"المَعركة المُقدّسة".. المغرب يجمع الأصوات القانونية لطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، والجزائر "تُقاوم"

 "المَعركة المُقدّسة".. المغرب يجمع الأصوات القانونية لطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، والجزائر "تُقاوم"
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأربعاء 7 شتنبر 2022 - 21:35

دخل المغرب والجزائر معركة كسر العظام بخصوص قضية الصحراء داخل القارة الإفريقية، ففي حين يضع قصر المرادية هذا الموضوع في أولى أولوياته، ويجند له الأموال وسلاح الطاقة وكامل قدراته الدبلوماسية لجلب الدعم الصريح للطرح الانفصالي، أصبحت الرباط أكثر وضوحا ومباشرَةً في دعوة دول القارة السمراء إلى الحديث بلغة المصالح وفتح حدودها لرأس المال المغربي الذي يملك القدرة على الاستثمار في العديد من المجالات، مقابل طي صفحة صراع يعود تاريخه لمرحلة الحرب الباردة.

وفي الوقت الذي يستمر فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في طرق أبواب الخصوم التقليديين للمغرب في قضية الصحراء، مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا، واللجوء إلى كل أشكال الترغيب الممكنة لبلدان أخرى غارقة في الأزمات، مثل تونس، أتت دعوة صريحة من القصر الملكي المغربي يوم 20 غشت 2022، عبر خطاب الملك محمد السادس، الذي أعلن أن ملف الوحدة الترابية هو "المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".

خطة بدأت منذ 2016

ولا يحتاج الوضع الحالي إلى الكثير من التأمل لفهم سبب احتدام هذا الصراع، لأن الأمر يتعلق بسباق يقترب المتسابقون فيه من الوصول إلى الدورة الأخيرة التي تتطلب سرعة نهائية وتكتيكا يُقلص الأخطاء إلى حدها الأدنى، كلمة السر فيها هي "الاتحاد الإفريقي"، المنظمة التي عاد إليها المغرب سنة 2016 وسط اعتراض مُعلن من الجزائر ومن جبهة "البوليساريو"، التي تملك العضوية في المنظمة باعتبارها "الجمهورية الصحراوية"، وهو ما تستند عليه إلى غاية اليوم لاكتساب "شرعيتها".

وبعد أن كان قبول عضوية "البوليساريو" مدعاة لانسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، المسمى القديم للاتحاد الإفريقي، في شتنبر 1984 باعتباره اعترافا بانفصال الصحراء عن تراب المملكة، كان قرار العودة في يوليوز من سنة 2016 إثر تغيُّر موازين القوى الدبلوماسية والاقتصادية داخل القارة، وبدا انعكاس ذلك واضحا داخل الاتحاد، حين حصلت المملكة على دعم كبير أثناء رجوعها الذي أعلن عنه الملك محمد السادس من أديس أبابا.

لكن عودة المغرب لم تكن اعترافا بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، لأن الهدف الذي كانت تعكسه تحركات الرباط طيلة السنوات الست الماضية هي إخراج هذا الكيان من الاتحاد الإفريقي، الأمر الذي يتطلب نفسا طويلا لجمع أصوات ثلثي الدول، الأمر الذي تعيه الجزائر ومعها جبهة "البوليساريو"، هذه الأخيرة التي سبق لقادتها مرارا أن تحدثوا عن الأمر باعتبارهم سيعملون في الاتجاه المعاكس، أي على إخراج المملكة من المنظمة، إلا أن المعطيات على أرض الواقع لا تخدم هذا الطرح حسابيا وسياسيا.

تونس.. المعركة تتجلى

وبدت هذه الحرب الدبلوماسية واضحة خلال انعقاد مؤتمر طوكيو لتنمية إفريقيا في نسخته الثامنة "تيكاد 8"، الذي احتضنته العاصمة التونسية يومي 27 و28 غشت الماضي، وهو المؤتمر الذي تُستدعى له دول الاتحاد الإفريقي التي لها علاقات دبلوماسية قائمة مع اليابان، لكن الجزائر نزلت بثقلها قبل ذلك بشهور لضمان حضور ما يسمى "الجمهورية الصحراوية" التي لا تعترف بها الحكومة اليابانية، مقدمة للرئيس التونسي قيس سعيد، الدعم المالي والسياسي الكامل.

وكان لاستقبال سعيد لزعيم جبهة "البوليساريو" معناه الرمزي، الذي أصرت الجبهة الانفصالية والجزائر على إبرازه، والذي جرى تمريره على لسان الخارجية التونسية، باعتبار أن الأمر يتعلق بـ"دولة عضو" في الاتحاد الإفريقي، على الرغم من أن اليابان أخطرت هذه الأخيرة مسبقا بأن "الكيان المذكور" كما وصفته تمثيليتها في أديس أبابا، غير معنية بالدعوة، ثم أكدت بعد ذلك أن موقفها من الجبهة لم يتغير، إلا أن ما كان مُهما بالنسبة لتبون الذي أعلن في يوليوز الماضي أن سعيد "يمثل الشرعية" في بلاده، والذي منحه قبل ذلك قرضا بـ300 مليون دولار ووعودا بإمدادات إضافية من الغاز، تحقق بالفعل.

