بلحاج: توجه تونس نحو الديمقراطية يُزعج العديد من الأطراف المسماة "شقيقة"

 بلحاج: توجه تونس نحو الديمقراطية يُزعج العديد من الأطراف المسماة "شقيقة"
حوار - هشام الطرشي
الأربعاء 4 شتنبر 2019 - 16:30

تعيش تونس منذ وفاة الرئيس الباجدي قائد السبسي إيقاعا متسارعا لضمان انتقال مؤسساتي وديمقراطي يطبع مع تونس "الجمهورية الثانية". فبعد تكليف رئيس مجلس الشعب بإدارة شؤون البلاد لمدة لا تتجاوز التسعين يوما كما ينص على ذلك الدستور، أعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تونس، أنه سيتم تقديم موعد الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا، منذ مارس الماضي، إجراؤها في السابع عشر من نوبر المقبل.

ولأن تونس التي توصف بـ"مهد الربيع العربي" عرفت، منذ الثورة التي انطلقت شرارتها أواخر سنة 2010، مخاضا مؤسساتيا وتشريعيا دبّرته مختلف القوى المجتمعية بالكثير من النقاش والجدل والتوافق والاختلاف، نستضيف في الموقع الاخباري "الصحيفة"، في هذا الحوار الخـاص، بشرى بلحاج حميدة، وهي محامية وسياسية وفاعلة مدنية، بصمت مسارها الحقوقي والسياسي بالكثير من المبادرات على مستوى القانوني والتشريعي وصفت بالجريئة في المقاربة والطرح، كانت تراها ابنة مدينة زغوان بعين المرأة التونسية التي هي في أمس الحاجة لتلك الحقوق.

‎- خضت منذ سن مبكرة تجارب مدنية، حقوقية وسياسية عديدة، وكنت سبّاقة في التنسيق والمشاركة في إطلاق العديد من المبادرات، هل لك أن تعرفينا أكثر بهذا الجانب من حياتك؟

بداية اهتمامي بالشأن العام كان في المرحلة الثانوية ثم تقوى في الجامعة. لم أكن منحازة لتيار أو مجموعة بعينها، بل كنت أَجِد نفسي في وضع يسمى في الجامعة بالـ"توفيقي"، مما أدى في عدة مرات إلى إطلاق أو المساهمة في مبادرات مثل "البيان النقابي" الذي كان محاولة لجمع كل الطلبة في إطار موحد وهو اتحاد طلبة تونس، ثم في المحاماة إثر الحكم بالإعدام على مجموعة من الشباب سنة 1984 من خلال الإعلان عن لجنة للمطالبة بالعفو عنهم، كنا ننعت بلجنة الاستعطاف.

كما أطلقنا في جمعية النساء الديمقراطيات عدة مبادرات منها لجنة المسكن الجامعي للطالبات سنة 2010 إثر محاكمة طالبات اتحاد الطلبة، وطبعا أخيرا وليس آخرا مبادرة للتجميع لما يسمى بالعائلة التقدمية حول طاولة الحوار. لكن لم تلق اأي صدى لدى المعنيين وهذا غير مستبعد نظرا لما قلته لهم في رسالتي المفتوحة.

‎- عُيِّنت، في غشت من سنة 2013، من طرف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي رئيسة للجنة الحريات الفردية والمساواة، ما هي الملفات التي جعلتها أولوية لك، وأين وصلت فيها؟

عين رئيس الجمهورية سنة 2017 تسعة أعضاء في لجنة الحريات الفردية والمساواة والتي قدمت تقريرا يتضمن جرد لكل التشريعات التمييزية والمنافية للحريات الفردية، وكذلك الفراغات الموجودة في هذين المجالين وقدمنا مقترحات ومشاريع قوانين واقتراحات لتعديل العديد من القوانين الموجودة قصد ضمان المساواة التامة في الحريات الفردية طبقا لمقتضيات دستور 27 يناير 2014، وتناغما مع المعايير الدولية لحقوق الانسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات الفردية و المساواة.

عموما، هناك عدة محاور مهمة، وكلها ذات أولوية، ليس هناك سلم في الحريات والمساواة، هناك فقط بعض القضايا التي تثير نقاشات مجتمعية أكثر من غيرها مثل مسألة الميراث وحرية المعتقد التي جاءت في الدستور والتي حان الوقت لضبطها قانونيا، إضافة إلى موضوع تجريم المثلية وعقوبة الإعدام.

- أين تجدين ذاتك أكثر، على كرسي السياسة أم في ميدان الدفاع على الحقوق والحريات المدنية؟

لكل مسار خصوصيته ومميزاته وإكراهاته أيضا، فعندما نتحدث عن المجتمع المدني مثلا، فإنني أجده فضاء به قدر أكبر من الحرية في العمل والمبادرة، طبعا هناك مبادئ نلتزم بها والتزامات نختارها طواعية وسقف نضال وحدود نحن من نرسمها. كما ألمس حرية أكبر في الحركة وفي الحياة الخاصة، في التنقل والتعبير، وهي حرية نشعر بها ونلمسها بشكل يومي.

