بدون نفط أو غاز.. صندوق النقد الدولي يضع المغرب ضمن أقوى خمس اقتصادات في إفريقيا لسنة 2025
كشف صندوق النقد الدولي عن توقعاته لأداء الاقتصادات الإفريقية خلال سنة 2025، والتي أظهرت تموقعا لافتا للمغرب ضمن قائمة أقوى عشرة اقتصادات إفريقية، محتلا المرتبة الخامسة، وذلك وفقا للناتج المحلي الإجمالي المتوقع بالأسعار الجارية.
هذا التصنيف الاستشرافي، الذي نُشر ضمن البيانات الاقتصادية الدورية للصندوق، يعكس المشهد التنافسي بين القوى الاقتصادية الكبرى في القارة، ويبرز موقع المغرب بين الدول التي لا تمتلك موارد نفطية ضخمة، لكنها تعتمد على تنويع اقتصادي وهيكلة استراتيجية للقطاعات المنتجة.
ووفقًا للبيانات المنشورة، جاءت جنوب إفريقيا في المرتبة الأولى إفريقيا من حيث الناتج المحلي الإجمالي المنتظر، والذي يبلغ 410.3 مليار دولار، محافظة بذلك على ريادتها الاقتصادية القارية رغم التحديات الهيكلية الداخلية.
وفي المرتبة الثانية، حلّت مصر، التي يُنتظر أن يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي سنة 2025 ما مجموعه 347.3 مليار دولار، وهو ما يعكس استمرار زخم الاقتصاد المصري رغم الصعوبات المرتبطة بالتضخم وسعر الصرف.
وجاءت الجزائر إلى المرتبة الثالثة، بناتج محلي إجمالي متوقع في حدود 268.9 مليار دولار، مستفيدة من ارتفاع أسعار المحروقات وتحسن بعض المؤشرات التجارية والمالية.
في المقابل، تراجعت نيجيريا إلى المرتبة الرابعة، رغم أنها أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي المرتقب فقط 188.3 مليار دولار، مما يطرح تساؤلات حول فاعلية الأداء الاقتصادي مقارنة بالحجم السكاني الهائل والموارد الطبيعية الضخمة التي تتوفر عليها البلاد.
ووسط هذا المشهد الإفريقي المتغير، يبرز المغرب كقوة اقتصادية مستقرة وصاعدة، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن يصل ناتجه المحلي الإجمالي خلال سنة 2025 إلى 165.8 مليار دولار، وهو ما يضعه في المرتبة الخامسة قاريا.
وهذا الأداء يؤكد حفاظ المملكة على تموقعها ضمن نادي الصف الأول من الاقتصادات الإفريقية، رغم الظرفيات الدولية المعقدة التي طبعت السنوات الأخيرة، من جائحة كوفيد-19 إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى موجات الجفاف التي أثّرت على القطاع الفلاحي الوطني.
ويُعد هذا الترتيب إشارة إلى قوة النموذج الاقتصادي المغربي، الذي يراهن على تنويع القطاعات المنتجة، وعلى دينامية استثمارية تعززها البنيات التحتية، الإصلاحات المؤسسية، والانفتاح التجاري.
وتكمل كينيا قائمة الدول الست الأوائل في إفريقيا، حيث من المرتقب أن يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي سنة 2025 ما مجموعه 131.7 مليار دولار. وتليها إثيوبيا في المرتبة السابعة بـ 117.5 مليار دولار، ثم أنغولا ثامنة بـ 113.3 مليار دولار.
أما المرتبتان التاسعة والعاشرة فكانتا من نصيب كل من كوت ديفوار بـ 94.5 مليار دولار، وغانا بـ 88.3 مليار دولار، ما يعكس بداية صعود اقتصادات غرب إفريقيا، رغم التقلبات السياسية والنقدية التي تمر بها بعض بلدانها.
وفي تحليله لهذا الترتيب، يرى الخبير الاقتصادي المغربي خالد الشرقي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي أن هذا التصنيف يعكس "تحولا عميقا في بنية الاقتصاد المغربي خلال العقدين الأخيرين، وانتقاله من اقتصاد تابع للزراعة أو للمواد الأولية، إلى نموذج منتج يستند إلى قطاعات صناعية وخدماتية متقدمة".
ويضيف الخبير الاقتصادي في تصريح لـ"الصحيفة":المغرب يتميز عن عدد من الاقتصادات الإفريقية الكبرى بكونه لا يعتمد على النفط أو الغاز كمصدر رئيسي للنمو، بل يراكم أداءه من خلال تنويع قاعدة إنتاجه، وخلق تكامل بين الصناعة واللوجستيك والسياحة والطاقات المتجددة."
واعتبر الشرقي ضمن التصريح ذاته، أن الاستقرار السياسي والإصلاحي الذي تعرفه المملكة منذ سنوات، "جعل منها وجهة مفضلة للاستثمار الأجنبي، ما يعزز قدرتها على احتلال موقع ريادي في إفريقيا، ليس فقط اقتصاديا، بل حتى سياسيا ودبلوماسيا."
وتموقع المغرب في هذا الترتيب القاري لا يحمل فقط دلالة رقمية أو ترتيبية، بل يحمل أبعادا استراتيجي، فالناتج المحلي الإجمالي ليس فقط مؤشرا على حجم الاقتصاد، بل يعكس قدرة الدولة على تمويل السياسات العمومية، جذب الاستثمارات، التأثير في الفضاء القاري، والتموقع في مفاوضات الشراكات الدولية.
كما أن تصدّر دول غير نفطية مثل المغرب ومصر وكينيا لهذا الترتيب يُبرز تحولا بنيويا في طبيعة القوى الاقتصادية الإفريقية، ويؤشر على صعود قوى إنتاجية تعتمد على الصناعة والتحول التكنولوجي، بدل الاقتصار على الموارد الطبيعية التقليدية.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :