تصاعد "العداء" ضد فرنسا في إفريقيا يزيد من تعميق "خطأ" ماكرون مع المملكة المغربية

 تصاعد "العداء" ضد فرنسا في إفريقيا يزيد من تعميق "خطأ" ماكرون مع المملكة المغربية
الصحيفة – محمد سعيد أرباط
الأربعاء 2 غشت 2023 - 22:29

يتواصل تراجع النفوذ الفرنسي في القارة الافريقية سنة بعد أخرى، خاصة مع ظهور جيل جديد من السياسيين والزعماء الافارقة الذين يدعون إلى ضرورة "الاستقلال السيادي" لإفريقيا وإيقاف التبعية إلى الغرب، وخاصة فرنسا التي تُعتبر هي القوة الاستعمارية الأكثر استغلالا لبلدان وثروات القارة السمراء منذ عقود طويلة.

فبعد أشهر من انهاء التواجد الفرنسي في مالي بسبب رغبة الطبقتين السياسية والشعبية في هذا البلد في "الانعتاق" من التبعية لباريس، جاء الانقلاب في النيجر في الأيام الأخيرة على الرئيس محمد بازوم، ليفتح الباب أمام انهاء جديد للنفوذ الفرنسي في إفريقيا، حيث يطالب "الانقلابيون" في النيجر بإيقاف التبعية لفرنسا وفتح باب العلاقات مع بلدان أخرى أكثر "جدية"، وعلى رأسها روسيا حسب شعارات العديد من المؤيدين للانقلاب.

واتخذت السلطات "الانقلابية" في النيجر قرارات مضادة لباريس، من بينها، إيقاف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، حيث تعتمد الأخيرة على واردات اليورانيوم لصالح مفاعلها النووية بنسبة أكثر من 30 في المائة من حاجياتها، وبالتالي فإن هذا القرار سيكون مؤثرا وله تداعيات سلبية على باريس.

وتأتي هذه التطورات في سياق عام يشهد "نهضة" افريقية ضد فرنسا في مختلف المجالات، ومن بينها اللغة، حيث بدأت العديد من البلدان التي كانت توصف بـ"الفرانكفونية"، بتقليص الاعتماد على اللغة الفرنسية في المناهج الدراسية وتعويضها بالانجليزية، ومن بين هذه البلدان، المغرب والجزائر وتونس.

كما أن العلاقات بين باريس والرباط ليست على ما يرام منذ حوالي سنتين، بسبب العديد من الخلافات، من أهمها رفض باريس الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء بصفة رسمية، وفوق ذلك، توجه باريس بقيادة ماكرون نحو نسج علاقات مع الجزائر على حساب المغرب، مما زاد من تأزيم العلاقات مع المملكة المغربية.

وفي هذا السياق، اعتبر السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كزافيي درينكور، أن رهان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تمتين العلاقات مع الجزائر في مختلف الأصعدة، كان خاطئا، ولم تجن فرنسا أي شيء من تلك العلاقات مع الطرف الجزائري، بل تسببت في إحداث برود في العلاقات التي كان من المفترض أن تكون جيدة مع الرباط.

ووجه درينكور في مذكرة أصدرها في يونيو الماضي تحت عنوان "الرهان الجزائري لإيمانويل ماكرون، الأوهام، الأخطار، والأخطاء"، انتقادات عديدة للاختيارات السياسية التي قام بها الرئيس الفرنسي في علاقاته مع بلدان المغرب العربي، وخاصة بين الجزائر والمغرب، ورهانه بشكل كامل على الجزائر على حساب المملكة المغربية.

ووفق مذكرة درينكور الذي شغل سابقا منصب سفير باريس لدى الجزائر خلال الفترة الممتدة ما بين 2008-2012 و2017 -2020، فإن "رهان ماكرون الخاسر" تسبب في برود كبير في العلاقات بين باريس والرباط، وهو "برود" لم تشهد فرنسا والمغرب منذ الأزمة التي حدثت في منتصف ستينيات القرن الماضي، بسبب قضية اختطاف الزعيم السياسي المعارض المهدي بن بركة.