أما الحقل السياسي وبالرغم مما يتحقق فيه من نجاعة في العمل والممارسة السياسيتين، لأننا نكون من داخل منظومة الحكم، وبالتالي مستوى تأثيرنا من داخله يكون أكبر من تأثيرنا كفاعلين مدنيين، وقد لمست هذا التأثير في كثير من القوانين التي طرحناها للنقاش من داخل مجلس الشعب ودافعنا عنها بما نؤمن به من حقوق وقيم تلازمنا.

لكن، وبالرغم من كل هذا، يبقي للعمل السياسي إكراهاته، ففي بعض الأوقات نجد أنفسنا أمام موقف وقرارات حزبية نكون مضطرين لتبريرها والدفاع عنها بالرغم من أنها تشكل مصدر ازعاج لنا، كما نكون مضطرين لأن ننسج علاقات اجتماعية مع أشخاص لن نفكر في الانفتاح عليهم بقبعتنا المدنية، إضافة إلى أن حقوقنا الخاصة تصبح تحت المجهر سواء التنقل أو الحياة الخاصة أو التعبير عن مواقفنا وقناعاتنا.

أصارحك القول، الخمس سنوات التي قضيتها داخل مجلس الشعب أجدها ثرية مهمة وغنية جدا، ففيها نعيش ونتعلم فـن التفاوض عن قرب أكثر، مع تثمين المشترك مع من نختلف معهم قبل مع من نتفق معهم. لكل ذلك أقول أن الاطار الأفضل للاشتغال بنجاعة أكبر يكون من داخل إطار حزبي لكن دون أن نتخلى عن قيم المجتمع المدني التي نتبناها، سواء حقوق الانسان، الحقوق الفردية، البيئة، النساء...

‎- هل ستجددين ترشحك لعضوية مجلس نواب الشعب؟

لا لن أترشح مجددا.

‎- الانطباع السائد لدى فئات واسعة على امتداد الوطن العربي هو أن المرأة التونسية قطعت أشواطا كبيرة فيما يتعلق بالقوانين والمصادق عليها أو التي في طور النقاش. ما مدى صحة هذا الانطباع، وأين وصلت المرأة التونسية في نضالها من أجل تحقيق وتعزيز حقوقها؟

أن نقول بأن التشريعات التونسية متطورة فهذا واقع، ذلك أن حركة الإصلاح في هذا المجال لم تتوقف منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية، لكن هذا لا يعني أن التشريعات ذات الصلة في العالم العربي لم تتحسن. نعم هناك خطوات متفاوتة من بلد إلى آخر، لكن الثابت هو أنها نضالات كبيرة تُخاض على أكثر من واجهة من أجل تحسين وضعية النساء على كل المستويات.

وبالتفصيل أكثر في مسار نضال المرأة التونسية من أجل تحقيق وتعزيز الحقوق والحريات ذات الصلة بها، أؤكد أن جزءا كبيرا منه راجع إلى يقظة وتجند المجتمع المدني، وجزء ثاني مرتبط بالشراكة التي تتميز بها العلاقة بين الدولة والمجتمع وما تمثله مؤسسات الوساطة من دور مهم في العملية، وذلك بغرض تثمين المتفق عليه وتعميق النقاش بخصوص القضايا الخلافية.

فعلى سبيل المثال، استحضر هنا إجراء "التناصف العمودي" الذي تم تضمينه في قانون الانتخابات بخصوص الاستحقاقات التشريعية، والذي يؤكد على عدم الموافقة على أية قائمة انتخابية بدون مناصفة "يعني أنه يتم ترتيب القوائم على أساس رجل-امرأة أو امرأة-رجل"، وهو الإجراء الذي مكننا من بلوغ نسبة 34% بخصوص تمثيلية المرأة في البرلمان.

أما في القوائم الانتخابية البلدية فقد فُرض في قانون السلطة المحلية مبدأ "التناصف الأفقي والعمودي"، بمعنى أنه بالإضافة إلى الصيغة التي اعتمدت في الانتخابات التشريعية "رجل-امرأة أو امرأة-رجل"، فقد فرضت على الأحزاب والائتلافات السياسية أن تكون النساء على رأس نصف قوائمها، وهو الإجراء الذي حققت به المرأة التونسية نسبة 47% من على مستوى مقاعد البلديات.

وعلى مستوى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، فقد قدمنا اقتراحات عديدة منها تلك المتعلقة بالمساواة في الميراث وهي مطروحة أمام لجنة بمجلس الشعب لمناقشتها. كما تميزت السنوات الأخيرة بالرفع من وثيرة المصادقة على مجموعة من المواثيق الدولية المرتبطة بالمرأة وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية.

طبعا هناك تشريعات صودق عليها لها أهمية كبيرة، مثل رفع الحجر على زواج التونسية المسلمة بغير المسلم، ثم السماح للأم التونسية بالتنقل بحرية رفقة أبنائها، إضافة إلى قانون منع الاتجار بالبشر، والنساء تحديدا نظرا لاستغلالهن عن طريق الاتجار الجنسي والعمل في ظروف حاطّة من كرامة المرأة، مما يفرض على الدولة مواكبة مجموعة من الحالات باستقبالها وتوفير مراكز الايواء لها والرعاية الصحية والنفسية والتوجيه القانوني والاجتماعي.

ولأننا حريصون على أن تكون للأب والأم نفس الحقوق، فقد تم التصديق على قانون يمكِّنُهما معا كأرمل أو أرملة من الإقامة في محل الزوجية، وهو القانون الذي ينتصر للمرأة بالدرجة الأولى، لأنه وكما هو معروف في عدد من الدول العربية والإسلامية، بمجرد وفاة الزوج من الممكن أن تتحرك العائلة أو حتى الأبناء لطرد الزوجة خارج بيت الزوجية، وبالتالي نرى أنه من واجب الدولة حماية الأرمل والأرملة إلى حين وفاتهم.

هناك قانون مهم ببعد سوسيو اقتصادي، يوفر للمرأة التي تشتغل في الوسط الريفي تحديدا ظروف تنقل إنسانية وبكرامة مما يحميها ويضمن حقوقها في حوادث السير التي أفقدتنا أرواحا كثيرة من النساء، إضافة إلى تمكينها من تغطية اجتماعية شاملة، وهو قانون يشمل كل النساء في الوسط الريفي، وقد تم العمل بتنفيذه وسيستمر إلى حين بلوغ نسبة مائة بالمائة من المستفيدات.

بالمحصلة، أقول أن الكثير من الإنجازات تم تحقيقها على أرض الواقع ونلمس نتائجها ميدانيا، إضافة إلى مشاريع قوانين توجد اليوم بمجلس الشعب، ومقترحات اشتغلت عليها لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، لكن الطريق لا يزال طويلا من أجل تحقيق المكانة التي نريدها للمرأة التونسية والتي تستحقها بكل تأكيد.

‎- سياسيا، ومع دنو موعد الحملة الانتخابية للرئاسيات، عاش المشهد السياسي التونسي على وقع حادث اعتقال المرشح للرئاسيات نبيل القروي، من وجهة نظرك، هل من خلفيات سياسية لهذا الاعتقال، وهل سيؤثر في مسار العملية الانتخابية؟

إن إيقاف مرشح في قضية منشورة منذ مدة قد يثير الشكوك، خصوصا عندما يحصل هذا الاعتقال بضعة أياما قبل بدأ الحملة الانتخابية. لكن ولأنني غير مطلعة على الملف ومراحله فلا يمكنني الجزم في هذه القضية وإعطاء رأي قطعي بخصوص خلفياتها هل هي سياسية صرفة أم قانونية. خاصة عندما نعلم أن القضاء التونسي كان وعلى امتداد 60 سنة تحت سيطرة السلطة التنفيذية نظرا لما كان لها من صلاحيات على القضاة ومسارهم المهني.

لكن وبعد الثورة، انطلق مسار الاصلاح الذي هو عملية صعبة ومتشعبة، وحسب تقييمي الشخصي وهذا قلته عدة مرات، الْيَوْم القضاء في مرحلة القطيعة مع بقية السلط في انتظار استكمال الاصلاح الذاتي حتى تتطور العلاقة إلى تعاون في أفق تحقيق الاستقلالية التامة للقضاء كسلطة مستقلة بذاتها.

‎- ما مدى انخراط المرشحين للرئاسة في حملات البروباغندا وحرب المعطيات الزائفة في هذه الانتخابات، وهل من تأثير حقيقي لهذه الحملات على نتائج الانتخابات؟

لنتفق بداية على أن هذا الموضوع شائك بحساسية كبيرة، نظرا لما يشكله من ضغط وتأثير على الناخبين. ضغط لم تسلم منه حتى الدول القوية، حيث سمعنا وقرأنا قصصا للأخبار الزائفة وحملات التشهير بالأشخاص والهيئات عن طريق حملات منظمة وبميزانيات معتبرة، والهدف هو شيطنة الشخص المستهدف كيف ما كان. 

في التجربة التونسية، رأينا منذ الثورة منسوب عالي من التأثر والعاطفة وانتظارات أكبر من الثورة ومخرجاتها من طرف الشعب عموما، وذلك في ظل صعوبات الأوضاع التي عشناها. كما رأينا في مناسبات عديدة كيف أن الناس يختارون ممثليهم، لكن ليس على أساس الكفاءة والنجاعة وإنما على أساس من يتحكم في المنظومة التواصلية بفعالية وضغط وتأثير أكبر.

أما على المستوى التشريعي، فالتفكير متواصل في تونس كما هو الشأن في أوروبا مثلا، في كيفية الحفاظ على حرية التعبير ومشاركة الناس في النقاش العمومي، دون الـتأثير على قناعاتهم وميولاتهم ومن تم على قراراتهم. عموما، الوضع في المنطقة يؤثر حتما على تونس، خاصة وأن توجه الدولة نحو الديمقراطية يزعج العديد من الأطراف المسماة "شقيقة".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...