تفاصيل صادمة لفضائح التحرش بأربع موظفات بالمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان انتهت بترقية المُتهم!

 تفاصيل صادمة لفضائح التحرش بأربع موظفات بالمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان انتهت بترقية المُتهم!
الصحيفة من الرباط
الأربعاء 16 نونبر 2022 - 12:00

أعادت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يوم الخميس الماضي، فتح ملف فضيحة التحرش الجنسي الذي كان مقر المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان مسرحا له، متحدثة عن مسار غريب اتخذه الملف على الرغم من اعتراف المندوب الوزاري، شوقي بنيوب، بواقعة التحرش التي طالت 4 موظفات وتقديمه الاعتذار لهن بشكل شخصي، حيث كان مصيرهن بعد ذلك، رفقة زملائهن ممن شهدوا لصالحهن أو تضامنوا معهن، "حملة انتقامية" مستمرة إلى غاية الآن، في حين تمت "مكافأة" المتورط بالترقية في مهامه.

وتواصلت "الصحيفة" مع إحدى ضحايا هذه الفضيحة، وهي نفسها التي تحدث بلاغ الـAMDH عن تعرضها للاستفزازات والتهديد، والتي جرى إغلاق مكتبها والعبث بأدواتها المهنية وأغراضها الشخصية، فضلا عن حرمانها من الترقية ومن المنحة الدورية لمدة تفوق السنة، واستعداد الإدارة لعزلها من خلال اتخاذ إجراءات تعسفية، هذه الأخيرة التي حكت للموقع تفاصيل ما جرى، وكيف أن حياتها تحولت إلى جحيم بعد أن قررت البوح بما ظلت تتعرض له طيلة 6 سنوات.

صدمة ما بعد الولادة

منتصف سنة 2014، كان يُفترض أن يكون بداية مرحلة جديدة لـ"إ.ش"، الموظفة بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، ذلك أن السيدة الشابة عادت لتوها من عطلة الأمومة بعد إنجاب ابنتها الثانية، والأمر الطبيعي هو أن تُستقبل من زملائها بكثير من الترحاب والتعاطف، وهو ما جرى بالفعل إلا من طرف شخص واحد، حسب روايتها، الأمر يتعلق بالشخص المكلف بقسم الشؤون المالية والإدارية، الذي تناسى أن الأمر يتعلق بأم وزوجة، ورأى فيها "فريسة" لنزواته كما تؤكد في تصريحاتها.

وفي حديثها لـ"الصحيفة" تحكي الضحية التي التحقت بعملها في المندوبية الوزارية سنة 2013، أنها توجهت إلى مكتب المعني بالأمر بطلب من مديرها لمناقشة تفاصيل مشروع كان يجري العمل عليه، لكنها تفاجأت بتصرفاته تجاهها حيث شرع في التحرش بها، ومضى بعيدا في ذلك حين بدأ يضع يده على أطرافه الحساسة ويقوم بحركات ذات دلالات جنسية، الأمر الذي دفعها للهرب والتوجه مباشرة إلى مكتب مديرها، لقد كانت تلك هي المرة الأولى والتي بعدها ستتحول حياتها داخل المؤسسة المكلفة بحقوق الإنسان إلى "جحيم" على حد وصفها.

"لقد هربت مسرعة تحت وقع الصدمة... خرجت من مكتبه وركضت على الدرج ثم توجهت مباشرة إلى مديري وهو إنسان محترم، وطلبت منه ألا يبعثني إلى مكتب ذلك الشخص مرة أخرى، ولم أستطع أن أخبره بتفاصيل الواقعة خجلا وحياء"، هكذا تحكي "إ.ش" ما حدث بعد واقعة التحرش، لكن يبدو أن مديرها أساء تقدير الوضع واعتقد أن الأمر يتعلق بمجرد سوء تفاهم مع المسؤول الإداري، هذا الأخير الذي لم ينسَ للموظفة رفضها الانصياع لنزواته، وسيجد فرصته للانتقام بعد أن تغير مديرها.

بداية رحلة الانتقام

في سنة 2018، تقول المشتكية إنه جرى تعيين مدير جديد مسؤول عنها مباشرة، وللمفارقة كان مكلفا بمهمة "النهوض بحقوق الإنسان"، وعوض أن تركز المندوبية على الانتباه لحالات التحرش التي أخذت تتزايد، كان بعض من موظفيها يحاولون إقبار الأمر بطريقة أخرى، إذ تقول الضحية إنها بدأت تعاني من مسلسل "انتقامي"، بدأ بحرمانها من التعويضات الجزافية لمدة عشرة أشهر، ثم توجيه "إنذار" لها، تلا ذلك تجميد وضعيتها الإدارية، والمثير للاستغراب أكثر كان هو نقلها إلى القسم الذي يرأسه "المتحرش".

