الرابح والخاسر في معركة 22.20: الرميد يعود للواجهة والاتحاديون "ينتحرون"

 الرابح والخاسر في معركة 22.20: الرميد يعود للواجهة والاتحاديون "ينتحرون"
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأثنين 4 ماي 2020 - 22:12

اختار وزير العدل الاتحادي محمد بنعبد القادر أن يسلك "طريق التأجيل" كحل يحفظ له بعض ماء الوجه في مواجهة غضب المغاربة على مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، وذلك بعدما أدى تسريب مضامينه إلى توجيه مدافع ثقيلة إلى شخصه وحزبه والحكومة التي ينتمي لها.

وبالنسبة للعديد من المراقبين، لا تعدو هذه الخطوة، في العمق، أن تكون "مقدمة" لسحب القانون نهائيا أو تغييره بنسخة أخرى في أسوأ الأحوال، تطوي صفحة "فضيحة" ثقيلة تمثل محاولة جديدة من محاولات "تكميم الأفواه"، كما وصفها معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي المحاولة التي بقدر ما خلفت "خاسرين" تضرروا منها بقدر ما خلفت "رابحين" جنوا نقاطا كثيرا من السجال الذي دار خلال الأسبوع الماضي.

الخاسر الأول: بنعبد القادر

وتقدم الوزير الاتحادي الوحيد في الحكومة لائحة الخاسرين في معركة مشروع قانون 22.20، فالرجل الذي تولى حقيبة العدل في "حكومة الكفاءات" قبل أشهر فقط، كان عليه أن يواجه سيلا من الانتقادات تجاوزت حتى تلك التي وجهت له عندما وقع على قرار تثبيت الساعة الإضافية طول السنة، بناء على "دراسة" لم يطلع على مضامينها أحد، وذلك عندما كان وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة مكلفا بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية.

ولم يستطع بنعبد القادر مواجهة العاصفة طيلة أيام، حتى إنه رفض الإجابة عن أسئلة الصحافيين التي طالبته بتوضيح مضامين مشروع قانون هو من تولى صياغته حسب بلاغ المجلس الحكومي، زاعما أنه "ينأى عن نفسه المشاركة في جدال إعلامي أو سجال سياسي من شأنه التشويش على اللحظة التي يمر منها المغرب"، قبل أن يقر ضمنيا، أمس الأحد، أن هذا المشروع كان هو مصدر التشويش الحقيقي، عندما أعلن عن ضرورة تأجيله بسبب "الظرفية الخاصة التي تجتازها بلادنا".

الخاسر الثاني: الاتحاد الاشتراكي

لكن بنعبد القادر، الشخص الذي قبل به أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ممثلا وحيدا لهم في نسخة 2019 من حكومة العثماني، بدا وكأنه الاتحادي الذي أمسك مسدسا به طلقتان، فصوب الأولى تجاه قدمه، أما الثانية فكانت رصاصة الرحمة التي اقتنص بها ما تبقى من روح حزب عبد الرحيم بوعبيد، الذي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صوره ببذلة المحاماة وهو يدافع عن معتقلي الرأي خلال سنوات الرصاص.

وبعيدا عن "التسريبات" الصادرة من داخل الحزب، والتي تتحدث عن وجود صراعي داخلي ومطالب بانعقاد مؤتمر وطني استثنائي، يبقى الثابت هو أن محاولات العديد من الاتحاديين الدفاع عن وزيرهم الوحيد في معركة كانت ساحتها هي منصات التواصل الاجتماعي، كبدته خسائر إضافية، وذلك بعدما ذكرت المضامين المسربة الجميع بأن الحزب الذي قاد أول حكومة للتناوب سنة 1998، دخلها سنة 2017 تحت جناح حزب التجمع الوطني للأحرار، لذلك تولى حزب الوردة بالنيابة "معاقبة"  الداعين للمقاطعة التي تضرر منها بشدة زعيم التجمعيين عزيز أخنوش قبل سنتين، في محاولة لـ"رد بعض الدين".

الخاسر الثالث: العثماني

أما سعد الدين العثماني، فوجد نفسه في حالة من "انفصام الشخصية السياسية"، التي لم يهتد لعلاج لها وهو الطبيب النفسي المعتاد على معالجة مثل هذه الأمراض، فالبلاغ الصادر عن المجلس الحكومي الذي ترأسه بتاريخ 19 مارس 2020 يؤكد أن الحكومة ناقشت المشروع وصادقت عليه، "مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثتين لهذا الغرض"، وهي العبارة التي لم يجد لها أحد تفسيرا، إذ كيف تتم المصادقة على نص بما عليه من ملاحظات، رغم أن هذه الملاحظات لم ترد بعد.

