المغرب وإسبانيا يوقعان اتفاقًا جديدًا لإحياء مشروع نفق جبل طارق: رهان مشترك على الربط القاري والتحول الجيو-اقتصادي بين الضفتين

 المغرب وإسبانيا يوقعان اتفاقًا جديدًا لإحياء مشروع نفق جبل طارق: رهان مشترك على الربط القاري والتحول الجيو-اقتصادي بين الضفتين
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 12 أبريل 2025 - 23:45

في خطوة جديدة لإحياء مشروع الربط الثابت بين إفريقيا وأوروبا عبر مضيق جبل طارق، وقع المغرب وإسبانيا، الخميس الماضي في مدريد، اتفاقيتين للتعاون العلمي والهندسي من أجل تعزيز الدراسات التقنية المرتبطة بمشروع النفق البحري الرابط بين ضفتي المتوسط، والذي ظل لسنوات يُراوح مكانه بين الطموح السياسي والتعقيد التقني، فيما بدأ اليوم يأخذ منحى جديدًا يُعيده إلى واجهة الاهتمام الثنائي والدولي، وسط تغيرات عميقة في مناخات التعاون الإقليمي والتوازنات الجيو-اقتصادية.

الاتفاقيتان الجديدتان، تم توقيعهما خلال زيارة وفد مغربي عن الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق (SNED) إلى العاصمة الإسبانية، بقيادة عبد الكبير زهود، حيث التقى الوفد المغربي بنظرائه في شركة الدراسات الخاصة بالربط الثابت عبر المضيق (SECEGSA)، برئاسة خوسي لويس غوبرنا كاريدي، وقد انصبت اللقاءات على محاور تقنية دقيقة، من بينها رقمنة الوثائق الهندسية الخاصة بالمشروع، وإدارة البيانات المستقبلية المتعلقة بالتصاميم، إلى جانب التباحث حول الإمكانات المتاحة لتطوير الهندسة الفنية التي من شأنها أن تتيح تجاوز العقبات الجيولوجية المعقدة في أعماق المضيق.

ووفق المعطيات التي تحصّلت عليها "الصحيفة"، فإن الاتفاقية الأولى وُقعت بين مركز الدراسات والتجارب الإسباني (CEDEX)، بقيادة أوريا بيروتشو مارتينيز، والمختبر العمومي للتجارب والدراسات المغربي (LPEE)، الذي يديره حمّو بنسعدوت، وتهدف إلى إجراء دراسات تقنية معمقة في مجالات الهندسة الطرقية، الجيوتقنية، النقل السككي، وحماية البيئة.

أما الاتفاقية الثانية، فقد جمعت بين المدرسة التقنية العليا لمهندسي الطرق بمدريد والمدرسة الحسنية للأشغال العمومية في المغرب، ممثلتين في كل من خوسي ميغيل أتيينزا رييرا وجواد بوتهار، وهي تروم إرساء تعاون أكاديمي وعلمي يشمل التبادل الطلابي، التداريب الميدانية، والمشاريع البحثية المشتركة، مما يعكس سعي البلدين لبناء نواة علمية قادرة على مرافقة المشروع في كل مراحله.

وتندرج هذه المبادرة في إطار برنامج التبادل المؤسساتي والعلمي بين SNED وSECEGSA، تنفيذًا لتوصيات اللجنة المغربية-الإسبانية المشتركة المنعقدة في أبريل 2023. ويراهن الطرفان من خلالها على تعبئة كل الفاعلين العموميين والخواص، من جامعات ومكاتب دراسات ومراكز بحث، بهدف إرساء منظومة متكاملة لدعم المشروع، وتحويله من حلم معلّق إلى مشروع فعلي قابل للتنفيذ.

ويرى القريبون من هذا الملف، أن إعادة إطلاق هذا المشروع ليس فقط مسألة تقنية أو اقتصادية، بل تحمل في طياتها رهانات جيوسياسية واضحة، فالنفق –في حال إنجازه– سيمكن من ربط القارتين بشكل دائم، عبر ممر بري حديدي، ما سيُحدث ثورة في أنماط التنقل التجاري والبشري بين أوروبا وإفريقيا، ويجعل من المغرب محورًا لوجستيًا واستراتيجياً جديدًا في المنطقة.

وفي تعليق خاص لـ "الصحيفة"، قال مصدر مطّلع من داخل اللجنة المختلطة المغربية الاسبانية للربط القار عبر مضيق جبل طارق، إن هذا المشروع لا يُمكن التعامل معه فقط بوصفه بنية تحتية للنقل، بل هو "ورقة استراتيجية كبرى" من شأنها ترتيب أولويات الربط بين أوروبا وإفريقيا، ووضع المغرب في قلب مشهد جيواقتصادي متحول.