وارتكز رهان ماكرون، حسب درينكور، على 4 نقاط أساسية، الأولى تتعلق بالغاز الجزائري، حيث يرغب في إقامة علاقات جيدة مع الجزائر لضمان تزويد السوق الفرنسي بالغاز في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. وتتجلى النقطة الثانية في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الجزائر. بينما تركز النقطة الثالثة على علاقات التسلح والتعاون الأمني بين البلدين، في حين أن النقطة الرابعة تتعلق بعلاقات التعاون واتفاقيات ملف الهجرة.

لكن حسب درينكور، توجد العديد من الثغرات في هذه الاعتبارات التي يراهن عليها ماكرون في علاقاته مع الجزائر، أولها أن الجزائر لا تُلبي سوى 8 بالمائة من حاجيات السوق الفرنسي من الغاز، ولا تملك الجزائر أي إمكانيات حاليا من أجل زيادة صادراتها من الغاز إلى فرنسا.

وبخصوص المبادلات التجارية، فبالرغم من أن قيمتها السنوية تصل إلى 11 مليار دولار، إلا أن بارس، وفق درينكور، تتجاهل أو تتناسى المنافسة الصاعدة والشرسة لمنافسين مثل الصين وتركيا وبدرجة أقل إيطاليا، علما أن الجزائر تضع في مقدمة عقد وإبرام الاتفاقيات الكبرى، عوامل سياسية إلى جانب الاقتصاد.

وفيما يتعلق بالتسلح والتعاون الأمني، فحسب مذكرة درينكور، فإن الجزائر تعتمد على روسيا في اقتناء الأسلحة الجوية والأرضية، وتعتمد على ألمانيا في الحصول على العتاد البحري، ثم إيطاليا للحصول على الطائرات الخفيفة، بينما لا توقع مع فرنسا سوى اتفاقيات مرتبطة باقتناء ردارات وأجهزة تبقى قيمتها المالية أقل بكثير مقارنة بالمبالغ المالية الضخمة لصفقات التسلح التي تبرمها مع دول أخرى. إضافة إلى أن التعاون المخابراتي بين البلدين لم يشهد أي تقدم حسب درينكور.

أما فيما يخص ملف الهجرة، فحسب السفير الفرنسي السابق في الجزائر، فإن الأخيرة هي المستفيدة من الاتفاق الموقع في 27 دجنبر 1968 والذي يُعطي العديد من الامتيازات والتسهيلات للجزائريين مقارنة ما باقي الجنسيات الأخرى، وهو ما يدفع ببعض الأطراف السياسية في فرنسا للمطالبة بمراجعة هذا الاتفاق.

وبناء على هذه الخلاصات، يرى كزافيي درينكور، أن فرنسا لم تجن أي شيء من تقاربها مع الجزائر على حساب خلخلة التوازن مع المغرب، بل وصل بها الأمر إلى ممارسة سياسة الصمت إزاء العديد من خروقات حقوق الانسان في الجزائر، وهو ما يتطلب مراجعة لهذا الوضع.

وفي هذا السياق يقترح درينكور في مذكرته، أن تفكر الديبلوماسية الفرنسية في خلق إطار إقليمي جديد مكون من 3 زائد 3، يضم فرنسا وإسبانيا وإيطاليا مقابل المغرب والجزائر وتونس، وفتح باب الحوار بين دول المنطقة ومعالجة كافة الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هناك ما هو أهم من "ذباب الجزائر"!

لم تكن العلاقة بين المغرب والجزائر ممزقة كما هو حالها اليوم. عداء النظام الجزائري لكل ما هو مغربي وصل مداه. رئيس الدولة كلما أُتيحت له فرصة الحديث أمام وسائل الإعلام ...

استطلاع رأي

في رأيك، من هو أسوأ رئيس حكومة مغربية خلال السنوات الخمس والعشرين من حكم الملك محمد السادس؟

Loading...