمدينة، كما يحاول "البيضاويون" الاستئناس مع الوضع الجديد، مثلما يقاوم آلاف المرضى ذلك الفيروس الذي انسل إلى أجسادهم، في صورة كربونية لشريحة مجتمع تجابه مصاعب المعيش اليومي والفقر والبطالة.

هي معارك الحياة الأخرى التي لا لقاح لها سوى التعايش معها، كما تغنت بها أنصار فريق الرجاء المغربي لكرة القدم في ملحمتها الشهيرة "فهاد البلاد عايشين في غمامة.. طالبين السلامة..انصرنا يا مولانا".

هي فعلا غمامة سوداء جعلت من بياض المدينة سوى اسما يقترن بها، حولت حتى ذلك المتنفس "البيضاوي" المجسد في مدرجات ملعب محمد الخامس، إلى فضاء مهجور، ابتعد عنه مرتادوه قسرا، بعد أن كان مسرحا للترويح عن النفس وتفجير الطاقة السلبية، تحت غطاء هوس كرة القدم وعشق الرجاء والوداد، فريقا كرة القدم بالمدينة اللذين يجعلان للحياة لونا أخضرا عند البعض وأحمرا عند البعض الآخر.. وللناس فيما يعشقون مذاهب!

"أكثر شيء اشتقنا له في زمن الجائحة هي تلك الجلسة في مدرجات الملعب في انتظار صعود التيفو وصرخة الجماهير أثناء تسجيل الأهداف.. حرمتنا كورونا من أجمل ساعة ونصف في الأسبوع، تلك الدقائق التي تكون فيها قريبا من الرجاء".. يقول حمزة (31 سنة)، شاب موظف بقطاع التأمين، مشترك في نادي الرجاء الرياضي، بنبرة حزينة، وهو يتابع مباراة فريقه، مكرها، أمام شاشة التلفاز.

هي ليلة ليست كسائرها، فاليوم موعد حسم لقب الدوري المحلي، حيث شاءت الصدف أن يبلغ التنافس بين "الغريمين" الرجاء والوداد، إلى آخر الجولات، إذ أن الفارق بينهما نقطة واحدة، قبل استضافة "الأخضر" لفريق الجيش الملكي وسفر "الأحمر" إلى الرباط من أجل مواجهة الفتح.

أغلقت المقاهي أبوابها باكرا، تنفيذا لتعليمات السلطات المحلية بالمدينة، التي عممت قرارها بمنع بث مباريات كرة القدم، حرصا منها على تفادي التجمعات والاكتظاظ، رغم أن الواقع يحمل صور أسواق ومتاجر وأحياء تعج بالمارة والمتجولين، كأن ب"كورونا" تتجول فقط ليلا وبين عشاق كرة القدم.. هؤلاء الذين اظطروا إلى التزام بيوتهم في أمسية كروية تاريخية، كما كان الإنجليز يفرضون على أفراد "الهوليغانز" المرابطة في مخافر الشرطة خلال مواعيد المباريات كقرار أمني جزري.

كان الموسم الأطول في تاريخ كرة القدم المغربية، ذلك الذي أسدل ستاره بتتويج الرجاء بطلا للبطولة المحلية، قبل أسابيع، بعد "سيناريو" أشبه بأفلام ألفريد هيتشكوك، حيث تحولت الفرحة من "ودادية" إلى "رجاوية" في ظرف دقيقة بين هدف زهير المترجي في الرباط وهدف عبد الإلاه الحافيظي في مرمى الجيش، الأخير الذي أطلق العنان لصرخة حمزة من شرفة منزله، ردا على صرخة الجار المتيم بعشق الوداد بعد هدف التتويج "الموقوف التنفيذ".. هو سطر آخر في سجل التنافس الكروي بين الغريمين التقليديين.

مرت أسابيع وفرحة التتويج لازالت تعم بعض أحياء الدار البيضاء، رغم تدخل رجال الشرطة لاستتباب الأمن وتفكيك التجمعات والاحتفالات الليلية، إلا أن الاحتفاء بتتويج غاب لأزيد من سبع سنوات، لا يكاد يمر دون شماريخ وألعاب نارية، في لحظة بهجة مسروقة في زمن الوباء.

تتنفس المدينة عشق كرة القدم رغم ارتداءها "الكمامة" منذ أشهر عدة، فهناك حمزة الذي يغادر مكتبه مسرعا، بحثا عن أقرب وكالة لتجديد اشتراكه في أحد الباقات التلفزيونية، المالكة الحصرية لحقوق نقل مباريات دوري أبطال إفريقيا وأبرز المسابقات الكروة العالمية، كيف لا وشهرا أكتوبر ونونبو حافلان بالمواعيد و"أجندة" الشاب لا تكاد تخلو من مباريات على مدار الأسبوع.

