اليماني لـ "الصحيفة": لوبيات المحروقات "نهبت" 90 مليار درهم من أرباح القطاع منذ قرار التحرير بدعوى دعم قطاعي الصحة والتعليم اللذان أخرجا "جيل Z" للاحتجاج

 اليماني لـ "الصحيفة": لوبيات المحروقات "نهبت" 90 مليار درهم من أرباح القطاع منذ قرار التحرير بدعوى دعم قطاعي الصحة والتعليم اللذان أخرجا "جيل Z" للاحتجاج
الصحيفة من الرباط
الأربعاء 8 أكتوبر 2025 - 16:29

تحوّل تحرير أسعار المحروقات في المغرب من قرار وُصف بـ"الإصلاحي" إلى عنوان بارز لأزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة فبينما بُرّر في البداية بالرغبة في تخفيف أعباء صندوق المقاصة وتوجيه موارده نحو الصحة والتعليم موضوع احتجاجات شباب زيد اليوم انتهى الأمر إلى واقع مغاير أسعار ملتهبة في محطات الوقود.

أرباحٌ فاحشة لشركات التوزيع، وتراجع مطّرد في القدرة الشرائية للأسر فيما الفارق بين السعر الحقيقي للغازوال والبنزين وبين ما يؤديه المواطن عند المضخة، لا ينعكس إلا في جيوب الفاعلين الكبار الذين راكموا خلال عقد واحد عشرات المليارات، فيما ظلّت الخدمات العمومية تراوح مكانها، لينكشف لذلك نكشف وجه آخر لتحرير السوق، حيث تقاطعت المصالح الاقتصادية مع القرار السياسي ويبقى السؤال مطروحًا بإلحاح هل كان التحرير إصلاحا ضروريا أم مدخلا إلى احتكار جديد يثقل كاهل المغاربة كل يوم؟.

وقرار تحرير أسعار المحروقات، شكل تحوّلا عميقا في بنية السوق، حيث انتقلت سلطة تحديد الأسعار من يد الدولة إلى قبضة شركات التوزيع الكبرى وهو التحول، الذي انطلق في عهد حكومة بنكيران وسرعان ما تحوّل إلى رافعة لزيادة الأرباح على حساب المواطنين خاصة وأن من بين أبرز المستفيدين توجد شركات مرتبطة بعزيز أخنوش، الذي كان حينها وزيرا للفلاحة قبل أن يصبح رئيسا للحكومة وهنا تتقاطع السياسة بالاقتصاد، في سياق يثير الكثير من التساؤلات حول تضارب المصالح وحدود المنافسة العادلة.

في هذا الإطار، قال الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز الحسين اليماني، في تصريح لـ "الصحيفة" يعيد إلى الواجهة واحدة من أعقد القضايا الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، وهي قضية تحرير أسعار المحروقات وما خلفته من تداعيات عميقة على المعيش اليومي للمغاربة وعلى موازين القوى بين الدولة واللوبيات الاقتصادية المتحكمة في السوق، إن المغرب أمام مُفارقة صارخة تتجلى في أرباح بالمليارات في جيوب قلة من الفاعلين وخسارات بالجملة في حياة المواطنين حيث كشف عن اختلالات بنيوية جعلت من قرار اتخذ قبل عشر سنوات مدخلا لتضخم أرباح شركات التوزيع بشكل غير مسبوق، في مقابل تدهور الخدمات الاجتماعية وتفاقم الغضب الشعبي.

وحسب اليماني، فإن السعر الحقيقي للتر الغازوال في السوق الدولية، بعد احتساب مصاريف النقل والتخزين والضرائب، لا يتجاوز 9,1 دراهم، فيما يقف سعر البنزين عند 9,9 درهم، لكن المواطن يشتري اليوم هذه المواد في محطات التوزيع بأسعار لا تقل عن 10,7 دراهم للغازوال و12,7 دراهم للبنزين. 

وهذا الفارق البسيط في الظاهر يمثل في الواقع أرباحا إضافية تتراوح بين 1,6 درهم في الغازوال و2,8 درهم في البنزين، وهي أرقام ضخمة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن المغرب يستهلك سنويا حوالي 7 مليارات لتر من الغازوال ومليار لتر من البنزين، بما يعادل أكثر من 9 مليارات درهم أرباحا زائدة كل سنة، أي ما يقارب 90 مليار درهم خلال عقد من اعتماد نظام التحرير وهذه الأرقام تكشف حجم المفارقة بين ما كان معمولا به قبل التحرير، حيث لم تكن هوامش الربح تتعدى 0,6 درهم في الغازوال و0,7 درهم في البنزين، وبين الوضع الحالي الذي سمح للشركات بزيادة أرباحها بشكل فلكي على حساب جيوب المواطنين.

