"حتى يَعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار".. هل يُنهي الملك محمد السادس سياسة اليد الممدودة إلى الجزائر؟

 "حتى يَعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار".. هل يُنهي الملك محمد السادس سياسة اليد الممدودة إلى الجزائر؟
الصحيفة من الرباط
الثلاثاء 1 نونبر 2022 - 15:00

لم تكن رغبة الملك محمد السادس في حضور القمة العربية بالجزائر، مجرد شائعة أو قراءة تحتمل الخطأ والصواب، بل تأكد، قبل أيام قليلة على الحدث المرتقب، أنها  كادت تتحول إلى حقيقة، عندما بعث العاهل المغربي وفدا خاصا رفقة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، مهمته الأساسية هي التحضير لهذه الزيارة التي كانت ستعني انتهاء غيابٍ استمر منذ 2005، بل وأيضا إعلانا صريحا لحسن النوايا من المملكة تجاه جارتها الشرقية.

لكن السلطات الجزائرية اجتهدت في جعل هذه الزيارة مستحيلة، منذ وصول وزير الخارجية المغربي إلى أراضيها، انطلاقا بنشر خريطة المغرب بدون الصحراء والتي تبرأت منها جامعة الدول العربية، ومرورا بمنع ثلثي الوفد الإعلامي المرافق للبعثة المغربية من دخول البلاد لدرجة مصادرة أجهزة القناة الأولى، ووصولا إلى رفض إدراج النقطة المتعلقة بإدانة إيران لدعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية ولملشيات الحوثي في اليمن، المقترحة من طرف بوريطة خلال الاجتماع الوزاري التحضيرا، ضدا على ميثاق الجامعة، قبل أن تصر أغلب الدول العربية على تضمينها ضمن نقاشات القمّة.

حتى لا يتحول الملك إلى نجم

وسيَسهُل على المتابع لمجريات الأحداث، منذ وصول بوريطة إلى الجزائر يوم 29 أكتوبر 2022، أن يستنتج بكثير من الموضوعية أن السلطات الجزائرية حاولت بكل الطرق تفادي اضطرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون استقبال الملك محمد السادس عند وصوله إلى الأراضي الجزائرية، ووقوفه أمام العلم المغربي ليستمع لعزف النشيد الوطني، وفي ظل غياب معظم ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية، كان النظام الجزائري يفضل ألا يبسط السجاد الأحمر للعاهل المغربي.

ففي منتصف شتنبر الماضي، كتبت صحيفة "النهار" اللبنانية أن الملك محمد السادس سيكون "نجم قمة الجزائر"، مضيفة "إذا ما كانت أسئلة تقليدية تُطرح بشأن مستوى حضور القمة، فإن مشاركة العاهل المغربي قد تكون حافزا لرفع مستوى الحضور العام ليكون على مستوى القادة للدفع بزخم إضافي لحدث سيكون تاريخياً بالنسبة الى المنطقة والبلدين على السواء"، ويبدو أن هذا الكلام كان اقتناعا لدى تبون الذي لم يبذل أي مجهود لجعل "اللقاء وجها لوجه" مع الملك أمرا ممكنا.

ويتضح هذا من خلال تصريحات يوم أمس الصادرة عن وزير الخارجية المغربي، والتي نقلتها قناة "العربية"، حيث أورد أن الملك لن يحضر القمة "لاعتبارات إقليمية"، متحدثا عن أن توضيحات الجزائر بشأن أزمة خريطة الدول العربية التي اقتطعت منها الصحراء المغربية "لم تكن مقنعة"، كما أن ثلثا الوفد الإعلامي المغربي عادوا من المطار إلى المغرب لسبب غير واضح، في حين قالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إن الجزائر لم تحتفظ ولو بالقدر اليسير من المعاملة الدبلوماسية مع بوريطة.

سياسة اليد الممدودة

وتطرح الصنائع الجزائرية، التي مست هذه المرة الأعراف الدبلوماسية لقمة يفترض أن من يحدد توجهاتها العامة هي جامعة الدول العربية، علامات استفهام حول ما إذا كانت هذه هي المرة الأخيرة التي ينهج فيها العاهل المغربي سياسة "اليد الممدودة" تجاه الجارة الشرقية للمملكة، والتي كانت حاضرة في خطاباته خلال السنوات الأخيرة على الرغم من لغة العداء ومبادرات القطيعة الصادرة عن قصر المرادية وعن قيادة الجيش في الجزائر.

"ففي خطاب العرش في نهاية يوليوز الماضي، قال الملك "أشدد مرة أخرى بأن الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما، بل نريدها أن تكون جسورا تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى"، وأضاف "أهيب بالمغاربة لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال".

بل إن الملك نأى بسياسة ودبلوماسية الرباط عن أي إساءة للبلد الجار، موردا "أما فيما يخص الادعاءات التي تتهم المغاربة بسب الجزائر والجزائريين، فإن من يقومون بها بطريقة غير مسؤولة يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين، وإن ما يقال عن العلاقات المغربية الجزائرية غير معقول ويحز في النفس، ونحن لم ولن نسمح لأي أحد، بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا، وبالنسبة للشعب المغربي، فنحن حريصون على الخروج من هذا الوضع وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين".

نبوءة الحسن الثاني

وإذا كان الملك محمد السادس قد أكد بالقول إنه مستعد للجلوس وجها لوجه مع تبون، حين قال "إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك"، ثم أثبت ذلك بالفعل حين كان يستعد للمشاركة في القمة العربية، فلا يبدو أن الرئيس الجزائري مستعد لهذه "المواجهة" وإلى حدود اللحظة يكتفي الرجل بالتصريحات التي يروجها إعلام بلاده، وبالاختباء وراء اتهامات قررت الدبلوماسية المغربية بشكل رسمي عدم التجاوب معها.

ويُذكر هذا الوضع، الذي حول الشغل الشاغل لبلد بأكمله هو ما يجنيه جاره في قضية يقول إنه ليس طرفا فيها، أي قضية الصحراء، بنوع آخر من الدبلوماسية كان يتقنها الملك الراحل الحسن الثاني، والذي قال ذات خطاب إن "مغربية الصحراء شيء لا جدال فيه ،ولكن كنا ننتظر.. أن يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار.. كنا نريد أن يعرف الناس النوايا الحقيقية لمن هم يُساكنوننا ويجاوروننا، ولله الحمد سبحانه وتعالى أن انكشف الغطاء".

ويبدو أنه بالنسبة للعديد من المتابعين المغاربة، فإن التعويل على "التعقل" الجزائري في ظل النظام الحالي الذي يقوده رئيس وقائد أركان في عقدهما الثامن، هو أمر أقرب للمستحيل، لذلك، فإن اللغة الدبلوماسية الأخرى التي تحملها أيضا العديد من الخطابات الملكية، والتي تتبناها وزارة الخارجية وتمثيلية المغربي في الأمم المتحدة وكذا القوات المسلحة الملكية، المتمثلة في تأكيد مغربية الصحراء بحكم الأمر الواقع والمضي قدما في بناء المملكة دون الحاجة إلى شراكات آتية من الشرق، أسلم وأضمن وأكثر عائدا، حسب عقيدة جديدة للسياسة الخارجية للمغرب بدأت الرباط في اعتمادها.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...