القضاء الهولندي يتهم مُترجما في جهاز استخباراتي بتسريب 46 تيرابايت من الوثائق الحساسة إلى المغرب.. هل تكون بداية أزمة جديدة مع الرباط؟

 القضاء الهولندي يتهم مُترجما في جهاز استخباراتي بتسريب 46 تيرابايت من الوثائق الحساسة إلى المغرب.. هل تكون بداية أزمة جديدة مع الرباط؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 20 شتنبر 2025 - 20:02

يحضر اسم المغرب في قلب واحدة من أعقد القضايا الأمنية بهولندا، بعدما تحولت مُحاكمة مترجم سابق في المنسقية الوطنية للأمن ومكافحة الإرهاب إلى شرارة توتر بين الرباط ولاهاي، فاتهامه بتهريب ما يقارب 46 تيرابايت من أسرار الدولة لفائدة الاستخبارات المغربية لم يفتح فقط ملفا قضائيا غير مسبوق، بل فجّر نقاشا سياسيا محتدما حول عمق الاختراق وحدود الثقة بين العاصمتين، وجعل المغرب عنوانا لتصدعات داخلية وخارجية تهز أركان المؤسسة الأمنية الهولندية سيما عقب ارتفاع مطالب المحكمة باستدعاء رئيس المخابرات المغربية للاستماع إليه.

القضية تتعلق بـ "ع.م" الإطار والمترجم السابق في المنسقية الوطنية للأمن ومكافحة الإرهاب (NCTV)، الذي يواجه اتهامات ثقيلة بالتجسس وتسريب وثائق حساسة لفائدة أجهزة استخباراتية مغربية، وهي اتهامات هزت أركان المؤسسة الأمنية الهولندية وأدخلت علاقات لاهاي والرباط في دائرة توتر غير مسبوقة.

وتفاصيل القصة بدأت يوم 26 أكتوبر 2023، حين أوقف الأمن الهولندي المعني بالأمر، في مطار سخيبول بينما كان يهمّ بركوب رحلة نحو المغرب ما بدا في البداية إجراء عاديا تحوّل إلى زلزال قضائي، بعد العثور بحوزته على عدد ضخم من الوسائط الرقمية، لتكشف عمليات التفتيش اللاحقة في منزله عن مخزون هائل من الوثائق السرية وبالتالي النيابة العامة أحصت ما لا يقل عن 928 وثيقة، بينها 345 صادرة عن جهاز الاستخبارات الداخلية (AIVD) و65 عن جهاز الاستخبارات العسكرية (MIVD)، فيما قدّرت المحكمة الحجم الإجمالي للمعلومات المهرّبة بنحو 46 تيرابايت، وهو رقم يضع الملف في خانة غير مسبوقة.

و"ع.م" ليس شخصية هامشية فقد وُلد في المغرب وانتقل إلى هولندا لمتابعة دراساته في الفلسفة، قبل أن يجد طريقه سريعا نحو مؤسسات الأمن بدأ مترجما للغة العربية داخل الـNCTV، ليتدرج لاحقا إلى محلل رفيع، وهو موقع أتاح له الاطلاع على ملفات شديدة الحساسية من قبيل رصد عمليات التطرف، مرورا بخطط مكافحة الإرهاب ووصولا إلى آليات تفكيك الشبكات وبالتالي هذا الموقع المميز، الذي كان يفترض أن يكون ضمانة للثقة، تحوّل إلى نقطة ضعف كشفت اليوم حجم الفجوات داخل الأجهزة.

والمفاجأة لم تقف عند هذا الحد، ففي اليوم نفسه أوقفت الشرطة زميلة سابقة له، تبلغ من العمر 35 عاما وتعمل حاليا في جهاز الشرطة للاشتباه في مساعدتها على طباعة بعض الوثائق عند انتقاله إلى منصب جديد بيد أنه ورغم الإفراج عنها بشروط في دجنبر 2023، فإنها ما تزال تلاحَق قضائيا، ما يعمّق الصورة القاتمة حول أسلوب تدبير الوثائق السرية في المؤسسة.

وخلال جلسات المحاكمة، أنكر "ع.م"، بشكل قاطع تهمة الخيانة متمسكا بواجب التحفظ والسرية، حتى أنه رفض تقديم تفاصيل علنية عن روايته "لأسباب أمنية"، وفق تعبيره فيما دفاعه اعتبر القضية "مفبركة"، مشيرا إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون "كمينا" لكن رغم ثقل التهم، قررت المحكمة، بعد نحو عشرين شهرا من الاعتقال الاحتياطي الإفراج عنه مؤقتا في يوليوز الماضي مع وضعه تحت المراقبة، مبررة القرار بضرورة موازنة الحق في الحرية مع خطورة الملف.

