انفجار "بالون الأوهام" الإسرائيلي

 انفجار "بالون الأوهام" الإسرائيلي
عماد شقور
الخميس 14 أبريل 2022 - 13:39

سنة 2013 قال رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، نفتالي بينيت، (ردّاً على سؤال صحافي)، إن المشكلة الفلسطينية، بالنسبة لإسرائيل، كما يراها، هي مجرّد “شظيّة في المؤخّرة”. كان يوم تلفّظ بهذا التعبير البذيء، رئيساً لحزب “البيت اليهودي”، ووزيراً للاقتصاد، في حكومة بنيامين نتنياهو.

سنة 2021، (بصفته رئيساً لحزب “يمينا”، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من نجاحه في شغل منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية)، كشف أن سياسته تقوم على أُسس “تقليص الصراع” مع الفلسطينيين، و”تقليل الاحتكاك”، وتقديم “تسهيلات اقتصادية”.

سنة 2022، (بعد أقل من عشرة أشهر على تسلّمه رئاسة الحكومة)، قال: “هذا زمان أن يحمل كل مواطن إسرائيلي يملك ترخيصاً، سلاحه الفردي”. وألحق بذلك قوله إنه سيعمل على تمكين كل جندي في الجيش الإسرائيلي من الاحتفاظ بسلاحه الفردي خارج المعسكرات والثّكنات العسكرية، وأن لا يضطر لتسليمه عند بوابة المعسكر أو الثّكنة.

يبدو أن “الشظيّة في مؤخّرة بينيت” تفعل فعلها. فعلى هذا المِنوال، لن يكون مفاجئاً أن يسمح بينيت، بعد أشهُرٍ، لكل قائد دبّابة أو سيارة مدرّعة أن يعود في إجازته الى بيته بدبّابته أو سيارته المدرّعة.

أصاب بينيت باستخدامه تعبير “الشّظية” فهو لم يستخدم تعبير “الشّوكة” لأن الشوكة تذوب وتتلاشى ويلفظها الجسم، أمّا الشظية فباقية، لا تحول ولا تزول، ويمكن لها ان تتطوّر وتتفاعل لتصبح معدناً سامّاً يلوّث الجسم ويشلّ الدّماغ ويقود الى الموت والاندثار. ولا علاج لها إلّا بالتعاطي معها على أنها قضيّة بالغة الجدّية، تستلزم عملية جراحية.

كيف انتقل بينيت من “الشّظيّة” الى “تقليص الصراع”؟ والجواب هو أنه انتقل من موقع رئيس حزب هامشي (يميني عنصري متطرّف)، الى موقع “رئيس الحكومة”. وكما قالها رئيس حكومة إسرائيلي (عنصري هو الآخر)، هو اريئيل شارون: “ما تراه من هنا، ( أي من موقع المسؤولية الأولى)، ليس ما تراه من هناك”.

ثم، كيف انتقل رئيس الحكومة الإسرائيلية، من “تقليص الصراع” و”التسهيلات الاقتصادية”، الى مطالبة المواطنين الإسرائيليين الى “حمل سلاحهم الفردي” في الشوارع والطرقات والمطاعم والبارات، وليس في غرف نومهم فقط؟.

والجواب هو أنه استفاق من نوم هادئ، (ومن أحلام ورديّة بأنّه أصبح “زعيماً عالمياً” يتوسّط لإنهاء صراع دمويّ في أوكرانيا، ينذر بالتطور الى حرب نوويّة)، على وقع عمليات عسكرية فلسطينية عنيفة، وذهول ورعب وهستيريا في الشارع الإسرائيلي.

بدأت الحلقة الحالية في مسلسل العنف المتواصل، في بئر السبع، عاصمة النقب الفلسطيني المحتل. محمد أبو القيعان/ من قرية راهط في النقب، نفّذ عمليات دهس بسيارته، وطعن بسكّين، قُتل فيها أربعة إسرائيليين وأصيب عدد من الجرحى.

تلتها عمليّة عسكريّة في مدينة الخضيرة، نفّذها خالد وأيمن اغبارية من مدينة أُم الفحم في المثلّث الفلسطيني المحتل، وقُتل فيها عسكريان في سلاح حرس الحدود الإسرائيلي، وأُصيب فيها عدد من العسكريين والمدنيين. تلتها عمليّة عسكريّة في مدينة بْني براك، (“عاصمة” اليهود الحريديم في إسرائيل، والملاصقة لتل أبيب ورمات غان)، نفّذها ضياء الحمارشة، من قرية يعبد القريبة من مدينة جنين الواقعة تحت “الاستعمار الإسرائيلي” منذ حرب حزيران/يونيو 1967.