المستفيد الأكبر من هذا الوضع، بحسب منتقدي سياسة التحرير هي شركات التوزيع وعلى رأسها شركة "أفريقيا غاز" المملوكة لرئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش وهنا تتجلى بوضوح إشكالية تضارب المصالح التي تثير جدلا واسعا فالرجل الذي كان وزيرا في حكومة بنكيران التي أطلقت قرار التحرير، هو نفسه رئيس الحكومة اليوم، وفي الوقت ذاته واحد من أبرز المستفيدين المباشرين من هوامش الربح الجديدة. 

وهذه الوضعية تمنح صورة صادمة عن تحكم اللوبيات الاقتصادية في القرار السياسي، وعن غياب آليات حقيقية للمنافسة في السوق، وهو ما يجعل المواطن المغربي يدفع الثمن مضاعفا مرة عند تعبئة سيارته ومرة أخرى عند طرق أبواب المستشفيات والمدارس العمومية التي لم تعرف أي تحسن رغم كل الوعود بأن أموال المقاصة ستوجه إليها.

الحسين اليماني استحضر هذه الحقيقة بقوة في تصريحه، مذكرا بأن بنكيران برر قراره بتحرير الأسعار بإمكانية تحويل ميزانيات الدعم إلى تحسين قطاعات الصحة والتعليم لكن الواقع جاء معاكسا إذ تدهورت وضعية المرفق العمومي أكثر فأكثر، فيما أطلقت يد القطاع الخاص ليعزز حضوره ويضاعف أرباحه. 

ومن هنا، يرى اليماني أن ما يعيشه المغرب اليوم من موجة احتجاجات شبابية تعبر عنها تحركات "جيل Z" ليس سوى النتيجة الطبيعية لهذه السياسات، فالغضب الاجتماعي لم يهبط من السماء، بل تغذيه قرارات اقتصادية كان لها أثر مباشر على تراجع القدرة الشرائية وتكريس شعور بانعدام العدالة الاجتماعية.

التصريح لم يتوقف عند التشخيص، بل طرح مجموعة من المطالب التي تراها النقابة الوطنية للبترول والغاز ضرورية لتصحيح المسار وأول هذه المطالب هو التراجع الفوري عن تحرير أسعار المحروقات وإعادة ضبط السوق وفق قواعد واضحة تضمن التوازن بين كلفة الإنتاج وحماية المستهلك كما شدد على ضرورة إعادة تشغيل شركة "سامير" التي تمثل الحلقة المفقودة في تأمين السيادة الطاقية للمغرب، عبر تفويتها للدولة وتسوية وضعيتها المالية، وهو ما من شأنه أن يمنح البلاد قدرة على التكرير الذاتي بدل الارتهان المطلق للاستيراد الخارجي. 

كما دعا اليماني إلى تخفيض الضرائب المبالغ فيها على المحروقات، وملاحقة المتهربين من الالتزامات الجبائية وفق ثرواتهم ودخولهم الحقيقية، إلى جانب وقف نزيف خصخصة القطاعات الاجتماعية وإعادة الاعتبار للمرفق العمومي، بل والتفكير في تأميم بعض المؤسسات التعليمية والصحية الخاصة.

وإذا كان هذا النقاش يضع المغرب في مواجهة خيارات صعبة، فإن المقارنة مع تجارب دولية تظهر أن التدخل لحماية المستهلك ليس مستحيلا ففي فرنسا، رغم أن الأسعار محررة، تدخلت الدولة بعد اندلاع أزمة أوكرانيا لتقديم دعم مباشر للمستهلكين عبر تخفيض مؤقت بلغ 18 سنتيما لكل لتر وفي الهند، تفرض الحكومة أحيانا سقوفا للأسعار لحماية الفئات الفقيرة من الصدمات الدولية  أما الجزائر، الجارة الشرقية، فما زالت تدعم أسعار الوقود بشكل مباشر وهو خيار مكلف لميزانية الدولة لكنه يحمي الاستقرار الاجتماعي وهذه الأمثلة تؤكد أن ترك السوق وحده ليس قدرا، وأن دور الدولة في ضبط الأسعار وحماية المستهلك يبقى جوهريا في أي سياسة طاقية رشيدة.

الواقع المغربي إذن يكشف عن معادلة مختلة شركات قليلة تحقق أرباحا فلكية تجاوزت عشرات المليارات خلال عقد واحد، بينما الدولة تنسحب من واجبها في مراقبة السوق وضبط الأسعار في حين يتجرع المواطنون مرارة الأسعار المرتفعة وضعف الخدمات العمومية وبين خطاب سياسي يَعِد بإصلاحات اجتماعية وبين واقع اقتصادي يكرس الريع والاحتكار، يجد المجتمع المغربي نفسه أمام سؤال مركزي إلى متى سيبقى تحرير أسعار المحروقات مكسبا للوبيات وخسارة للمواطنين؟.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...