وشدّد المصدر ذاته، على أن "الربط القاري الثابت بين المغرب وإسبانيا، في حال تحققه، سيُشكل تحولًا غير مسبوق في دينامية العبور بين الضفتين، وسيسمح بخلق ممر دائم للنقل السككي يمكنه استيعاب تدفقات هائلة من البضائع والمسافرين على مدار الساعة، دون التأثر بحالة البحر أو الطقس، عكس ما هو الحال مع النقل البحري التقليدي.، مبرزا أن الدراسات التقنية الأولية تتوقع أن النفق قد يمتد على طول 28 كيلومترًا تحت البحر، بعمق يزيد عن 300 متر في بعض النقاط، مع نظام نفقين متوازيين مخصصين للسكك الحديدية، ونفق ثالث للخدمات والصيانة، وهي بنية مماثلة من حيث النموذج لنفق "الشانيل" الرابط بين فرنسا وبريطانيا، مع اختلافات جيولوجية وهندسية تفرض تحديات إضافية في المضيق.

وسيعيد المشروع، تعريف موقع المغرب في سلاسل التوريد الأوروبية، وسيسمح بربط مباشر بين شبكة السكك المغربية التي تعرف توسعًا سريعًا، ونظيرتها الإسبانية والأوروبية، ما يعني إمكانية شحن البضائع من الدار البيضاء أو طنجة إلى باريس أو روما دون الحاجة لتفريغ وإعادة الشحن في الموانئ.، حسب المصدر ذاته، الذي أوضح أن أحد أهم أهداف المشروع يتمثل في تحويل المغرب إلى "محطة وصل قارية"، وليس مجرد نقطة عبور، حيث ستُبنى على ضفتي النفق مناطق لوجستية وصناعية متطورة، ومراكز تخزين وتوزيع، مما سيساهم في خلق مناصب شغل جديدة، وتنشيط التجارة البينية، خاصة في ما يتعلق بالمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية والمنسوجات.

وعن البُعد الجيوسياسي، أكّد المصدر أن "المشروع يحمل بعدًا سياديًا واضحًا، ويعزز تموقع المغرب كشريك موثوق وفاعل إقليمي محوري، خاصة في سياق تزايد أهمية الربط بين أوروبا وإفريقيا في مجالات الهجرة، الطاقة، وسلاسل التوريد البديلة. كما أنه يُشكّل فرصة ناعمة لتعزيز الشراكة مع إسبانيا على أسس المصالح المشتركة، بعيدًا عن التوترات الظرفية."

ورغم هذه الدينامية الجديدة، لا تزال هناك تحديات تقنية وجيولوجية كبيرة، إذ يُعرف مضيق جبل طارق بعمقه البحري الكبير وتنوع طبقاته الأرضية، ما يجعل أعمال الحفر والبناء معقدة ومكلفة. كما أن التمويل يبقى عاملاً حاسمًا، حيث يتطلب المشروع شراكة استثمارية دولية كبرى، قد تشمل الاتحاد الأوروبي، أو مؤسسات مالية عالمية، بالإضافة إلى القطاع الخاص، لكن في المقابل، فإن الإرادة السياسية المعبر عنها اليوم من الجانبين، والحركية المؤسساتية والعلمية الجديدة، تمثل عناصر مشجعة لإعادة فتح ملف النفق بجدية، بعد سنوات من الجمود والتأجيل.

ومشروع الربط الثابت (PLF) بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق، الذي يحمل أبعادًا قارية، أُطلق بشكل مشترك في يونيو 1979 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس الأول ملك إسبانيا، ويُعتبر خطوة استراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في المناطق المعنية على ضفتي إفريقيا وأوروبا، عبر تسهيل التبادلات البشرية والتجارية والخدماتية، كما من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في شبكات النقل وتخطيط الأراضي على جانبي المضيق، غير أنه واجه تحديات تقنية وسياسية واقتصادية حالت دون تنفيذه منذ ذلك الحين، ليبقى طي النسيان رغم استمرار الدراسات الجيوتقنية، التي قادتها كل من الشركة الوطنية للدراسات بمضيق جبل طارق (SNED) في الرباط، والشركة الإسبانية للدراسات للربط الثابت عبر مضيق جبل طارق (SECEGSA) في مدريد، منذ 24 أكتوبر 1980، حيث جُسدت الإرادة المشتركة للبلدين بتوقيع اتفاقية ثنائية بين حكومتيهما، بشكل يعكس التزامًا مؤسسيًا لتحقيق هذا المشروع الطموح.

وكانت "الصحيفة" الورقية قد انفردت شهر مارس الماضي، بنشر تفاصيل ومعطيات حصرية حول الربط القار المرتقب بين المغرب وإسبانيا، بناء على آخر ما وصلت إليه الدراسات التقنية والجيولوجية لمكتبي الدراسات التوأمين المغربي SNED  والاسباني SECEGSA، فيما أكدت المصادر الحكومية المغربية ونظيرتها الإسبانية للجريدة، أن اللجنة المختلطة المغربية الإسبانية للربط القار عبر مضيق جبل طارق، تستعد لعقد اجتماعها الـ 44، في غضون الأسابيع الموالية لنشر الملف المذكور، بطنجة من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الدراسات التقنية والاستكشافات المحددة للمشروع قبيل المرور إلى مرحلة الإنجاز التي لم يُحدد بعد موعد مباشرتها، بيد أن هذا الاجتماع لم يُعقد إلى حدود كتابة هاته الأسطر.

يذكر أن اللجنة الحكومية المغربية-الإسبانية المشتركة تُعتبر الهيئة الإدارية للمشروع ويفترض أن تعقد اجتماعاتها كل ستة أشهر، بيد أن الظروف المتواترة التي مرت بها العلاقات بين البلدين حالت دون ذلك، وتواصل الشركتان المكلفتان الاشتغال بتنفيذ خطط العمل التي توافق عليها اللجنة المشتركة وتعملان بتناسق تام وفقًا لمبدأ وحدة المشروع، وذلك منذ 27 سبتمبر 1989، عندما أبرمت الحكومتان اتفاقية ثنائية ثانية في ختام أعمال اللجنة المشتركة لتطوير الاتفاقية الأولى لعام 1980، بما يسمح بتكييف عمل الشركتين مع التقدم الذي حققه المشروع وتخطيط الإجراءات المستقبلية.

ويشكل المشروع حلقة وصل قوية، دائمة، ومستدامة لأنظمة النقل، ويعزز إمكانيات التنمية، ويصبح منصة لوجستية رئيسية على المستوى العالمي، بفضل تكامله مع شبكات النقل الأوروبية العابرة للقارات (مثل الأنفاق تحت جبال الألب) والأفريقية (مثل الممرات طنجة-لاغوس وطنجة-القاهرة) وامتداداتها نحو المناطق والدول المجاورة، كما يُعد المشروع محورًا قاريًا بفضل موقعه كبوابة للبحر المتوسط ووجود الموانئ الدولية الكبرى مثل طنجة المتوسط والجزيرة الخضراء.

وتبرز الأهمية الجيوستراتيجية للمشروع، بالإضافة إلى إمكانياته في تطوير النقل الجماعي عبر السكك الحديدية لمسافات طويلة، مما يدعم تنفيذ المشروع وإشراك المجتمع الدولي، لا سيما الاتحاد الأوروبي، في تمويله مع مراعاة تأثيراته على جميع المستويات.

وبالنظر إلى المشاريع المماثلة ذات الحجم الاستثنائي حول العالم (مثل نفق المانش، نفق سايكان في اليابان، ونفق سانت غوثارد في سويسرا)، فإن الجدول الزمني لتصميم المشروع يمتد لعقود من الدراسات، فخلال 43 عامًا من العمل، قامت الشركتان بتطوير معرفة استراتيجية من خلال تنفيذ سلسلة من الأنشطة والدراسات ضمن خطط العمل التي أقرّتها اللجنة المشتركة.

وتمت تجارب على بناء منشآت تجريبية (أنفاق وآبار) على ضفتي المضيق، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات حفر برية و42 حملة استكشاف بحرية في ظروف ملاحية معقدة، كما أدت هذه الجهود إلى اختيار الحل المتمثل في "نفق بحري محفور للسكك الحديدية" بطول 42 كيلومترًا (27.8 كيلومتر تحت قاع البحر) عام 1996، وذلك بعد إجراء تحليل مقارن متعدد المعايير بين الحلول المقترحة منذ عام 1983 وحتى 1996.

وتطلبت دراسة الجدوى لهذه البديل الأساسي، من عام 1997 إلى 2005، إجراء تحقيقات جيولوجية إضافية، شملت خمس حملات حفر في أعماق البحار تجاوزت 2800 متر في عمق يصل إلى 280 مترًان فيما خلصت اللجنة المشتركة في دورتها الثانية والأربعين يوم 29 أكتوبر 2009 إلى ضرورة إزالة الشكوك المتعلقة بالتكوينات الجيولوجية في وسط المضيق وتطوير تقنيات حفر الأنفاق.

وفي 2 فبراير 2023، تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال البنية التحتية في الرباط بين وزارة النقل الإسبانية ووزارة التجهيز المغربية، وتنص المذكرة على "إعادة إطلاق وتحديث مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق في إطار اللجنة المشتركة، مع مراجعة استراتيجية العمل وخطط شركتي SECEGSA وSNED".

وفي 10 أبريل 2023، عقدت اللجنة المشتركة المغربية-الإسبانية دورتها الـ43 برئاسة نزار بركة وزيرة التجهيز المغربية، وراكيل سانشيز خيمينيز وزيرة النقل الإسبانية، وهو الاجتماع الذي عقد بعد 14 عامًا من الدورة السابقة عام 2009 في طنجة.

من جهة ثانية، فقد أسفرت هذه الديناميكية عن إعادة الإطار القانوني والتنظيمي لعمل الشركتين المغربية والإسبانية، بما في ذلك تحديث أنظمتهما وإدماج السفراء في مجلس الإدارة لكل شركة، وإعادة هيكلة الشركتين بدعم من السلطات المعنية لتسريع إنجاز الدراسات اللازمة، ووضع المبادئ والمحاور الكبرى لخطة عمل مشتركة متعددة السنوات للشركتين SNED وSECEGSA.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...