بعقلية رجل الأعمال الذي يُفكر بـ"عقل الدولة".. منصف بلخياط يختار تعزيز استثماراته في المغرب بشراكة استراتيجية مع "كازينو" الفرنسية
في تحرك اقتصادي لافت يعيد الوزير السابق منصف بلخياط إلى الواجهة من بوابة الاستثمار، أعلنت مجموعة H&S Invest Holdingالتي يرأسها، عن توقيع شراكة استراتيجية حصرية مع مجموعة Casino الفرنسية العملاقة، تهدف إلى إدخال علامتي Franprix وMonoprix إلى السوق المغربي، مع خطة طموحة لافتتاح أكثر من 210 نقطة بيع في مختلف جهات المملكة في أفق عام 2035.
الصفقة، التي وُصفت بأنها واحدة من أهم مشاريع الامتياز التجاري في السوق المغربي خلال العقد الأخير، تندرج ضمن تحول نوعي في استراتيجية توسع المجموعة الفرنسية، لكنها في الآن ذاته تُعد عودة اقتصادية قوية لمنصف بلخياط، الذي انسحب من العمل السياسي منذ سنوات، ليعيد بناء مساره في عالم الأعمال برؤية توسعية تتقاطع مع تطور أنماط الاستهلاك في المغرب، مستفيدا من الدينامية الايجابية والتقارب غير المسبوق بين الرباط وباريس.
عودة منصف بلخياط إلى الواجهة بثقل استثماري
بعد تجربة سياسية بارزة في العقد الأول من الألفية الثالثة، عاد منصف بلخياط ليخطف الأنظار مجددا ليس من بوابة البرلمان أو الحكومة، بل من خلال مشاريع اقتصادية واستثمارية نوعية وضعت اسمه في صدارة خريطة رجال الأعمال المغاربة الأكثر تأثيرا.
بلخياط، الذي شغل منصب وزير الشباب والرياضة في حكومة عباس الفاسي بين سنتي 2009 و2011، كما كان أحد أبرز وجوه حزب التجمع الوطني للأحرار وعضو مكتبه السياسي، أعلن في دجنبر 2019، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، انسحابه الطوعي من الحياة السياسية، مبررا قراره بالرغبة في "التفرغ الكامل للعمل الاقتصادي"، وهو قرار رأى فيه البعض آنذاك نهاية لمسار سياسي طموح، لكن بلخياط سرعان ما أثبت أن انسحابه لم يكن إلا مرحلة انتقالية نحو صعود اقتصادي مدروس.
فمنذ خروجه من المشهد السياسي، وجّه بلخياط جهوده بشكل مركز نحو قيادة وتوسيع مجموعته H&S Invest Holding، التي أسسها سنة 2012، والتي استطاعت خلال أقل من عقد أن تتحول من فاعل متوسط إلى مجموعة اقتصادية كبرى متعددة النشاطات.
وتحت قيادته، تبنت المجموعة رؤية واضحة تقوم على الاستثمار في قطاعات استراتيجية وحيوية، تشمل الخدمات اللوجستيكية، الصناعة، الصحة، الإعلام، العقار، التعليم، وتجارة القرب، مع حرص دائم على الابتكار وتحقيق الاستدامة في نموذج الأعمال.
وتعكس المعطيات المالية والتنظيمية الأخيرة الحجم الذي بلغته المجموعة، أكثر من 16 شركة فرعية تنضوي تحت مظلتها، وما يزيد عن 3600 منصب شغل مباشر تم خلقها داخل المملكة، ورقم معاملات قارَب 4 مليارات درهم في عام 2024، وفق آخر التقديرات المنشورة، بالإضافة إلى توسع إقليمي مرتقب يعكس طموح المجموعة في تجاوز الحدود المغربية نحو أسواق إفريقية جديدة.
