الكويرة.. قصّة مدينة مغربية منسية على حدود موريتانيا، ونقطة قوة وضعف استراتيجي للعلاقة بين الرباط ونواكشوط

 الكويرة.. قصّة مدينة مغربية منسية على حدود موريتانيا، ونقطة قوة وضعف استراتيجي للعلاقة بين الرباط ونواكشوط
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأربعاء 15 يناير 2025 - 17:45

من المرجح أن أغلب المغاربة لم يسمعوا يوما عن بلدة "بيغنونا"، الواقعة جنوب السنغال، والتي يقطنها أقل من 30 ألف نسمة، وقد يكون في حكم المؤكد أن لا أحد توقع يوما أن تلعب هذه المنطقة القريبة من الحدود مع غامبيا، دورا مهما في السياسة الخارجية المغربية، وستكون محطة مهمة على طريق إثبات سيادة المملكة على مدينة الكويرة، في أقصى الصحراء.

ففي 10 يناير 2024، وعبر وكالة الأنباء المغربية الرسمية، جرى الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم بين جماعة الكويرة وجماعة بيغونا، تهم "قدراتهما المؤسساتية والتقنية"، وهي الخطوة التي أتت بالتزامن مع بروز ملامح تقارب مغربي موريتاني، إثر اللقاء الذي جرى بالقصر الملكي في الدار البيضاء، يوم 2 دجنبر 2024، بين الملك محمد السادس، والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

تتحدث القصاصة الرسمية عن أن مُذكرة التفاهم التي جرى توقيعها بالحروف الأولى، بين رئيس جماعة الكويرة، عبد الفتاح أهل المكي، وعمدة بيغنونا، بكاري دياتا، تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، وتشجيع التبادل الثقافي والتعليمي والاجتماعي، وتسهيل تنفيذ المشاريع المشتركة في المجالات ذات الأولوية التي تم تحديدها، بالإضافة إلى المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الوثيقة نفسها تضع أساس تعاون مؤسساتي بين الجماعتين في العديد من المجالات الاجتماعية والاتصادية، حيث تنص على "على تبادل الممارسات التربوية الفضلى، وتعزيز الفلاحة المستدامة، وتبادل الخبرات في إدارة الموارد الفلاحية، وتعزيز خدمات الصحة الجماعية، وتشجيع السياحة المحلية والتضامنية، بالإضافة إلى دعم المبادرات المحلية في مجال ريادة الأعمال".

وبغض النظر عن مضامين هذه الاتفاقية، فإن توقيعها في حد ذاته أمر مثير للاهتمام، إذ لا يُعرف لجماعة الكويرة أي نشاط رسمي خارج حدود المملكة قبل الآن، وكان يُنظر إلى المدينة لعقود على أنها منطقة شبه مهجورة، مُـنزع بشأنها بين الرباط ونواكشوط، هذه الأخيرة التي فرض جيشها السيطرة عليها بتوافق مع المغرب خلال حرب الصحراء.

يعتبر الكثير من الموريتانيين أن الكويرة "يجب" أن تكون تابعة لأراضيهم، ومنهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي حاول فرض الأمر الواقع برفع الأعلام الموريتانية عليها، ما أدخله في صراع علني مع المغرب، انتهى، بشكل حاسم، أواخر سنة 2020، إثر عملية الكركارات ضد جبهة "البوليساريو"، والتي تلاها توسيع المغرب للجدار الأمني في أقصى الجنوب، بما يشمل المدينة المجاورة لنواذيبو، المركز المينائي الأهم في موريتانيا والعاصمة الاقتصادية للبلاد.

وقصة الكويرة مع موريتانيا، كما حكاها الرئيس الأسبق، محمد خونا ولد هيدالة في حوار نشره موقع "أقلام" الموريتاني بتاريخ 9 غشت 2021، تبدأ من كونها جزءا من إقليم وادي الذهب الذي تخلى عنه الموريتانيون سنة 1979 بعدما لم تستطع الدولة حديثة التأسيس الصمود في وجه الحرب التي شنتها عليها جبهة "البوليساريو"، ليضم المغرب المنطقة بالكامل.

