حملة أمنية في العديد من المُدن لمطاردة "الخارجين عن القانون" بعد تصاعد عمليات العنف واستهداف ممتلكات المواطنين
علمت "الصحيفة" من مصادر أمنية متطابقة، أن حالة من الاستنفار الأمني غير المسبوق تسود مدن طنجة وتطوان وأكادير، في ظل تصاعد وتيرة الأفعال الإجرامية وأعمال العنف التي باتت تهدد الأمن العام وتثير قلق الساكنة، موردة أن السلطات الأمنية أطلقت حملة واسعة النطاق خلال الأيام الأخيرة، استهدفت من خلالها الشبكات الإجرامية والعناصر المتورطة في ترويع المواطنين، خصوصًا في الأحياء التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الاعتداءات والاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة البيضاء.
وأوضحت المصادر الأمنية المتطابقة ذاتها لـ "الصحيفة"، أن الأجهزة الأمنية بمختلف تشكيلاتها باشرت حملة أمنية واسعة النطاق، تتسم بالصرامة والسرعة في التنفيذ، هدفها وضع حد لتنامي الجرائم المنظمة والعنيفة، التي باتت تشكل تهديداً مباشراً للسكينة العامة.
وهذه التحركات الأخيرة جاءت، بحسب المصادر ذاتها، كرد فعل مباشر على تصاعد أعمال العنف الموثقة بالصوت والصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أظهرت، في مشاهد صادمة، تراشقات بالأسلحة البيضاء، اعتداءات مروعة في الشارع العام، واستهداف عناصر أمنية أثناء مزاولتهم لمهامهم.
وذكرت المصادر ذاتها، أنه في مدينة طنجة، حيث التوتر بات ملموسًا في عدد من الأحياء الشعبية، شددت السلطات الأمنية من قبضتها عبر تعزيز الحضور الأمني الميداني ونشر سدود قضائية في مداخل الأحياء ومخارج المدينة، موردة أنه تم التركيز بشكل خاص على راكبي الدراجات النارية، الذين يُشتبه في ضلوع عدد منهم في عمليات سرقة بالخطف استهدفت نساء ومارة في وضح النهار.
والاستراتيجية الجديدة تقوم على نشر دوريات أمنية متنقلة، مدعومة بتقنيات المراقبة الحديثة، واستهداف المسارات الثانوية التي كان يلجأ إليها الفارون من العدالة لتفادي المراقبة، وهو ما مكن من توقيف عدد من المشتبه فيهم، بعضهم يشكل موضوع مذكرات بحث وطنية.
أما في مدينة تطوان، فقد دخلت وحدات خاصة من الشرطة على الخط، وباشرت مداهمات ليلية مركزة في أحياء تعتبر بؤراً سوداء للجريمة، وفق تعبير مصادر أمنية تحدثت إلى "الصحيفة".، أشارت إلى أن العمليات تستهدف أشخاصًا يشتبه في ارتباطهم بشبكات تهريب الأسلحة البيضاء وترويج المخدرات الصلبة، خصوصاً تلك القادمة من شمال المغرب نحو الداخل.
والتحرك الأمني في تطوان وصفته مصادرنا بـ"الدقيق والممنهج"، حيث لا يقتصر على التمشيط العشوائي، بل يعتمد على معلومات استخباراتية دقيقة، تسمح بتوقيف عناصر خطرة دون إطلاق إنذارات مسبقة تُفشل العملية.
وشملت الخطة الأمنية الجديدة أيضا، مدينة أكادير بوسط المملكة حيث اتخذت التعبئة الأمنية طابعًا مختلفًا، وأكثر حدة، فقد شهدت الأيام الأخيرة عدة عمليات أمنية في أحياء توصف بـ"النقاط الساخنة" عل غرار تيكيوين، بنسركاو، أنزا، الجرف وتراست. وهذه المناطق، تقول مصادر "الصحيفة"، تحولت إلى مركز اهتمام أمني بعد انتشار مقاطع مصورة توثق اعتداءات بالسلاح الأبيض ومعارك دامية وسط الشارع العام، ما أثار سخطًا واسعًا في صفوف الساكنة المحلية.
الرد الأمني كان سريعًا، من خلال تعزيزات مكثفة، حملات تمشيطية متواصلة، واعتقالات نوعية استهدفت أفرادًا يشكلون صلب الشبكات الإجرامية التي تنشط في تلك المناطق، وفي واقعة لافتة، تمكنت فرقة أمنية تابعة لمفوضية تيكيوين من تحييد مجرم خطير معروف بسوابقه العنيفة، كان تحت تأثير المخدرات الصلبة ويهدد سلامة المارة.