وقُتل فيها خمسة إسرائيليين مدنيين ورجال أمن، وجرح عدد آخر. ثم تلتها عملية شارع ديزنغوف في تل أبيب، (وهو بالنسبة لتل أبيب مثل شارع الشانزيليزيه بالنسبة لباريس، وشارع الحمراء في بيروت، وشارع فِيا فِينيتو في روما)، نفّذها رعد فتحي حازم، من “مخيّم جنين” (!)، وقُتل فيها ثلاثة إسرائيليين، اضافة الى اصابة عدد من الجرحى.

وزّعت إسرائيل التّهم على هؤلاء الشهداء الفلسطينيين الخمسة، وصنّفتهم على أنهم يحملون هويّات “داعش”، وحركة “الجهاد الإسلامي”، وحركة “فتح”، بهدف نزع هويّتهم الوطنيّة الفلسطينية الجامعة، وعلى أنهم جميعاً ضحايا الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي. ولا يضيرنا، (في هذا السياق)، تذكير بينيت، بأن إيهود براك، الذي سبقه في الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، والذي تولّى رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، والحائز على لقب حامل أكثر عدد من الأوسمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، قال علناً: “لو كنت فلسطينياً لانضممت الى حركة “فتح”، وقاتلت في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية”.

أفاق رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بفعل وقع هذه العمليّات، وانعكاساتها المذهلة على الإسرائيليين، كما أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية. نشرت جريدة “معاريف”، ما كتبه ونشره بعض المشاهير الإسرائيليين على صفحاتهم في وسائل التواصل الإجتماعي أثناء وإثر العمليّة في بْني بْراك. وهذه عيّنة مختصرة:

كتبت روسلانا رودينا، (وهي عارضة أزياء وممثلة، ولدت في أوكرانيا سنة 1988، وهاجرت الى إسرائيل سنة 1997): “لا أستطيع تجاهل ما يحدث في البلاد، فيا أصدقائي إنني أدعو الجميع للمحافظة على أنفسهم، لا تخرجوا من البيت، إلا اذا كان ضروريّاً وفوريّاً، حاولوا للحد الأقصى أن تحافظوا على أنفسكم، قلبي ينكسر، حاولت الهروب للهدوء لكن القلب يتقطّع”.

أما ميخائيل بن دافيد، الذي سيمثّل إسرائيل في مسابقات الأٌغنية الأوروبية، اليورو فيجين، للعام الحالي 2022، ( وهو مغنّ وراقص، ولد سنة 1996 في مدينة عسقلان/أشكلون المحتلة، كابن ثانٍ من أصل خمسة أشقّاء، لأب روسي أوكراني وأُم من جورجيا، والمقيم في مدينة رمات غان، الملاصقة لبْني بْراك)، فقد كتب في صفحته، حسب ما جاء في “معاريف”: “هجوم/عملية إرهابية خارج بيتي، كل شي تمام، نحن داخل البيت”.

روى لي أخ كريم من قادة “فتح” المؤسّسين، في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إثر عودته كعضو في وفد قيادة منظمة التحرير في زيارة الى الصين، أن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، قال خلال استقباله لهم: “انتم يا رفاقنا في فلسطين محظوظون.. تدميركم لدرّاجة هوائية في إسرائيل، ينال تغطيات إعلامية واهتماماً عالمياً يوازي ما يناله تدمير قطار كامل لقوات الثورة الفيتنامية الشمالية التي ندعمها لتحرير فيتنام الجنوبية”. فهل مسموح لنا أن نقارن ما يجري في فلسطين هذه الأيام مع ما يجري في أوكرانيا منذ سبعة أسابيع؟

يحرص الإسرائيليون في كل مفاوضات يشاركون فيها، وفي كل مناقشة وحوار او كلام عابر، على أن يكون بداية البند الأول أقرب ما يكون الى آخر حدث.

مع كل اعتزازنا بمخيّم جنين، واعتبارنا له، بحق، قلعة مقاومة وتحدٍّ للإحتلال والإستعمار الإسرائيلي، إلّا أنه مخيّم.. وكل من فيه هم لاجئون الى حين، ولكل واحد من المقيمين فيه، جذور في مدينة أو قرية في فلسطين. ولا يجوز لنا السماح لأنفسنا بالانقياد وراء ما يحرص الإعلام الإسرائيلي على ترديده كنقطة بداية في الكلام عن الشهيد الفلسطيني رعد فتحي حازم. لم تبدأ “حكاية الشهيد رعد” من مخيّم جنين. بدايتها من قرية ما أو مدينة ما في فلسطين، ومصلحتنا الوطنية الفلسطينية التأكيد على ذلك، والحرص على أن تكون بداية حكاية الشهيد رعد من هناك. حاولت جاهداً، وعلى مدى أيام معرفة من أي بلد تمّ تهجير العصابات الصهيونية لوالده أو جدّه. هذه مسؤولية الصحافيين الفلسطينيين.

*عن صحيفة القدس العربي

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...