المغرب وفرنسا والبرود الذي طال أمده.. البلدان يعيشان على وقع التباعد في زمن ماكرون وباريس تفقد "حُظوتها" بالمملكة

 المغرب وفرنسا والبرود الذي طال أمده.. البلدان يعيشان على وقع التباعد في زمن ماكرون وباريس تفقد "حُظوتها" بالمملكة
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 11 غشت 2022 - 12:00

لا شيء يستطيع توصيف العلاقات المغربية الفرنسية حاليا أكثر من كلمة "الجمود"، فالبلدان اللذان ارتبطا بعلاقات تاريخية طويلة ومصالح اقتصادية وأمنية متشعبة، دخلا، في زمن الرئيس إيمانويل ماكرون، مرحلة توقفت فيها أو تكاد سلسلة الزيارات المتبادلة التي كانت عنوانا بارزا لتقاطع المصالح بين الرباط وباريس طيلة عقود، كما لم يعد المتتبعون للشأن الاقتصادي يلمسون ذاك الحضور الطاغي للفرنسيين داخل المغرب.

والمؤكد أن هذه الأزمة الصامتة لم تعد خافية على أحد، حتى مع تفضيل البلدين عدم الحديث عنها، بل إن هذا الأمر تحديدا هو ما يؤكد وجودها، بالإضافة إلى وجود مؤشرات تباعد كثيرة تصل أحيانا درجة الصدام كما كان عليه الأمر حين قررت باريس تقليص التأشيرات المسلمة للمواطنين المغاربة، أو حين دخلت الرباط في معركة قضائية مع المؤسسات الإعلامية الفرنسية.

التأشيرات.. إعلانٌ للخصومة

وفي الوقت الذي كانت فيه ملامح البرود تطغى على العلاقات المغربية الفرنسية، وفي فترة لم يلق فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفس الحفاوة التي كان يلقاها سابقوه بمن فيهم الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولند، أقدمت باريس على خطوة شكلت ضربة قاسية لجميع جهود التقارب. ففي 27 شتنبر 2021 أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، غابرييل أتال، خفض التأشيرات التي ستسلمها قنصليات بلاده للمواطنين المغاربة بنسبة 50 في المائة.

ولكن ما أغضب المغرب ليس هو القرار في حد ذاته، بل لأن الحكومة الفرنسية أصرت على تصنيفه في خانة "العقوبة" إذ اعتبرت أنه "إجراء ضروري" ضد 3 بلدان مغاربية هي المغرب والجزائر وتونس لأن هذه الدول ترفض استعادة مواطنيها الذين لا ترغب فرنسا في بقائهم على أراضيها، مبدية استياءها من الإجراءات التي تقوم بها سلطات الرباط من أجل إتمام الأمر، حيث على باريس تأمين تصريح قنصلي من المغرب وهي وثيقة لا تُسلم بسهولة.

وبشكل صريح لم يخفِ المسؤول الحكومي الفرنسي الاتجاه الذي اختارته باريس في التعامل مع هذا الملف، وهو خيار يفتقر للندية ويندرج في خانة تعامل المستعمر مع مستعمراته السابقة، الأمر الذي تبدي البلدان المغاربية حساسية جديدة منه، فالرجل قال إنه "كان هناك حوار ثم كانت هناك تهديدات، واليوم ننفذ تلك التهديدات، ونأمل أن يكون الرد مزيدا من التعاون مع فرنسا حتى نتمكن من تطبيق قواعد الهجرة الخاصة بنا"، لكن عمليا لم يحصل ما يتمناه إلى الآن بعد مرور أكثر من 10 أشهر على هذه الخطوة.

الرباط لا تغير قوانينها

وكان واضحا منذ البداية، وفي سياق كان فيه المغرب قد مضى بشكل كبير في تطبيق نهج دبلوماسي جديد قائم على التعامل الندي وأحيانا الحدي، مع العديد من القوى العظمى، مثل ألمانيا وإسبانيا وحتى حليفته العسكرية الأهم، الولايات المتحدة الأمريكية، بل ومع بلدان يصنفها في خانة "الشقيقة" مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، أنه من الصعب أن تحقق الخطوة الفرنسية نتائج دبلوماسية، حتى وإن أضرت عمليا بمصالح وخطط العديد من المغاربة.

واتضح ذلك بجلاء حين تحدث وزير الشؤون الخارجية المغربي عن الموضوع في اليوم الموالي، حين أورد أن المبررات التي ساقتها فرنسا "غير دقيقة"، معتبرا أن المغرب يتعامل مع الأمر بالمسؤولية والتوازن اللازمين، وأبرز أنه كانت التعليمات واضحة للقنصليات المغربية في هذا السياق، حيث سُلمت خلال 8 أشهر الماضية ما يقارب 400 جواز مرور لأشخاص مغاربة كانوا في وضعية غير قانونية على الأراضي الفرنسية من أجل العودة إلى المغرب.

وكان أهم ما جاء على لسان بوريطة هو تأكيده على أن منح التأشيرات للمغاربة هو قرار سيادي فرنسي لا تتدخل فيه المملكة، لكن المبررات التي بنيت عليه ليست حقيقية، مشددا على أن المغرب "لن يغير قوانينه من أجل ذلك"، وبالفعل فإن المسلسل المستمر إلى الآن هو إصرار فرنسا على حرمان العديد من المغاربة، بمن فيهم مسؤولون سياسيون وأصحاب مصالح مهنية، من التأشيرة، ما دفعهم إلى التوجه أكثر صوب القنصليات الإسبانية، أما الرباط فلا زالت إلى الآن ترفض تغيير شروط استقبال من ترغب فرنسا في التخلص منهم.

معركة "بيغاسوس" القضائية

وقبل مشكلة التأشيرات، كان شرر الأزمة قد بدأ يتطاير بشكل كبير في يوليوز من سنة 2021، عندما قامت مؤسسة "القصص الممنوعة" الموجود مقرها في باريس ومنظمة العفو الدولية، بتبني مشروع تحقيق استقصائي حول استخدام برنامج التجسس "بيغاسوس" الذي تطوره شركة NSO الإسرائيلية، شاركت فيه مؤسسات إعلامية فرنسا وهي "لوموند" و"راديو فرنسا" و"ميديا بارت"، والذي اتهم المغرب باستخدام هذا البرنامج لاختراق هواتف زعماء ومسؤولي الدول، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وبسرعة اعتبرت الرئاسة الفرنسية في أول تعليق رسمي على الأمر أن هذا الأمر "سيكون خطيرا لو كانت تلك المعلومات صحيحة بالفعل"، وفي الوقت الذي خرج فيه رئيس الحكومة المغربية وقتها سعد الدين العثماني لنفي أي تورط للمغرب في عملية التجسس ومطالبة المنظمات التي نشرت المواد الصحفية بالكشف عن دلائلها، أعلنت النيابة العامة الفرنسية عن فتح تحقيق في الموضوع، لتقوم الرباط بعدها برفع دعوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية.

وقدمت الرباط 4 شكايات اثنتان منها ضد "لوموند" وواحدة ضد "ميديا بارت" وأخرى ضد "راديو فرنسا"، متهما إياها بالتشهير، لكنه كان قبل ذلك قد رفع دعاوى قضائية في باريس ضد المنظمتين اللتين مولتا التحقيقات، لكن المفاجأة كانت هي أن القضاء الفرنسي رفض قبول الدعاوى وهو الأمر الذي أكده محامي المملكة مبرزا أن المحكمة اعتبرت أنه ليس بإمكان دولة ما رفع دعاوى التشهير لأنها ليست مساوية للفرد، الأمر الذي عمق الأزمة بين باريس والرباط، لأن تلك المؤسسات الإعلامية لم تكشف عن دلائلها، كما لم تتراجع عن اتهاماتها ضد المغرب.

لغة المصالح وتحذير هولاند

ويبدو أن فرنسا أصبحت تفقد تدريجيا مكانتها الفريدة دال الفضاء الاستثماري المغربي، فالبلد الذي كان دخل مبكرا سوق السيارات في المغرب وحظيت استثمارات شركاته بمواقع جغرافية استراتيجية وامتيازات ضريبية عديدة، من خلال شركة "رونو" بطنجة وPSA المنتجة لعلامتي "بيجو" و"سيتروين" في القنيطرة، لم يعد اليوم الشريك التجاري الأول للمملكة، بعدما أخذت إسبانيا هذا الموقع حتى في زمن الأزمة مع الرباط، كما أن مشروع القطار فائق السرعة "البراق" الذي دشنه الملك محمد السادس والرئيس ماكرون في نونبر من سنة 2018 آخر مشروع مشترك استراتيجي بينهما.

وفي الوقت الذي استمر فيه التباعد بين البلدين خلال الولاية الثانية لماكرون، فإن سلفه هولاند حذر من ذلك، بشكل صريح في مقال نشرته صحيفة "لوفيغارو" يوم 7 غشت الجاري، حين عبر عن تخوفه من أن يتطور الأمر إلى فقدان فرنسا لشراكتها الاقتصادية مع بلدان المنطقة المغاربية، قائلا إنه يشاطر الملك محمد السادس السادس قناعاته حين تحدث في خطاب العرش الأخير عن المصير المشترك لتلك الدول، مبرزا أن دعائم ذلك هي الطاقة والأمن والتنمية الاقتصادية والتغير المناخي والاستقرار في مناطق الساحل وغرب القارة الأفريقية.

وانتقد آخر رئيس اشتراكي لفرنسا قرار باريس تقليص عدد التأشيرات المسلمة للدول المغاربية، قائلا: "يؤسفني أكثر قرار السلطات الفرنسية بتخفيض شديد لعدد التأشيرات التي كانت تُمنح لأشخاص مرتبطين بثقافتنا وبلدنا بشكل كبير. هذه الطريقة تؤذي بلاد داعٍ، دون أن تكون فعالة في السيطرة على الهجرة غير الشرعية"، وأورد "حان الوقت لإعادة إطلاق الشراكة مع الدول المغاربية كلها وطرح جميع المواضيع التي يمكن أن تبعدنا عن بعض وتوطيد كل ما يجمعنا حتى نتمكن من الانتقال إلى مرحلة جديدة وبسرعة، ولذلك يجب على فرنسا أن تبدي استعدادها".

البحث عن موقع في الصحراء

وبالإضافة إلى كل ذلك، يلعب ملف الصحراء أيضا دورا في برود العلاقات المغربية الفرنسية، والبرود هو الصفة التي تنسحب أيضا على تعامل باريس مع هذا الملف الذي تعتبره الرباط قضيتها الوطنية الأولى، وهذا لا يعني أن الفرنسيين تراجعوا عن موقفهم التقليدي المساند للمغرب والذي كان سباقا لفتح الباب لفكرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، وإنما لأن المغاربة صاروا أكثر قدرة على استقطاب مواقف أخرى بما فيها المنافسة لفرنسا على النفوذ.

ولذلك، نجد فرنسا من بين الدول التي ساندت قرار مجلس الأمن 2602 بخصوص الصحراء الذي رحبت به الخارجية المغربية باعتباره شكل انتصارا لها، في حين هاجمته الجزائر وجبهة "البوليساريو" الانفصالية، لكن القلم الذي خط نص القرار كان في الحقيقة أمريكيا، في تأكيد على استمرار واشنطن في دعم مغربية الصحراء رغم أن ساكن البيت الأبيض أصبح هو الديمقراطي جو بايدن لا الجمهوري دونالد ترامب، وفي ذلك مؤشر على النفوذ الأمريكي في المنطقة الذي كانت له بصمات عسكرية حين جرت مناورات الأسد الإفريقي لسنتين متتاليتين في منطقة "المحبس" بالصحراء.

وأضحت فرنسى تفقد أولويتها التاريخية لدى المغرب على المستوى الاقتصادي، الأمر الذي يتضح بشكل كبير عند الحديث عن الصحراء، فالرباط لعبت هذه الورقة بشكل واضح مع إسبانيا وألمانيا اللتان أعلنتا مساندة الطرح المغربي بعد أزمة دبلوماسية اختارت فيها الرباط لغة الندية، ويبرز أيضا من خلال التعامل مع بريطانيا في مشروع الربط الكهربائي القائم على الطاقات المتجددة، في حين تقف باريس متفرجة دون موقع ملموس على خريطة المصالح الاقتصادية في الصحراء.

هناك ما هو أهم من "ذباب الجزائر"!

لم تكن العلاقة بين المغرب والجزائر ممزقة كما هو حالها اليوم. عداء النظام الجزائري لكل ما هو مغربي وصل مداه. رئيس الدولة كلما أُتيحت له فرصة الحديث أمام وسائل الإعلام ...

استطلاع رأي

في رأيك، من هو أسوأ رئيس حكومة مغربية خلال السنوات الخمس والعشرين من حكم الملك محمد السادس؟

Loading...