يضرب اشاب موعدا مع أحد أصدقاءه في الكشك القريب من الحي، حيث يجتمع العشرات من أقرانه، يوميا، للمراهنة على مباريات الللية،  فلا مجال هناك للعواطف ولغة الأرقام هي من تتحدث قبل أن تتكلم لغة الأقدام.. انتصار ريال مدريد بفارق هدفين قد يكون كفيلا بجني آلاف الدراهم كما قد يتسبب في خسارة مصروف الجيب، هكذا تبني الشركة ثروثها على حساب الآلاف من الحالمين في جني أموال سهلة، بعيدا عن نمطية "الحلال والحرام".

يقول أحد الشباب المدمنين على لعب المراهنات "أجد متعتي في المقامرة على مباريات كرة القدم لأنني في الأساس مهووس بها.. أخلق لنفسي متعة إضافية وأنا أقرن مصيري بنتائجها، ففي بعض الأحيان يكمن سر سعادتي في أحد الأهداف المسجلة في الدوري الهندي كما الإنجليزي، كما أنه يسمح بتحصيلي لمبلغ يصل إلى راتب موظف يشتغل أزيد من شهرين.. لكن ليس في كل مرة يبتسم لك الحظ".. يضيف وهو بصدد الحديث مع أحد أبناء الحي عن توقعاته لمباريات اليوم.

يرد صديقه (مازحا) "للأسف، مع هذه الجائحة، سيغلق الدكان مبكرا ولن نتمكن من استخلاص مبلغ الفوز اليوم، كما أنه تم حرماننا من متابعة المباريات في المقاهي.. كورونا غيرت مجرى حياتنا"، هكذا هو واقع بعض الشباب ممن حكمت عليهم الظروف عدم الاستمتاع بسهرات دوري أبطال أوروبا، خلف كأس الشاي بالنعناع ووسط دخان السجائر في مقهى "الدرب" الذي يكاد ينبعث منه الأوكسيجين.

نسبة العطالة أخدت منحى متصاعدا في الدار البيضاء، القلب النابض للمملكة المغربية، كما أن الجائحة تسببت في تقليص عدد فرص الشغل وحرمت آلاف الشباب من مورد دخل قار، لتعج مداخل الأزقة والحواري بالآلاف منهم، ممن يبحثون عن جرعة "أوكسيجين" لحياتهم البيئسة خلف ذلك القناع المفروض بقوة القانون، حيث أن عدم ارتدائه يعرض صاحبه لعقوبة مالية قبل أن يضعه عرضة لالتقاط فيروس ووهان الصينية.

في أزقة حي "درب السلطان" كما "المدينة القديمة"، يتنفس البيضاويون رغم أنف "كورونا" ويعيشون الحدث كما ألفوه قبل  مارس 2020، فلا شيء تغير لديهم في موروثهم الحضاري، الذي يبقى الرجاء والوداد جزءا لا يتجزء منه، مهما تغيرت الظروف المحيطة حوله، إلا أنه يظل حاضرا في نمط عيش الصغير كما الكبير، الفقير كما الغني..حتى أضحت مستجدات الحالة الوبائية تفصيلا بسيطا في جلسات ساكنة المدينة، لأن الموضوع الأهم هو "كرة القدم..مستجدات الرجاء والوداد.

إلى وسط المدينة، حيث عقارب ساعة الولاية تشير إلى السادسة مساء، موعد إعلان وزارة الصحة المغربية عن الحصيلة الوبائية اليومية، 2500 حالة إصابة مؤكدة بالدار البيضاء، وحدها، ضعف الحالات المسجلة على المستوى الوطني.. المدينة ستدخل بعد لحظات في حالة حظر التجوال الليلي، ليعم الصمت مجددا أرجاءها، كأني بها تحبس أنفاسها قبل صرخة هدف الوداد أو الرجاء.

هناك ما هو أهم من "ذباب الجزائر"!

لم تكن العلاقة بين المغرب والجزائر ممزقة كما هو حالها اليوم. عداء النظام الجزائري لكل ما هو مغربي وصل مداه. رئيس الدولة كلما أُتيحت له فرصة الحديث أمام وسائل الإعلام ...

استطلاع رأي

في رأيك، من هو أسوأ رئيس حكومة مغربية خلال السنوات الخمس والعشرين من حكم الملك محمد السادس؟

Loading...