ومن جهة أخرى، بدا "الانفصام" في شخصية العثماني نابعا أيضا من كونه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي ترأس اجتماع أمانته العامة في 2 ماي الجاري، والذي دعا بلاغه الختامي "الحكومة" إلى تأجيل عرض مشروع القانون على البرلمان بعد تعديله نهائيا من قبل اللجنة الوزارية المكلفة، مراعاة للظرفية الاستثنائية التي يمر منها المغرب، ليبدو الأمر وكأن "العثماني رئيس الحزب" يطلب من "العثماني رئيس الحكومة" تأجيل النظر في نص عجل هذا الأخير بالمصادقة عليه.

الرابح الأول: التواصل الاجتماعي

وبقدر ما كان لقضية 22.20 خاسرون، كان لها أيضا رابحون، وعلى رأسهم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين قادوا في السابق حملة المقاطعة التي كانت سببا مباشرا في صياغة المشروع، والذي قادوا الأسبوع الماضي حملة الإطاحة به، انطلاقا من تسريب مضامينه التي تمت لأول مرة عبر حسابات صانع المحتوى المغربي الشهير "مصطفى سوينكا"، قبل أن تنتشر المضامين كالنار في الهشيم واضعة السلطة التنفيذية في مأزق لم تكن تتوقعه.

وعلى الرغم من أن الحكومة فضلت عدم نشر المشروع عبر أي من المواقع الرسمية، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت هذا الدور، وتجاوزت لتشريح وتفسير المضامين، ومن ثم انتقادها بنبرة غاضبة تارة وبنبرة ساخرة تارة أخرى، ما دفع أحزاب الأغلبية الحكومية إلى إعلان براءتها منه، وعلى الرغم من أن "22.20" كان يهدف إلى تضييق مساحة تلك المنصات إلا أن العكس هو الذي حصل.

الرابح الثاني: الرميد

أما داخل الحكومة، فقد يكون مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، ووزير العدل والحريات السابق، الشخص الوحيد الذي استفاد من "الأزمة"، فالحقوقي السابق الذي ووجه بانتقادات لاذعة خلال السنوات الأخيرة بسبب مواقفه السلبية من مجموعة من القضايا الحقوقية الشائكة أو تفضيله الصمت تجاهها، بدا وكأنه الوحيد الذي "يجتهد" في تغيير مضامين مشروع قانون 22.20.

وكان الرميد الوزير الوحيد الذي خرج بتوضيح حول مضامين تلك الوثيقة مباشرة بعد تسريب مضامينها، مؤكدا أنها غير نهائية، لكن ما ساعده على "جني النقاط" خلال هذه الظرفية هي مذكرته بشأنها "المسربة" في اليوم الموالي، والمؤرخة بـ2 أبريل 2020، حيث استغرب أن ينص المشروع على أن تكون عقوبة الدعوة للمقاطعة أكبر من عقوبة التحريض على ارتقاب جناية، داعيا للإبقاء على التجريم فقط فيما يتعلق بإعاقة ممارسة النشاط الاقتصادي.

الرابح الثالث: بنعبد الله

أما من المعارضة، فبدا نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المنسحبِ حزبُهُ من الحكومة العام الماضي فقط بعد أكثر من عقدين من المشاركة المستمرة، أكثر المنتقدين للسيناريو بأكمله، فوزير الاتصال الأسبق هاجم مضامين القانون وعبر عن رفضه له، لكنه أيضا هاجم الحكومة و"تطاحناتها" معتبرا أن التسريب تسلل من بين جدرانها.

ووصف بنعبد الله في تصريح سابق لـ"الصحيفة" تبرؤ أحزاب الأغلبية من المشروع بـ" الضحك على الذقون"، وبـ"الشوهة والبهدلة"، موجها كلامه إلى مكونات الحكومة قائلا "كفى من عرض تطاحناتكم وانعدام تماسك حكومتكم، وكفى من هذه اللامسؤولية في التعامل مع قضايا الوطن"، قبل أن يخلص إلى أن غياب الانسجام كان سببا في مغادرة حزبه لسفينة الأغلبية.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...