ووفق ما أكدته مصادر مقربة من بلخياط لـ "الصحيفة"، هذا التراكم لم يأتِ بمحض الصدفة، بل نتيجة "نهج إداري صارم وتحالفات استراتيجية مدروسة جعلت من H&S Invest Holding واحدة من المجموعات المغربية القليلة التي استطاعت الجمع بين النمو العضوي والتوسع الخارجي في الآن ذاته".
وإذا كانت السياسة قد منحت بلخياط شهرة مبكرة، فإن الاقتصاد والاستثمار باتا اليوم مساحته الأوسع تأثيرا، حيث استطاع أن يُعيد تشكيل صورته، لا كوزير سابق، بل كـ"رجل أعمال برؤية دولة"، يضع ملفات الاستثمار رافعة للتنمية، ويعيد رسم حدود طموحه وفق منطق الأثر والتأثير الاقتصادي.
من تجارة القرب إلى إعادة هندسة نمط الاستهلاك
حول أهمية هذه الصفقة التي أبرمها بلخياط، أفادت المصادر ذاتها أن هذه الشراكة مع مجموعة Casino الفرنسية "أكثر من مجرد صفقة تجارية، وإنما هي إعادة هيكلة استراتيجية لسوق تجارة القرب في المغرب ذلك أن المشروع لا يهدف فقط إلى بيع المواد الاستهلاكية عبر المتاجر الصغيرة، بل يتطلع إلى تقديم تجربة متكاملة تشمل منتجات غذائية عالية الجودة، خدمات مطاعم سريعة، حلول رقمية حديثة في تجربة الزبون، ودمج المنتجات المحلية في العرض التجاري".
ووفق ما أعلن عنه الطرفان، فإن أولى المتاجر ستفتح أبوابها عام 2026، على أن يمتد الانتشار تدريجيا ليغطي كل جهات المملكة، مع التركيز على مراكز المدن والمناطق الحضرية الصاعدة.
وفي سياق هذا المشروع الاقتصادي الكبير، كشف مصدر مقرّب من منصف بلخياط، في تصريح خصّ به "الصحيفة"، أن هذا التحرك ليس سوى جزء من خطة أوسع يعمل عليها بلخياط منذ سنوات، موردا: "منذ انسحابه من العمل السياسي سنة 2019، لم يتوقف منصف عن العمل في الظل، بهدوء وتأنٍ، لبناء منظومة اقتصادية متكاملة تُجسد تصوره لمغرب حديث، يستثمر في الإنسان والخدمات والقيمة المضافة، بدل الاكتفاء بالشعارات.. لم يكن انسحابه هروبا من المسؤولية، بل كان انتقالا من موقع اتخاذ القرار السياسي، إلى موقع خلق التأثير الاقتصادي الملموس."
وأوضح المصدر ذاته الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن بلخياط اشتغل خلال السنوات الأربع الماضية على تطوير رؤية توسعية طموحة لمجموعته H&S Invest Holding، تركز على قطاعات المستقبل: "بالنسبة له، الرهان الحقيقي اليوم لم يعد في كثرة الكلام أو الخطابات، بل في القدرة على خلق نموذج مقاولاتي ناجح، يمتص البطالة، يخلق الثروة، ويوفر للمغاربة خدمات تراعي كرامتهم وحاجياتهم الاستهلاكية المتطورة".
وعن خلفيات الشراكة مع مجموعة كازينو الفرنسية، أوضح المصدر أن بلخياط كان يشتغل على هذا المشروع منذ سنة 2022، موردا: "لقد تم التفاوض على هذا المشروع على مدى عامين تقريبا.. بلخياط لم يكن يبحث فقط عن علامة تجارية عالمية، بل عن شريك استراتيجي يقتنع بالسوق المغربي ويؤمن بإمكاناته، خصوصا في ما يتعلق بتحولات سلوك المستهلك المغربي وطلبه المتزايد على تجربة تسوق حضرية، ذكية، وقريبة منه.. وكازينو وفّرت كل هذه الشروط، وتم الاتفاق على نموذج شراكة متوازن، فيه توزيع واضح للأدوار، واستراتيجية انتشار تدريجية ومحسوبة".