وتُجمع مصادرنا على أن ما تشهده هذه المدن الثلاث لا يدخل في نطاق الحملات الموسمية، بل هو جزء من تحول بنيوي في المقاربة الأمنية، يقوم على المعلومة المسبقة، والتحرك الخاطف، وكسب الثقة الميدانية للسكان، فيما الغرض من هذه التعبئة هو بعث رسالة واضحة لمن تسوّل له نفسه المس بأمن المواطن تؤكد أنه "لا خطوط حمراء عندما يتعلق الأمر بالأمن العام، ولا تهاون مع المجرمين مهما كانت طبيعة أنشطتهم أو درجة خطورتهم".، إذ تسعى الاجهزة إلى إعادة فرض منطق الردع بدل الاستجابة المتأخرة، خصوصاً بعد أن باتت مواقع التواصل فضاءً لتوثيق الانفلات الأمني، مما يفرض تدخلًا سريعًا يعيد هيبة الدولة إلى الشارع.
وتؤشر هذه الحملة الواسعة على تحول نوعي في العقيدة الأمنية التي باتت تراهن على الضربات الاستباقية بدل ردود الفعل، مع ما يرافق ذلك من توظيف للمعلومة الاستخباراتية، وتنسيق ميداني بين مختلف الأجهزة، من الشرطة إلى الدرك، ومن القوات الخاصة إلى وحدات التدخل السريع، غير أن هذه التعبئة الأمنية، وإن كانت ضرورية لفرض سلطة الدولة واستعادة هيبتها في الشارع، فإنها تسلّط الضوء على إشكاليات أعمق مرتبطة بالبنية الاجتماعية والاقتصادية التي تُفرخ الجريمة، وتُغذي شعورًا متزايدًا بالهشاشة والانفلات في بعض الأحياء الهامشية.
من جهة ثانية، ففي الأسابيع الأخيرة، شهدت منصات التواصل الاجتماعي تداولًا واسعًا لمقاطع مصوّرة صادمة توثق مشاهد عنف علني، واعتداءات بالسلاح الأبيض، واشتباكات عنيفة في الشارع العام، بعضها وقع في وضح النهار وأمام أنظار المارة، دون تدخل فوري، وهذه المشاهد، التي تم تصويرها في أحياء متعددة من مدن طنجة وتطوان وأكادير، أثارت حالة من الغضب الشعبي وطرحت تساؤلات حارقة حول مآلات الوضع الأمني ومدى جاهزية السلطات لمواجهة هذه الانفلاتات المتكررة.
وساهمت هذه المقاطع المنتشرة على "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيك توك" في دفع الموضوع إلى واجهة النقاش العمومي، وتحولت إلى عامل ضغط مباشر على السلطات، التي وجدت نفسها أمام مطالبة شعبية بإعادة فرض هيبة الدولة واستعادة السيطرة على الأحياء التي أصبحت مرتعًا للجريمة.
وبينما كانت هذه المنصات الرقمية تُتهم سابقًا بإشاعة الفوضى ونشر الخوف، باتت اليوم، بحسب مراقبين، تلعب دورًا رقابيًا غير مباشر، حيث أصبحت عين المواطن هي الحارس الموازي الذي يفضح الانفلاتات ويدق ناقوس الخطر.
وفي هذا السياق، أوضحت مصادر أمنية لـ "الصحيفة" أن العديد من العمليات الأمنية الأخيرة استندت إلى بلاغات ومقاطع توصلت بها مصالح الأمن عبر قنوات رسمية وغير رسمية، مشيرة إلى أن هذه الدينامية الجديدة تُجسد مفهوم "الأمن التشاركي"، حيث يتحول المواطن إلى مساهم فعلي في حماية مدينته.
وأورد مصدر أمني رفيع، في حديثه لـ "الصحيفة" أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد فضاء للتعبير، بل تحولت فعليًا إلى قناة معلوماتية بديلة، تُغذي التحرك الميداني وتدفع باتجاه تدخلات سريعة وفعّالة، موردا "في عدد من الحالات الأخيرة، كانت المقاطع المنتشرة على الفيسبوك والتيك توك هي أولى الخيوط التي قادت إلى تحديد مواقع مشتبه فيهم أو تتبع تحركات مجرمين معروفين، بل إنها ساعدت على رصد أنماط إجرامية جديدة لم تكن معروفة في السابق من حيث توقيت تنفيذها أو الأدوات المستخدمة فيها."
وأوضح المصدر ذاته، أن المديرية العامة للأمن الوطني تشتغل منذ فترة على تكييف آليات عملها مع مناخ رقمي متغير، حيث أصبحت الفيديوهات القصيرة والتفاعلات الجماهيرية بمثابة "بلاغات جماعية فورية"، تستلزم يقظة على مدار الساعة واستجابة ميدانية مرنة وسريعة.
وختم المصدر تصريحه بالتأكيد على أن الأمن لم يعد حكرًا على المؤسسات الرسمية فقط، بل بات عملاً جماعيًا تشاركيًا، مضيفًا: "نحن نؤمن اليوم أن المواطن، حين يوثق الخطر ويبلّغ عنه، لا يقوم فقط بدور المتفرج، بل يساهم فعليًا في حماية مجتمعه، ويمنحنا مدخلًا حيويًا لتحديد مكامن الخلل والتدخل قبل فوات الأوان."





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :