تحذير من إفلاس آلاف من المقاولات الصغرى بسبب حرمانها من 20% القانونية.. والوزيرة تكذّبها معلنة استفادتها من 32% من الصفقات العمومية.. فما هي الحقيقة؟

 تحذير من إفلاس آلاف من المقاولات الصغرى بسبب حرمانها من 20% القانونية.. والوزيرة تكذّبها معلنة استفادتها من 32% من الصفقات العمومية.. فما هي الحقيقة؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 12 شتنبر 2025 - 19:45

في ذروة الجدل حول أزمة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، خرجت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح لتكذّب رواية الهيئات التمثيلية التي تتهم الحكومة بحرمانها من نصيبها القانوني في الطلبيات العمومية، مؤكدةً أن هذه الفئة نالت خلال 2024 ما نسبته 32 في المئة من مجموع الصفقات، وهو الرقم الذي بدل أن يهدّئ التوتر، عمّق الفجوة بين خطاب رسمي يَعِدُ بإدماجٍ منصفٍ للمقاولات الأكثر هشاشة، وصوت ميداني يَعدّ الإعفاءات والحجوزات والإفلاسات اليومية ببراهين دامغة على أن "الإنقاذ" ما زال بعيدا عن قلوب السوق.

وهذه الفئة التي تشكل بحسب أرقام رسمية أكثر من 90 في المئة من النسيج الاقتصادي الوطني، يُفترض أن تكون عماد التنمية المحلية وصمام أمان التشغيل، باتت اليوم في صلب عاصفة حقيقية فالأزمات المتتالية من جائحة كورونا إلى موجات الجفاف المتعاقبة، مرورا بارتفاع معدلات التضخم وتكاليف الإنتاج، جعلت آلاف المقاولات تنهار تباعا، تاركة وراءها جيوشا من العاطلين وحكايات مأساوية عن حالات إفلاس، وحجز على المعدات، وإغلاق محلات، وتعليق مشاريع كانت تشكل مصدر رزق لآلاف الأسر.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه الفاعلون الاقتصاديون من الحكومة تنزيل وعودها القانونية بتمكينهم من الصفقات العمومية، يجدون أنفسهم في مواجهة أرقام رسمية يقولون إنها "تجميلية"، لا تعكس حقيقة معاناتهم في السوق.

وداخل قبة البرلمان، بدأت الأزمة تجد صدى سياسيا أكبر، بعدما وجه إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب سؤالا كتابيا إلى وزيرة الاقتصاد والمالية حول صعوبة ولوج هذه المقاولات إلى التمويل، واصفا الأمر بـ"كعب أخيل" الذي يهدد وجودها، فالبنوك التجارية، كما يشدد الفاعلون ترفض الانخراط في تمويل هذه الوحدات، متذرعة بمخاطر العجز عن الأداء، وهو ما يخلق حلقة مفرغة تؤكد أن المقاولة تحتاج التمويل لتنتج وتكبر، لكنها لا تحصل على التمويل لأنها صغيرة وهشة، فتظل رهينة أزمتها إلى أن تسقط في شبح الإفلاس، وهذه الدوامة تجعل الأزمة ليست فقط مالية، بل هيكلية، تكشف قصور المنظومة برمتها في مواكبة الفاعلين الاقتصاديين الأكثر هشاشة.

أما الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، لم تتردد في تحميل الحكومة مسؤولية مباشرة عن هذا الوضع مشددة على أن المشكلة تتلخص في عنصرين أساسيين الأول هو غياب تمتيع هذه الفئة بحقها القانوني في 20 في المئة من الصفقات العمومية لأزيد من 12 سنة كاملة، والثاني غياب بنك وطني متخصص في تمويلها، يعوض تقاعس البنوك التجارية التي أغلقت أبوابها في وجه المقاولين الصغار.

لكن الوزيرة نادية فتاح، في جوابها عن السؤال الكتابي اختارت الدفاع عن حصيلة الحكومة، مؤكدة أن المقاولات الصغرى والمتوسطة حصلت على أكثر مما هو منصوص عليه في القانون، أي 32 في المئة من مجموع الصفقات العمومية خلال سنة 2024.

وأضافت أن الحكومة لم تقف مكتوفة الأيدي، بل أطلقت عدة مبادرات لضمان استمرارية نشاط هذه المقاولات وتعزيز قدرتها التنافسية. وفي مقدمة هذه المبادرات "صندوق إينوف إنفيست"، الذي خصص له 500 مليون درهم منذ 2017 لدعم المقاولات الناشئة والمشاريع المبتكرة. الوزيرة تحدثت عن نجاحات هذا الصندوق في تمويل أزيد من 500 شركة ناشئة مغربية، كما بشرت بجيل جديد من أدوات التمويل أطلق سنة 2024 ويستهدف دعم 800 شركة إضافية خلال خمس سنوات

من جهة ثانية، فوراء هذا التناقض، يتموضع ملف هيكلي متعدد الطبقات فهذه المقاولات تمثل العمود الفقري للنسيج الإنتاجي وتضم أكثر من تسعة أعشار الكيانات الاقتصادية، لكنها تتحرك على أرضية زلقة بهوامش ربح تضيق بفعل موجات التضخم وارتفاع كلفة التمويل، ودورة نقدية مُختنقة بتأخر الأداء، وطلب داخلي متقلب في بيئة مطبوعة بأثرٍ ممتدّ لجائحة كوفيد والجفاف.

وفي حين تتمسك تمثيلياتها بأن "حقها" في 20% من الصفقات العمومية لم يُترجم فعليا بسبب قصور في التفعيل، تُذَكِّر النصوص المرجعية بأن فكرة التمييز الإيجابي ليست وليدة اللحظة فمرسوم 20 مارس 2013 (2-12-349) نص صراحةً على تخصيص حصة 20% للمقاولات الصغيرة والمتوسطة داخل منظومة الطلب العمومي، قبل أن تأتي إصلاحات لاحقة لتقوية الانفتاح عليها وتكريس الأفضلية الوطنية، غير أن وجود القاعدة القانونية شيء، وقدرة الإدارة على الإنفاذ والقياس الدقيق والمتابعة شيء آخر.

ويبدو أن التحدي المالي أشدّ حلقات الضعف إيلاما، فـ"كعب أخيل" هذه المقاولات هو النفاذ إلى الائتمان بشروط عادلة وفي آجال متسقة مع دورتها التشغيلية، وهنا حاولت الحكومة في السنوات الأخيرة إعادة بناء قواعد اللعبة عبر مسارين متوازيين هما ضبط آجال الأداء بين الفاعلين الاقتصاديين، وتوسيع قنوات التمويل والضمان، فعلى الضفة الأولى، جاء قانون 69-21 (حُدِّث ونُشر في يونيو 2023) ليحوّل التأخر في الأداء من أمرٍ مألوف إلى مخالفة مُجرِّمة ماليا، عبر غرامات تُحتسب على أساس سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب مضافا إليه هامش تصاعدي لكل شهر تأخير، مع تكريس أجهزة للرصد والمتابعة في امتداد لعمل "مرصد آجال الأداء" الذي انطلق منذ 2017 لتحسين انضباط الدولة ومؤسساتها وهذه البنية القانونية بعثت إشارة إيجابية للسوق، لكنها ما زالت في مرحلة "الاختبار التطبيقي" لجهة النفاذ الصارم والشفافية والردع الفعلي.

وعلى ضفة التمويل، تضاعفت أدوات الضمان والتحفيز، فقد رفعت منظومة الضمان العمومي (تمويل "تامويلكوم/صندوق الضمان سابقا") وتيرتها، وأتاحت في 2024 تمويلا ائتمانيا موجَّها للمقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، مع وزن كاسح للمقاولات الصغرى والصغيرة جدًا ضمن نشاط الضمان وهذا التحول في "كثافة الضمان" خفّض جزءا من تردد البنوك، لكنه لم ينهِ العطب البنيوي المتمثل في تسعير المخاطر والذي ما يزال عاليا، واشتراطات الضمانات العينية تقصي شريحة واسعة من الفاعلين الصغار، ودورة الدراسة والموافقة ما تزال أطول مما تحتمله مشاريع سريعة التلف نقديا.