وبعد ذلك بيوم واحد، كانت الجزائر تضع ملف الصحراء على طاولة دولة أخرى، وهي إثيوبيا التي بدأت تبرز ملامح شراكة اقتصادية كبيرة تجمعها بالمغرب من خلال مصنع للأسمدة يضع فيه المكتب الشريف للفوسفاط استثمارات تبدأ بـ2,4 مليارات دولار، لذلك عجل تبون باستقبال رئيس وزرائها آبي أحمد، بعد أشهر من إعلان وزير الموارد المائية مصطفى ميهوبي، عن تقدير بلاده "لحق إثيوبيا الكامل في تنمية مواردها المائية"، عارضا عليها "خبرات الجزائر في حماية الموارد المائية"، ما يعني الدعم الصريح لأديس أبابا في قضية سد النهضة على حساب القاهرة.

مغربية الصحراء مقابل الشراكة الاقتصادية

ولأن ورقة المال التي تلعبها الجزائر، تبدو أكثر قدرة على تحقيق نتائج تخدم الطرح الانفصالي حاليا، بفعل المداخيل التي حققتها من زيادة تدفقاتها الطاقية إلى أوروبا وخصوصا من الغاز الطبيعي، وارتفاع أسعارها في السوق الدولية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، فإن المغرب في المقابل مر إلى سرعة أعلى في تحريك العجلة المزدوجة التي تعتمد على الشراكة الاقتصادية والعمل الدبلوماسي، وهو الأمر الذي يحاول به استقطاب خصوم تقليديين لوحدته الترابية مثل نيجيريا وإثيوبيا وحتى جنوب إفريقيا.

لكن نتائج ذلك تبدو بشكل أوضح مع دول أخرى، إحداها تنزانيا، إحدى البلدان التي تملك ثقلا تاريخيا في منطقة شرق القارة، هذه الأخيرة التي توجد حاليا في حالة تقارب غير مسبوقة مع المغرب، احتاجت إلى النفس الطويل، الذي بدأ بزيارة الملك لها سنة 2016، ووفق المعطيات التي حصلت عليها "الصحيفة" فإن هذه الدولة ستفتتح القنصلية رقم 29 في الصحراء المغربية، وستكون الدولة الإفريقية رقم 22 التي تفعل ذلك، ومعها ستفتح أبوابها لاستثمارات مغربية ضخمة في المجالات الخدماتية والصناعية، بعدما أعلنت جمهورية التشاد، اليوم الأربعاء، عن قرار افتتاحها قنصلية عامة في مدينة الداخلة لدعم الوحدة الترابية للمملكة.

ويُلاحظ خلال الأسابيع الماضية أن الدبلوماسية المغربية ضخت دماء جديدة في مسلسل افتتاح القنصليات، مع التركيز أساسا على الدول الإفريقية، وكأنها تعد العدة لحصد النصاب القانوني لطرد جبهة "البوليساريو" من المنظمة، ففي 21 يوليوز قامت جمهورية التوغو بافتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة، ثم يوم 31 غشت قامت جمهورية الرأس الأخضر بخطوة مماثلة، وذلك بعد أيام من إعلان الملك محمد السادس أن حوالي 40 في المائة من الدول الإفريقية قامت بفتح قنصليات لها بصحراء المغربية.

لعبة الأرقام والاستقطابات

وللوقوف على مدى قرب المغرب من الوصول إلى هدف طرد "البوليساريو" من الاتحاد الإفريقي، لا بد من الوقوف على المعطيات الرقمية والسياسية من جهة، والقانونية من جهة أخرى، لأن الأمر يتطلب الوصول إلى نصاب ثلث الأعضاء لاتخاذ هذا القرار، وهو مسار لا يحتاج فقط إلى عمليات حسابية فقط، بل إلى حشد الدعم من القوى ذات التأثير الوازن داخل المنظمة، بحكم أن العديد من الدول لديها تأثير كبير ومباشر على جيرانها أو محيطها الإقليمي.

وبالرجوع إلى القائمة الكاملة للبلدان التي افتتحت قنصليات لها في العيون والداخلة، سنجد أنها تشمل السنغال والكوت ديفوار والغابون والكونغو الديمقراطية وزامبيا وغينيا وليبيريا وبوركينا فاسو، إلى جانب جزر مالاوي والقمر وساو تومي وبرينسيبي وبوروندي وإفريقيا الوسطى ومملكة سواتيني وغامبيا وجيبوتي وسيراليون والطوغو والرأس الأخضر وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية، ما يعني أن المغرب، وباحتساب صوته هو، يملك 23 صوتا داخل المنظمة من أصل 54 يدعم وحدته الترابية.

وما يحتاجه المغرب هو الوصول إلى 36 صوتا، وهو ما يقرب الدبلوماسية المغربية منه الدعم الذي تُعبر عنه دول أخرى لمغربية الصحراء دون افتتاح قنصلية في الداخلة أو العيون، على غرار مالي وبنين التي عبرت عن دعمها للرباط عند تنفيذ قواتها المسلحة للعملية الميدانية في الكركارات سنة 2020، أو السودان وليبيا وجمهورية الكونغو، التي قعت طلبا موجها لرئاسة الاتحاد الإفريقي من أجل تعليق عضوية "البوليساريو" في المنظمة سنة 2016.

هناك ما هو أهم من "ذباب الجزائر"!

لم تكن العلاقة بين المغرب والجزائر ممزقة كما هو حالها اليوم. عداء النظام الجزائري لكل ما هو مغربي وصل مداه. رئيس الدولة كلما أُتيحت له فرصة الحديث أمام وسائل الإعلام ...

استطلاع رأي

في رأيك، من هو أسوأ رئيس حكومة مغربية خلال السنوات الخمس والعشرين من حكم الملك محمد السادس؟

Loading...