المغرب يعتزم تنظيم أكثر الانتخابات "نزاهة" في 2026.. لبكر: غياب "الفاسدين" سيُنتج تمثيلية حقيقية تعبر عن خارطة سياسية صحيحة في البلاد
في خطوة وصفت بأنها تمهيد لتنظيم "أكثر الانتخابات نزاهة في تاريخ المغرب الحديث"، صادق المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس، يوم الأحد الماضي بالقصر الملكي بالرباط، على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، في إطار التحضير المبكر للاستحقاقات التشريعية المزمع تنظيمها سنة 2026.
ويأتي هذا المشروع ضمن حزمة إصلاحات مؤسساتية أقرها المجلس الوزاري، بالتزامن مع المصادقة على التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، في سياق سياسي يسعى إلى تجديد الثقة في العملية الانتخابية وتعزيز الشفافية والمصداقية داخل المؤسسات التمثيلية.
وحسب بلاغ للديوان الملكي، فإن المشروع الجديد ينص على تحصين الولوج إلى المؤسسة النيابية أمام كل من صدرت في حقه أحكام قضائية تُسقط الأهلية الانتخابية، واستبعاد أي مترشح تم ضبطه في حالة التلبس بارتكاب جرائم تهدد سلامة العمليات الانتخابية، مع تشديد العقوبات ضد كل محاولة للإخلال بنزاهة الاستحقاقات في أي مرحلة من مراحلها.
كما يتضمن المشروع إجراءات جديدة لدعم المشاركة السياسية للشباب دون 35 سنة، من خلال تبسيط شروط الترشح سواء في الأحزاب أو بشكل مستقل، إضافة إلى تخصيص دعم مالي يغطي 75 في المائة من مصاريف الحملات الانتخابية لفائدتهم.
وفي ما يتعلق بتمثيلية النساء، خصص المشروع الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا للمترشحات، في خطوة تعتبر امتدادا للمكتسبات التي حققها المغرب في مجال المناصفة والمساواة السياسية، وتعكس إرادة الدولة في توسيع حضور المرأة داخل المؤسسة التشريعية.
ويرى مراقبون أن هذه التعديلات تمثل تحولا نوعيا في مسار الإصلاح الانتخابي بالمغرب، بعد عقود من النقاش حول ضرورة إبعاد المال الفاسد والوجوه المثيرة للجدل عن المشهد السياسي، بما يعيد الثقة إلى الناخبين ويعزز مصداقية المؤسسات المنتخبة.
وفي هذا السياق، قال الخبير السياسي وأستاذ القانون العام بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، رشيد لبكر، في تصريح لـ"الصحيفة"، إن منع الفاسدين من الترشح للانتخابات معناه فتح المجال أمام الوطنيين من أصحاب اليد النظيفة للاضطلاع بمهمة التمثيل الحقيقية.
وأضاف لبكر أن النزاهة هي الأولى دائما، بل هي مقدمة حتى على الكفاءة موضحا أنه يأمل في أن يتم اعتماد هذا المقتضى حتى "نضمن تطهير العملية الانتخابية من كل الشوائب التي قد تؤثر على اختيارات المواطنين، وبالتالي إفراز الأنظف والأصلح من بين المرشحين".
غير أن لبكر حذّر في المقابل من احتمال أن تواجه هذه الخطوة مقاومة داخل بعض الأحزاب، قائلا إن "السؤال يبقى معلقًا على مدى النجاح في تمريره من عدمه، إذ من المحتمل أن بعض الأحزاب التي دافعت عن تضمينه في مقترحاتها لم تفعل ذلك إلا من أجل إنقاذ ماء الوجه والركوب على خطاب الإصلاح الرائج، دون أن يكون لديها تصميم فعلي على إقراره".
وأشار الخبير السياسي في هذا السياق إلى أن رهان عدد من هذه الأحزاب في كسب المقاعد ظل معلقًا على أصحاب المال والمصالح ممن تحوم حولهم الشبهات، فلو مُنع هؤلاء من الترشح، لانكشفت حقيقتها وضعفها في إقناع المواطنين.
وبخصوص مؤشرات نزاهة الانتخابات القادمة، يرى لبكر أنه من الصعب الجزم منذ الآن، "لكن هناك مؤشرات تشجع على القول بأنها ستكون أحسن من سابقاتها" وفق تعبيره، مشيرا في هذا الإطار إلى النقاش الذي فتحته وزارة الداخلية بأمر من الملك محمد السادس مع كافة الأحزاب لتوفير الشروط المثلى لإجراء الانتخابات القادمة.
وأضاف في هذا السياق أن الدينامية الكبيرة التي أحدثها جيل Z في النقاش السياسي بالبلاد دفعت بالملك محمد السادس في كلمته أمام البرلمان إلى توجيه نقد للأحزاب التي لا تقوم بدورها في تأطير المواطنين، معتبرا أن هذا الخطاب "دعوة صريحة للأحزاب كي تطور أداءها وتختار المرشحين الأصلح والأكثر كفاءة ونزاهة".
وشدد لبكر على أن اختيار المرشح الأصلح هو من أهم أسس التطوير الذي سيضمن النزاهة التي يتطلع إليها المغاربة، كي تستجيب الانتخابات القادمة لتطلعات الجميع، ولاسيما فئة الشباب.
وفي تحليله لتأثير استبعاد "الفاسدين" على المشهد السياسي المقبل، قال الخبير السياسي إن "غياب هؤلاء سيكون له أثر مؤكد، سواء من جهة إنتاج تمثيلية حقيقية تعبر عن خارطة سياسية صحيحة، أو من جهة إفراز الأحزاب ذات المصداقية من غيرها".
وأضاف أن هذا التوجه سيفتح المجال أمام الفعاليات النزيهة والغيورة لتحمل مسؤوليتها في واجب التمثيل والدفاع عن الصالح العام، وهو ما سيعيد الاعتبار للممارسة السياسية ويعزز الثقة بين المواطن والمؤسسة المنتخبة.



