تبون وشنقريحة.. "نظام وحشي" يَحكم الجزائر، يَقتَاتُ على عُقد سِتينات القرن الماضي وَرِيع الذاكرة ليبقى في السُلطة

 تبون وشنقريحة.. "نظام وحشي" يَحكم الجزائر، يَقتَاتُ على عُقد سِتينات القرن الماضي وَرِيع الذاكرة ليبقى في السُلطة
الصحيفة من الرباط
الجمعة 13 يناير 2023 - 14:45

لا يختلف اثنان في أن الصدام بين المغرب والجزائر قديم جدا، وأن جذوره تعود إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، حين تحول الصراع الحدود إلى حرب الرمال سنة 1963، والمؤكد أن وصول الرئيس الهواري بومدين إلى سدة الرئاسة سنة 1965 إثر انقلاب على سلفه أحمد بن بلة، كان يشبه صب المزيد من الزيت على النار في علاقات لم تكن يوما "أخوية" بالشكل الذي كان يحلم به الشعبان خلال فترة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، ليتحول الأمر إلى صدام طويل بعد استعادة المغرب السيادة على الصحراء سنة 1975.

لكن حدة هذا الصراع انخفضت تدريجيا خلال فترة ولاية الرئيس الشاذلي بن جديد، وخاصة في الثمانينات، لدرجة الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي سنة 1989، وتكرر الأمر في زمن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ما بين 1999 و2019، ودخل البلدان في حالة من الهدوء على الرغم من أن ملف الصحراء كان دائما الحاجز أمام التطبيع الكامل للعلاقات، لكن الأمر تغير جذريا بعد وصول الثنائي عبد المجيد تبون والسعيد شنقريحة إلى الحكم، ليُميطا اللثام عن نظام هو الأكثر حقدا "ووحشية" تجاه المغرب منذ سنة السبعينات.

تلويح متكرر بالحرب

بعد حراك 2019، تحولت آمال الجزائريين في حدوث تغيير جذري في النظام الحاكم إلى سراب بعد أن حل عبد المجيد تبون محل بوتفليقة أواخر نفس السنة، وتأكد هذا الأمر أكثر بالوفاة المفاجئة لقائد أركان الجيش والمشرف الفعلي على هذا التحول في منصب رئيس الجمهورية، أحمد قايد صالح، بعد أيام من ذلك، ليحل محله السعيد شنقريحة، لكن هذا الوضع مهد لظهور نموذج جديد في التعامل مع المغرب، عنوانه تصريف الأزمة الداخلية إلى الخارج بادعاء وجود خطر قادم من الحدود الغربية.

وشنقريحة تحديدا، هو أحد أكثر الجنرالات هوسا بهزيمة حرب الرمال، الأمر الذي لم يكن يُخفيه حتى قبل أن يترأس أركان الجيش، حينما كان يدعو عناصر جبهة "البوليساريو" الانفصالية إلى العودة لحمل السلاح ضد المغرب، لكن تاريخ 13 نونبر 2020 مَثل نقطة البداية لمستوى آخر من الخطاب العدائي، إثر العملية الميدانية التي استعادة على إثرها الجيش المغربي السيطرة على معبر الكركارات بشكل نهائي، ما دفع الرجل الذي يوصف بـ"الحاكم الفعلي للجزائر" إلى التلويح الصريح بالحرب.

فبعد يومين فقط من العملية ظهر شنقريحة على شاشة التلفزيون الرسمي وهو يخاطب الجنود الجزائريين قائلا: "أعول على كل واحد وهو في منصبه، من الجندي البسيط إلى ما أعلى، لديكم مهمة شريفة، الدفاع عن حدودنا ضد الإرهاب، ضد المهربين، وضد حتى عدو كلاسيكي"، في إشارة إلى المغرب، وعلى النهج نفسه سار الرئيس تبون الذي لم يترك فرصة إلا وتوعد فيها جيرانه بالحرب، لدرجة أنه تحدث، في حوار مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، عن أن جيش بلاده مستعد لـ"الانتقام"، واصفا المغرب بـ"الجار المعتدي".

دبلوماسية القطيعة والحقد

لكن الحرب التي تخوضها السلطة الحاكمة في الجزائر على المغرب، لا تزال بعيدة واقعيا على أن تُترجم إلى لغة الرصاص والاقتتال، لكنها قطعا حرب دبلوماسية هي الأسوأ من نوعها خلال العقود الأخيرة، الأمر الذي لجأت إليه هذه السلطة بوعي حين وفرت كل البهارات السياسية والإعلامية لخلطة "العداء" الناجحة التي تُصور المغرب كعدو للجزائريين، وهو ما يؤكده كلام تبون في حواره مؤخرا مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية حين أورد أن بلاده "اختارت الانفصال حتى لا تدخل في الحرب".

ولا يتردد تبون في إعلان صد أي محاولة للمصالحة مع المغرب، ليؤكد ضمنيا المحاولات التي قام بها العديد من قادة من الدول العربية، على غرار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وحتى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ومبرر العداء يختلف من وقت لآخر، فإذا كان الخطاب موجها للاستهلاك الداخلي، تحدث تبون عن ربط المغرب علاقات دبلوماسية وعسكرية مع إسرائيل، وإذا كان موجها للخارج تحدث عن "تراكم المشاكل منذ 1963"، وفي الصيغتين يكون ملف الصحراء حاضرا.

والملاحظ هو أن الجزائر ظلت تمهد للوصول إلى أقصى درجات الصدام مع المغرب، فعندما أعلن وزير خارجيتها رمطان العمامرة، بتاريخ 24 غشت 2021، قطع العلاقات مع الرباط، ساق لائحة من التهم عاد بها إلى حرب الرمال، وصولا إلى مزاعم دعمها لحركتي "ماك" القبائلية و"رشاد" المعارضة، ورغم أنه زعم أن الأمر "لا يعني تضرر مواطني البلدين"، فإن بلاده أتبعت هذه الخطوة بخطوة أخرى بعدها بشهر واحد، وهي إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية.

كراهية لم تسلم منها الكرة

ومع احتضان الجزائر لكأس إفريقيا للمحليين، طفت إلى السطح مجددا كل معاني العداء والحقد اللذان يُكنهما النظام الجزائري للمغرب، حين رفضت سلطات البلاد الترخيص لطائرة الخطوط الملكية المغربية بدخول مجالها الجوي مباشرة من الرباط إلى قسنطينة، على الرغم من أن الأمر يتعلق بالناقل الرسمي للمنتخب المغربي في حدث رياضي يشرف على تنظيمه الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف".

وبرزت ثمار هذا الحقد بشكل واضح في شتنبر الماضي، حين اقتحمت الجماهير الجزائرية ملعب المباراة النهائية لكأس العرب لمنتخبات أقل من 17 عاما، لتعتدي جسديا على لاعبي المنتخب المغربي، وجميعهم قاصرون في مشهد صادم أثار استغراب وغضب العالم، لكنه لم يدفع تبون إلى مراجعة نهجه، بل الأدهى من ذلك أنه حول فوز المنتخب الجزائري بركلات الترجيح إلى انتصار وطني، وكتب على تويتر بلُغة التشفي "أشبال ولكن في الميدان أسود، شكرا يا أبطال العرب على ما قدمتموه، مبروك للجزائر الكأس العربية للناشئين".

وقبلها بأشهر، وتحديدا خلال كأس العرب التي احتضنتها قطر، كبروفة لتجربة ملاعب كأس العالم، والتي شارك فيها المغرب بالمنتخب المحلي، حول النظام الحاكم في الجزائر الفوز بتلك الكأس إلى حدث "تاريخي" استحق على إثره لاعبو المنتخب "الرديف" استقبالا حافلا من تبون وشنقريحة، بعد أن تغلبوا على المغرب في ربع النهائي بضربات الترجيح في طريقهم للظفر بالكأس، لكن هذا النظام نفسه امتنع عن الإشارة للإنجاز المغربي في كأس العالم حين بلغ منتخب أسود الأطلس نصف النهائي، لدرجة إقالة مدير التلفزيون الرسمي، شعبان لوناكل، لمجرد نشره خبر التأهل المغربي إلى المربع الذهبي.

نموذج شاذ في العلاقات الدولية

وبالنظر لكل ذلك، يبقى التساؤل عن جدوى استمرار المغرب في سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر، مطروحا من طرف عدد كبير من المغاربة، في ظل أن الأمر لم يعد يتعلق بدولة طبيعية تخضع العلاقات معها إلى مد وجزر طبيعيين، وتحكمها لغة المصلحة المشتركة التي تعود بالنفع على الشعبين وعلى منظومتهما الاقتصادية والأمنية، وإنما بنظام يحاول تصريف أزماته الداخلية المتراكمة إلى جيرانه حتى لو كلفه الأمر افتعال مشاكل غير منطقية.

والواضح أن الجزائر أصبحت "حالة خاصة" في النظام الدولي، فالأمر يتعلق بـ"نظام عسكري مدرب على أساليب الاتحاد السوفياتي الوحشية"، يغطي نفسه بـ"واجهة مدنية فاسدة على غرار النظام السابقة الذي أسقطه الحراك، وهي واجهة تسعى للحفاظ على الامتيازات والريع الذي حصلت عليه دون أي اعتبار للشعب"، على حد تعبير سفير فرنسا السابق بالجزائر، غزافيي دريينكور، لدرجة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، استغرب كيف أنه يعتاش على خطابات الماضي، مثل رد كل فشل يقع فيه للاستعمار الذي انقضى منذ 1962.

ولم يعد المغرب وحدة، في السنوات الأخيرة، الذي يعاني من السياسات الجزائرية الغريبة، التي يصعب تصنيفها في خانة الصراعات الدبلوماسية الطبيعية، فإسبانيا مثلا، التي اختارت إعلان دعم خطة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، وجدت أمامها دولة تضرب كل اتفاقياتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي عرض الحائط، بسبب قضية تزعم أنها ليست طرفا فيها، أو مصر التي لم تفهم إلى حد الآن كيف أن بلدا عربية يقف مع إثيوبيا ضد أمنها المائي.

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...