وتقول المشتكية "عوض أن تتم حمايتي من الشخص الذي تحرش بي، جرى نقلي إلى القسم الذي يرأسه وإجباري على العمل تحت إمرته، وطيلة 9 أشهر كنت فيها موظفة بقسم الشؤون المالية والإدارية، ظللت أتعرض للتحرش وللممارسات غير الأخلاقية من طرفه"، وتضيف المعنية بالأمر أنها كانت تخشى تعرضها لخطوات انتقامية أخرى تُفقدها عملها، لكن في نهاية المطاف طلبت من رئيس الإدارة التدخل، ليقوم بنقلها إلى الكتابة العامة سنة 2019، لكن دون أي تحرك في حق "المتحرش".

وفي سنة 2020، وأمام تزايد الفضائح التي شهدتها المندوبية، قرر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان حينها، مصطفى الرميد، إحداث لجنة للبحث الإداري، والذي كانت "إ.ش" من بين اللواتي قدمن شهاداتهن أمامها، وتحدثت خلالها بشكل صريح رفقة موظفات أخريات عن التحرش الذي تعرضن له من طرف الموظف المشار إليه سابقا، وكانت حينها تأمل أن تكون تلك بداية النهاية لهذا "الكابوس" كما تصفه، لكن الأمور اتخذت منحى آخر أدعى للاستغراب، بل للصدمة.

تصرفات حاطة بالكرامة

وجدت المشتكية نفسها، بعد أن كشفت تفاصيل ما تتعرض له، أمام خطوات "انتقامية" جديدة، وبدأ الأمر بحرمانها من تعويضاتها الجزافية لمدة عام كامل، ثم تنقيلها من الكتابة العامة إلى مديرية أخرى، لكن الأمر كان يتجاوز ذلك إلى "الحط المتعمد من الكرامة" وفق ما صدر عنها من تصريحات، فقد تم وضعها بمكتب في الطابق السفلي لا تتوفر فيه أبسط ظروف العمل الملائمة، حيث تكثر فيه الحشرات وتنعدم فيه النظافة لدرجة أنها طلبت "اللجوء" لِمكتب أحد زملائها.

والأفظع من ذلك - تضيف المعنية في تصريحاتها للصحيفة - أنها أمام الضغوط التي كانت تمارس عليها، تعرضت في إحدى المرات داخل مقر عملها لنزيف إثر احتجاجها على ظروف العمل الصعبة وحرمانها من مستحقاتها، ليتم نقلها إلى المستشفى أين ظلت تنزف لمدة 9 ساعات دون أن يرافقها أحد من ممثلي الإدارة، وعندما عادت للعمل لم يكن ما جرى كافيا لتخفيف معاناتها، بل إنها وجدت نفسها أمام إجراءات "انتقامية" أخرى.

وتقول المشتكية إنها حاليا محرومة من الترقية بعدما جرى منحها نقطة 7 على 20 في التقييم الخاص بسنة 2021، كما أنها محرومة من الترشح لشغل أي منصب مسؤولية ويجري إسناد مهم لها لا تتلاءم مع خبراتها وتخصصها ومسارها الوظيفي، بالإضافة إلى حرمانها من الوثائق الإدارية العادية، ولا تستطيع الاطلاع على نقطها السنوية، لكن الأمر بالنسبة للمتحرش كان مختلفا تماما، إذ أنه، وأمام استغراب الجميع، حصل على ترقية دون أن يطاله أي إجراء عقابي ولو بسيط.

"ممتاز" لفائدة المتحرش!

لم تكن "إ.ش" هي الوحيدة التي تعرضت للمضايقات بسبب فضحها لوقائع التحرش التي جرت داخل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، لأن الأمر شمل 3 سيدات أخريات، بالإضافة إلى مجموعة من الموظفين الذين أكدوا صحة ادعاءات الضحايا أو عبروا عن تضامنهم معهن، من بينهم موظف تعرض للتوقيف 4 أشهر مع تجميد راتبه، أما 20 موظفا آخر فجرى وضعهم في لوائح إعادة الانتشار أو دُفعوا لتغيير موقعهم الإداري، حسب تأكيدات المعنية بالأمر.

لكن الأمر كان على عكس ذلك بالنسبة للشخص المتورط، الذي جرت ترقيته وظيفيا مع نقله إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان كإطار بالأمانة العامة في يوليوز من سنة 2021، على الرغم من أن البحث الإداري الذي أمر به الرميد أكد بالفعل تورط المتهم بالتحرش في وقائع تابثة، والصادم في الأمر هو ما سَيُكشف عنه بعد ذلك وتحديدا في فبراير من العام الجاري، حيث اعترف المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، شوقي بنيوب، بوقوع تلك الفضائح مقدما اعتذاره للضحايا.

فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي استقبل المعني بالأمر، أصدر في 9 فبراير 2022 بلاغا يؤكد فيه أن الإدارة الأصلية لهذا الأخير هي التي سهلت "الانتقال بشكل سلس ولم يثر مسؤولو المندوبية الوزارية في حينه الأفعال المنسوبة للموظف ولا كونه كان أو قيد مسطرة بحث إداري لا أثناء جريان مسطرة الإلحاق ولا بعد استئنافه للعمل، إلى غاية صدور بلاغ يوم 8 فبراير2022"، بل إن ملفه كان يحمل تقييم "ممتاز" من طرف رؤسائه المباشرين مع الإشادة بسلوكه المهني ومروديته، مع الإشارة إلى أنه "سبق أن حصل على تفويض بالإمضاء إلى حدود مغادرته المندوبية".

اعتذار بدون فائدة

وكان تاريخ 8 فبراير 2022 موعدا حاسما في مسار الملف، فالأمر لم يعد يتعلق بمجرد شبهات أو ادعاءات، لأن المفوض الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، شوقي بنيوب، أكد الأمر في بلاغ تحدث عن أن 4 موظفات تعرضن لتحرشات جنسية من قبل المسؤول السابق على قسم الشؤون الإدارية والمالية ابتداء من سنة 2014، مقدما اعتذاره لهن.

وجاء في البلاغ، أن المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، التابعة لوزارة العدل حاليا، فتحت بحثا إداريا نهاية سنة 2020 من خلال تكليف لجنة إدارية مكونة من أطر عليا بالمندوبية، مجربة من حيث عملها في مجال القانون وحقوق الإنسان، ليغادر المشتكى به إدارة المندوبية بعد إفادة التصريحات المقدمة من طرف الموظفات حصول تحرش جنسي.

وأضافت الوثيقة "قرر المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أمام هذا الوضع، بعد استنكاره الشديد، الاعتذار للمشتكيات عما حصل لهن داخل فضاء المندوبية، وتبعا لذلك، بإحالة الملف على رئاسة النيابة العامة، لتتخذ ما يلزم في نطاق القانون".

وبعدها بيوم واحد صدر بلاغ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أكد "الحرص على عدم الإفلات من العقاب، سواء بالنسبة للمتحرش أو بالنسبة للمتستر عنه"، مشددا على على موقفه "بأهمية دعم التبليغ في حالات التحرش الجنسي وضرورة التعامل مع الشكايات بجدية وتيسير ولوج الضحايا لآليات الانتصاف"، والتأكيد على "أهمية إعمال تدابير حماية الضحايا".

عقاب مُجَمد وانتقام مستمر

لكن ذلك. لم يكن كافيا لتصحيح المسار الذي اتخذه الموضوع، فالمعني بالأمر ظل في موقعه ينعم بامتيازاته الجديد، دون اتخاذ أي إجراء في حقه، الأمر الذي برره المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكونه "لم يتوصل بنسخة من نتائج البحث الإداري حول الموضوع المشار إليه في البلاغ حتى يمكن ضمه إلى ملفه المهني وينتج آثاره الإدارية الملائمة"، مع الإشارة إلى أن الموظف المذكور "أكد بأنه يبقى رهن إشارة أي تحقيق إداري أو قضائي".

ولا زال مضمون تقرير لجنة البحث الإداري مطموسا إلى اليوم، فالمندوب الوزاري سبق وقال إنه "لم يطلع عليه"، في حين أن المكتب النقابي بالمندوبية الذي سبق أن عبر عن ارتياحه لقيام وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان تشكيل اللجنة المكلفة بالتحري، أعرب عن "قلقه الشديد بسبب تأخر الكشف عن نتائج عملها خاصة وأن الأشخاص المشتبه بهم في ارتكابهم للتجاوزات المطروحة على اللجنة لا يزالوا يمارسون مسؤولياتهم بشكل عادي رغم ما تكتسيه أفعالهم من خطورة جزءا منها ذات طابع جنائي".

أما الضحية "إ.ش" فلا تزال إلى حد الساعة، حسب تأكيداتها، عرضة للانتقام، آخر صُوّرِه كانت في 27 شتنبر 2022 حين توصلت من طرف الكاتب العام للمندوبية بإنذار يخبرها بأنها في وضعية ترك للوظيفة، وأن الإدارة ستلجأ إلى عزلها، في حين تعمل هي على البحث عن جبر الضرر ورد الاعتبار من خلال اللجوء إلى القضاء بشكل شخصي نتيجة حالة "عدم الإنصاف" التي واجهتها في ملف تؤكد أنه تسبب لها في أزمات نفسية وصحية خطيرة.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...