الشركات تستورد كميات أكبر بسعر أقل لكن أثمنة البيع لا تنخفض.. مجلس المنافسة يكشف واقعًا "شاذًا" لسوق المحروقات بالمغرب
في ظل الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات في السوق الوطنية، وفي وقت تتزايد فيه الضغوط الاجتماعية والنقابية للمطالبة بمراجعة بنية الأسعار وضبط هوامش الأرباح، أزاح مجلس المنافسة الستار عن معطيات دقيقة تكشف واقع سوق المحروقات بالمغرب، خلال الفصل الأول من سنة 2025، مبرزا حجم التركّز والاحتكار في الاستيراد والتوزيع، والهوة المتزايدة بين المداخيل العمومية والقدرة الشرائية للمواطن.
وبحسب التقرير، بلغت الواردات الإجمالية من الغازوال والبنزين خلال الفصل الأول من السنة الجارية ما مجموعه 1,62 مليون طن، بقيمة مالية وصلت إلى 12 مليار درهم، هذا الرقم يعكس ارتفاعا بنسبة 10 في المائة من حيث الكميات مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2024، مقابل انخفاض بنسبة 6,9 في المائة من حيث القيمة المالية، نتيجة تراجع الأسعار في السوق الدولية، إلا أن هذا التراجع لم يجد طريقه إلى المستهلك المغربي، حيث ظلت الأسعار مرتفعة على الرغم من توفر مؤشرات ظرفية تتيح تخفيضها، ما يعكس خللا بنيويا في آليات تسعير المحروقات وتوزيع الأرباح.
واستحوذ الغازوال على الحصة الأكبر من السوق، بما نسبته 89 في المائة من حجم الواردات وقيمتها، وهو ما يعكس اعتماده الواسع في قطاعات النقل والخدمات والإنتاج، وفي المقابل، ارتفع عدد الشركات الحاصلة على تراخيص الاستيراد إلى 32 شركة في نهاية مارس 2025، مقابل 29 شركة في الفترة نفسها من السنة السابقة، إلا أن هذا الارتفاع العددي لم يُترجم إلى تحرير فعلي للسوق، حيث ظلت 9 شركات كبرى تهيمن على 82 في المائة من الواردات من حيث الحجم والقيمة.
وسجلت هذه الشركات التسع نموا في حجم الواردات بنسبة 4 في المائة، منتقلةً من 1,28 مليون طن سنة 2024 إلى 1,33 مليون طن سنة 2025، بينما تراجعت قيمة وارداتها من 11,23 مليار درهم إلى 9,9 مليار درهم، أي بانخفاض نسبته 12 في المائة. المفارقة أن هذا التراجع لم ينعكس على السعر النهائي عند البيع، حيث واصلت هذه الشركات تسويق منتجاتها للمستهلك بنفس التسعيرة المرتفعة، مستفيدة من غياب تدخل حكومي لضبط الأسعار أو مراقبة الهامش الربحي.
على مستوى تفاصيل الواردات، عرف الغازوال ارتفاعا طفيفا بنسبة 2 في المائة من حيث الحجم، من 1,152 مليون طن إلى 1,171 مليون طن، مقابل تراجع في القيمة بنسبة 15 في المائة من 10,093 مليار درهم إلى 8,615 مليار درهم. في المقابل، ارتفعت واردات البنزين من 124 ألف طن إلى 163 ألف طن، أي بزيادة قدرها 31 في المائة، كما ارتفعت قيمته من 1,117 مليار درهم إلى 1,285 مليار درهم، أي بزيادة بنسبة 15 في المائة.
ورغم هذه التحولات التي كان يفترض أن تفتح مجالا لتدخل حكومي لضبط السوق أو تخفيف العبء على المواطنين، استمرت الحكومة في صمتها المريب، متجاهلة الأصوات المطالبة بإعادة تشغيل مصفاة "لاسامير"، باعتبارها أداة استراتيجية لتكرير المحروقات وتقليص كلفة الاستيراد، كما لم تحرك ساكنا أمام تزايد الاتهامات بوجود تفاهمات غير معلنة بين الشركات الكبرى حول الأسعار وهوامش الربح.
من جهة أخرى، استفادت خزينة الدولة من مداخيل جبائية مهمة خلال الفصل الأول من سنة 2025، بلغت في مجموعها 6,86 مليار درهم، مقابل 6,45 مليار درهم في الفترة نفسها من السنة الماضية، بزيادة قدرها 6,4 في المائة. وشكلت الضريبة الداخلية على الاستهلاك 75 في المائة من هذه المداخيل، بما مجموعه 5,13 مليار درهم، محققة زيادة بنسبة 10,3 في المائة، أي ما يعادل 480 مليون درهم إضافية. أما الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، فقد سجلت انخفاضا بنسبة 4 في المائة، لتستقر عند 1,73 مليار درهم، لكنها تمثل مع ذلك ربع المداخيل الجبائية الناتجة عن استيراد المحروقات.
ووفقا لنوع الوقود، بلغت المداخيل الضريبية المتأتية من واردات الغازوال نحو 5,7 مليار درهم، أي ما يعادل 83 في المائة من إجمالي العائدات، بينما لم تتجاوز مداخيل البنزين 1,16 مليار درهم، بنسبة 17 في المائة فقط. هذه الأرقام تؤكد أن الدولة شريكة ضمنيا في معادلة الأسعار المرتفعة، من خلال الاعتماد على مداخيل جبائية مستقرة ومرتفعة، دون أن تقابلها إجراءات حمائية واضحة لصالح المستهلك.
وتعزز هذه الوضعية تساؤلات متزايدة حول مدى حياد القرار الحكومي في قطاع يحتل فيه رئيس الحكومة عزيز أخنوش موقعا محوريا، بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية وفاعلا اقتصاديا رئيسيا في مجال المحروقات من خلال مجموعته الاقتصادية "أكوا" المالكة لشركة "أفريقيا".