خطورة القضية، دفعت القضاء الهولندي إلى استدعاء شخصيات رفيعة فمنتصف شتنبر الجاري استمع قاضي التحقيق في جلسات سرية، إلى رئيس الوزراء ديك شوف (الذي سبق أن تولى إدارة الـNCTV) وإلى المدير الحالي للجهاز بيتر ياب آلبيرسبرغ والأكثر إثارة أن محكمة روتردام طلبت الاستماع إلى ياسين المنصوري، المدير العام للمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED)، إلى جانب أربعة عملاء مغاربة يُشتبه في تلقيهم الوثائق وهي خطوة غير مسبوقة تعكس مدى خطورة الاتهامات حتى لو بدا تنفيذها شبه مستحيل.

وعموما، فإن القضية لا يمكن فصلها عن مناخ أوروبي مشحون تُثار فيه باستمرار شبهات حول "التدخلات المغربية" ففي صيف 2021، فجّر مشروع بيغاسوس، الذي أشرفت عليه Forbidden Stories بدعم من منظمة العفو الدولية، عاصفة من الاتهامات بشأن استخدام برنامج التجسس الشهير ضد صحافيين ونشطاء ومسؤولين في عدة دول والمغرب نفى بشدة وتمكن من تبرئة نفسه لكن العاصفة خلّفت وراءها سلسلة من التحقيقات والدعاوى.

بعدها بعام تقريبا، انفجر ملف "ماروك غيت" وهو الشق المغربي من قضية "قطر غيت" التي ضربت البرلمان الأوروبي ابتداء من دجنبر 2022 والاتهامات طالت نوابا ومساعدين اتُّهموا بتلقي رشاوى والتورط في أنشطة ضغط مشبوهة، الأمر الذي دفع البرلمان الأوروبي إلى رفع الحصانة عن نائبين لتمكين القضاء البلجيكي من المضي في تحقيقاته.

وبعيدا عن الأبعاد السياسية والجيوسياسية، وضعت هذه القضية العدالة الهولندية أمام مرآة تعكس ثغرات داخلية عميقة فالنقاشات البرلمانية في ربيع 2025 سلّطت الضوء على ضعف آليات تتبع الطباعة، وغياب المراقبة الصارمة لوسائط التخزين، فضلا عن الفشل في رصد عمليات التهريب الرقمية واسعة النطاق أو حتى التقاط المؤشرات الأولية التي كان من الممكن أن تُنذر بالخطر مبكراً.

وتؤشر هذه القضية على تحول نوعي في طبيعة التوترات بين الرباط ولاهاي، حيث لم تعد مقتصرة على ملفات الهجرة أو الجالية المغربية بل امتدت إلى قلب الحقل الأمني والقضائي، وهو مجال يفترض أنه يقوم على التعاون والثقة المتبادلة، كما أن إدراج المغرب في هذا الملف يعكس حجم الحساسية التي يثيرها حضوره المتنامي في المنظومة الأوروبية، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن أزمة داخلية في هولندا بشأن كيفية تأمين منظومتها المؤسسية أمام الاختراقات الرقمية والبشرية.

من جهة أخرى، فإن هذا المسار القضائي، وما رافقه من استدعاءات لأسماء وازنة من الأجهزة الأمنية والسياسية الهولندية، يضع العلاقة بين البلدين أمام اختبار غير مسبوق إذ كيف يمكن التوفيق بين الحاجة البراغماتية إلى شراكة أمنية قوية، وبين تنامي الشكوك المتبادلة؟ وهو سؤال يكتسب وزنا أكبر في ظل السياقات الجيوسياسية الأوروبية المتوترة، حيث يشكل المغرب بوابة استراتيجية لأمن الجنوب المتوسطي.

وبهذا المعنى، فإن القضية لا تختزل في متابعة قضائية لشخص بعينه، بل تمثل مرآة لخلل أوسع في توازنات الثقة والرقابة داخل الاتحاد الأوروبي، وتضع مستقبل التعاون مع المغرب على طاولة المراجعة، سواء من زاوية أمنية أو دبلوماسية أو تشريعية.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...