ولد هيدالة، الذي كان رئيسا للوزراء ما بين 1979 وأواخر 1980، ورئيسا للبلاد من بداية 1980 إلى نهاية 1984، قال إن المغرب حشد جيوشه لدخول المنطقة، لكنه سافر سرا إلى الرباط للقاء بالملك الراحل الحسن الثاني، وهناك اتفقا على بقاء الجيش الموريتاني في الكويرة بسبب كونها تمثل عُمقا أمنيا لبلاده، موردا أن "انفجار أي قذيفة هناك يعني انفجار العاصمة الاقتصادية نواذيبو"، وبالتالي، تفاهم الطرفان على أن تنسحب القوات الموريتانية منها بعد نهاية النزاع المسلح بين المغرب و"البوليساريو"، وأن يتم إخبار الملك بموعد هذا الانسحاب مسبقا.

الواضح، أن المغرب، وفي ظل كسبه الكثير من المساحات بخصوص ملف الصحراء، سواء مع الدول الكبرى التي باتت تعترف بسيادته على المنطقة أو دعم مقترحه للحكم الذاتي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا، أو داخل أروقة الأمم المتحدة وبين بلدان منظمة الاتحاد الإفريقي، أصبح يسارع الخطى لحسم ملف الكويرة نهائيا، وعلى أرض الواقع.

فتواجدُ الجيش المغربي في المنطقة أصبح مُتداولا على نطاق واسع، وجرى تأكيده رسميا من خلال بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية نشرته وكالة المغرب العربي العربي للأنباء (رسمية) بتاريخ 27 فبراير 2024، حين جرى الإعلان عن تدخل وحدة تابعة للبحرية الملكية كانت تقوم بدورية بحرية، على بعد 37 كيلومترا جنوب غرب المدينة، لتقديم المساعدة لقارب كان في وضعية صعبة بسبب سوء الأحوال الجوية، وعلى متنه 56 مرشحا للهجرة غير النظامية يتحدرون من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.

وقبل ذلك، وفي دجنبر من سنة 2023، كانت الكويرة ضمن المحطات التي زارها أعضاء اللجنة المركزية للتنسيق الجهوي المتعلقة بمحاربة الهجرة السرية، والذين كانوا قد حلوا بنقط المراقبة للواجهة الأطلسية بجهتي العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب، إثر تزايد محاولات الوصول إلى جزر الكناري، وأعلنت القوات المسلحة الملكية حينها، بشكل رسمي، أن هذه الزيارة شملت وفدا عسكريا، مبرزة أنها تأتي في إطار جولات تتم بشكل مستمر.

مضى المغرب أبعد من ذلك، حين لوح بشكل صريح بتحويل الكويرة إلى منافس اقتصادي رئيسي لنواذيبو، من خلال إحداث ميناء هناك، ضمن استراتيجيته المينائية في القطب الجنوبي، التي تضم أيضا ميناء الداخلة الأطلسي وميناء امهيريز، الأمر الذي جرى الكشف عنه في أواخر أبريل 2023، من خلال خريطة ثلاثية الأبعاد عرضتها القناة الأولى (عمومية) في نشرة إخبارية.

تلك الإشارة تزامنت مع حالة من ضعف الثقة بين الرباط ونواكشوط، بسبب عدم إبداء هذه الأخيرة موقفا حاسما مع قيام عناصر "البوليساريو" بقطع الطريق البري الوحيد الرابط بين المغرب وموريتانيا، على مستوى معبر الكركارات، لأسابيع، رغم أن السوق الموريتانية كانت الأكثر تضررا من عدم وصول السلع المغربية إلى وجهتها النهائية.

ومثَّلَ ذلك تلويحا صريحا من المغرب بخوض حرب اقتصادية مع موريتانيا، التي كانت قد أعلنت، سنة 2018، عن تكفل شركة صينية ببناء ميناء نواذيبو، خصوصا وأن الأمر تلا إعلان رئيس الحكومة المغربي حينها، سعد الدين العثماني، في حوار مع وكالة "رويترز"، أن المغرب انتهى من إنشاء الجدار الرملي الجديد في المنطقة العازلة، بين معبر الكركارات المغربي ونقطة العبور 55 في موريتانيا، ليصل إلى الحدود الموريتانية، من أجل تأمين الحركة المدنية والتجارية.

إذا كان الملك لا يثق في السياسيين فماذا بقي للشعب؟

من المشكوك فيه أن يكون السياسيون عندنا في المغرب، قد فهموا رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى الـ 18 لاعتلائه العرش، حينما تساءل قائلا: "إذا أصبح ملك ...