إلى جانب الضمان، رُفع السقف لبدائل تمويلية جديدة بما فيها التمويل التشاركي (Crowdfunding) بوصفه قناة لرسملة الأفكار في مراحلها الأولى، والتمويل التشاركي/الإسلامي بما يتيحه من صيغ ملائمة لهيئات لا تتحمل ثقل الفائدة المركبة، وصناديق موجّهة للابتكار مثل “Innov Invest” الذي أُطلق في 2017 برأسمال يصل إلى 500 مليون درهم بدعم من مؤسسات دولية، لتغطية فجوة ما قبل المصرفية وتعبيد الطريق أمام رأسمال المخاطر لكن هذه الأدوات مهما اتسعت لن تعوّض حاجة السوق إلى "قناة تمويل أساسية" تتعامل مع السواد الأعظم من المقاولات التقليدية التي لا تندرج ضمن تعريف "الستارت-أب" ولا تمتلك قابلية سريعة لجذب المستثمرين المخاطرين وبهذا المعنى، تبقى البدائل واعدة، لكنها تكميلية أكثر مما هي علاج شامل لانسداد شرايين السيولة.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي لأزمة السيولة والتأخر في الأداء يظهر بوضوح في أرقام التعثرات والإفلاسات، فبحسب قراءات سوقية متقاطعة، بلغ عدد حالات التعثر القضائي في 2023 حوالي 14.245 حالة، قبل أن يرتفع إلى مستوى قياسي يناهز 15.658 حالة في 2024، مع تشخيص يربط منحنى التعثر بتركيبة من العوامل تضخمٌ يأكل رأس المال العامل، مواسم جفاف تقلص السيولة في سلاسل القيمة المرتبطة بالفلاحة والبناء، وتأخرٌ مزمن في الأداء يرحّل الأزمة من شركة إلى أخرى كسلسلة دومينو وهذه الصورة القاتمة تجعل كل نقطة نمو مهددة بالتبخر إذا ظلت “ماكينة الأداء” بطيئة ونافذة الائتمان ضيقة.

وعلى مستوى الطلب العمومي، لا يكفي وجود الحصة النظرية لرفع الإدماج فالمطلوب تحويل "نص الـ20%" إلى ممارسة قابلة للقياس والفحص العمومي ولعل الإصلاحات الأخيرة لمرسوم الصفقات (2-22-431، مارس 2023) أضافت طبقاتٍ مفيدة بما فيها تعزيز الشفافية، تحسين مناخ الأعمال، توسيع الانفتاح على الصغرى والمتوسطة والمستقلين والرفع من أثر الأفضلية الوطنية والاعتبارات السوسيو-اقتصادية والبيئية كما أن تحديث منظومة الشراء وتقسيم الطلب إلى حصص أصغر وتيسير المشاركة عبر المنصات الإلكترونية رفع عدد المقاولات المتقدمة للطلبات العمومية بشكل لافت خلال 2024، بما يوحي بأن "كعكة الطلب" تُعاد صياغتها لتكون أرحب.

لكن الخيط الناظم بين النص والتجسيد هو آليات التنفيذ/ لوحات قيادة علنية تُظهر كم نالته المقاولات الصغرى فعلا حسب القطاعات والجهات وحجوم الطلبيات، وآجال الأداء لكل آمر بالصرف، ونِسَب التقسيم إلى حصص صغيرة، وعدد العروض التي أُقصيت لأسباب شكلية كان يمكن تداركها بالتوجيه المسبق بدون هذه الطبقات من القياس والعلنية، ستظل الأرقام عرضةً للتأويل المتناقض.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...