وختم المصدر تصريحه، بالإشارة إلى أن ما يقوم به بلخياط اليوم ليس مجرد عودة فردية، بل "عودة لثقافة رجل الأعمال المغربي الذي يفكر بعقل الدولة، ويراهن على الداخل المغربي في زمن يتجه فيه كثيرون إلى التموقع خارج الحدود". وأضاف: "هو مؤمن بأن الاقتصاد هو معركة سيادة أيضا، وأننا لا نحتاج فقط إلى مستثمرين أجانب، بل إلى مقاولين مغاربة برؤية عالمية، وإرادة وطنية".
1000 منصب شغل مباشر وغير مباشر
أعلنت H&S Invest Holding أن المشروع سيمكن، في أفق 2030، من خلق أكثر من 1000 منصب شغل مباشر وغير مباشر، وهو رقم يكتسي أهمية اقتصادية واجتماعية في سياق يشهد فيه المغرب معدلات بطالة مرتفعة، خصوصا بين الشباب.
وإلى جانب البعد الاجتماعي، يُتوقع أن يسهم المشروع في تنويع سلاسل القيمة المحلية، من خلال تشجيع الفلاحة الغذائية، وتعزيز الصناعات التحويلية، ودمج المنتجات المغربية ضمن العرض التجاري للعلامتين الفرنسيتين، بما ينسجم مع أهداف "الميثاق الجديد للاستثمار" الذي تراهن عليه الحكومة المغربية.
وبالنسبة لمجموعة Casino الفرنسية، التي تنشط في أكثر من 20 دولة وتملك 472 متجرًا بنظام "الفرانشايز" خارج فرنسا القارية، فإن الشراكة مع H&S Invest Holding تمثل ركيزة جديدة لاستراتيجية التوسع عبر الامتياز التجاري.
وقال المدير العام للمجموعة، فيليب بالاتسي، في تصريحه الرسمي: "إن المغرب سوق ديناميكي واعد، والتعاون مع شريك محلي قوي مثل H&S يتيح لنا إطلاق شبكة فعالة من متاجر القرب التي تستجيب لحاجيات المستهلك المغربي المتغيرة".
وبالفعل، تُظهر المؤشرات أن المغرب يُعد واحدا من أكثر الأسواق الإفريقية جاذبية للاستثمار في مجال التوزيع، بفضل استقرار بيئته الاقتصادية وتوسّع طبقته الوسطى وتزايد الطلب على الخدمات التجارية الحديثة.
ومن جانبه، صرح منصف بلخياط، رئيس مجموعة H&S Invest Holding، قائلا: "نفخر بالشراكة مع فاعل دولي مرجعي مثل مجموعة كازينو. هذه الشراكة الاستراتيجية ستمكننا من تقديم تجربة زبون جديدة في السوق المغربي.. وبحلول سنة 2030، نطمح إلى خلق أزيد من 1000 منصب شغل مباشر وغير مباشر في مختلف أنحاء المملكة، بفضل نشر علامتي Franprix وMonoprix".
هذا، ولا تقتصر طموحات H&S Invest Holding على السوق المغربي فحسب، فقد أعلنت المجموعة في عدة مناسبات عن رغبتها في التوسع نحو إفريقيا جنوب الصحراء، والاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة القارية، خصوصا عبر بوابات مثل السنغال وكوت ديفوار.
ويبدو أن الشراكة مع كازينو ستكون بمثابة منصة اختبار ناجحة لنموذج قابل للتوسيع إقليميا، خصوصا إذا ما تمكّنت العلامتان الفرنسيّتان من جذب قاعدة استهلاكية واسعة وتقديم قيمة مضافة في تجربة الزبون.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :